مع دخول النصف الثاني من رمضان، بدا واضحًا أن دراما هذا العام تعاني من أزمة حقيقية، حيث يهيمن التكرار والرتابة على معظم الأعمال، وسط غياب سيناريوهات قوية واعتماد مفرط على التيمات المستهلكة، مثل البطل الشعبي والدراما الميلودرامية المبالغ فيها، حتى أثار انتقاد السيسي لهذه الأعمال، ومن ثم قامت أذرعته الإعلامية بمهاجمة تلك المسلسلات الفاشلة.
ورغم تنوع عدد المسلسلات إلى 39 عملًا، لم ينجح أي منها في تحقيق النجاح الجماهيري الكاسح، في ظل احتكار جهة إنتاجية واحدة تقريبًا، ما أدى إلى قتل المنافسة وإضعاف جودة المحتوى.
كما أن هذا الإنتاج الضخم الذي غلب عليه نشر مظاهر البلطجة والعنف والعري، لم يتناول القضايا الحقيقية التي تؤرق المصريين، كما تجاهل المجازر التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة.
الجرعات التلفزيونية الرمضانية هي بصورة أو بأخرى لسان حال الناس تتأثر وتؤثر، تعكس وتصنع، لكنها أيضاً باتت تجد نفسها في خانة الاتهام بالتسبب في تدني الأخلاق وتدهور السلوكيات وأحياناً في دفع الفئات الهشة من المشاهدين والمشاهدات إلى أحضان منظومات اجتماعية متدنية واعتناق مفاهيم حياتية يظن أنها تدفع بالمجتمع نحو الهاوية.
الهاوية الرمضانية الممتدة من بعد الإفطار مباشرة وحتى فجر اليوم التالي، ويعاد غالبها عقب الفجر وحتى موعد الإفطار متخمة بمحتوى درامي هابط وبرامجي يدق على الرؤوس والعقول والقلوب بلا هوادة على مدار 29 أو 30 يوماً بحسب رؤية هلال العيد.
انتقاد السيسي وإعلامه
كثرة الإسفاف وانعدام جودة الكتابة وتفشي البلطجة والمخدرات، والرقص والعري مع فشل الدراما في جذب المشاهدين، أغضبت السيسي نفسه وإعلامه، ليخرجو منتقدين ذلك الفجور والإسفاف على غير حقيقتهم.
فشنت الإعلامية لميس الحديدي هجوماً شرساً على ما أسمته الدراما الشعبية في مسلسلات رمضان، بسبب الألفاظ الخارجة التي انتشرت فيها.
وكتبت لميس عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك": "المسلسلات الشعبية (العشوائية) اجتاحت الموسم الرمضاني هذا العام، وربما تكون من الأكثر نجاحًا والأكثر مشاهدة، الممثلين هايلين ونجوم ومشاهد العنف متقنة وكل حاجة، أنا بس عندى سؤال، هو ليه كلها ردح وزعيق ولوى بوز وألفاظ عجيبة، وليه بيخلوا الممثلين يتكلموا كده؟ التضجين، المط في الكلام، دي العامية المصرية أحلى لهجة، ليه بنحولها لعشوائية ونمحو ملامحها".
تابعت: "فيه فرق بين فن الواقع اللي كان يترأس مدرسته الأستاذ المخرج صلاح أبو سيف، وبين اللي احنا بنشوفه، أكيد فيه طبعًا فئات بتتكلم كده نتيجة انهيار التعليم واجتياح اقتصاد التوك توك اللي عاث في حاراتنا وعقولنا فسادًا، لكن إحنا ليه بنرسخ الأسوأ؟ بنعلم الأجيال اللى بتتفرج على المسلسلات دى إيه؟ واللي بيحبوا الفنانين دول إيه؟ يتكلموا بنفس الطريقة؟ الممثل الأشطر اللى بيطجن، والممثلة الأفضل هي اللي بتلوي بوزها و"تتشدق بـ"اللبانة"!".
واستكملت لميس الحديدي: "طبعًا ده مش معناه إن النموذج الصح هو "فن الكومباوندات" لأن ده برضه، لا يمثل المجتمع، لكن فيه ناس عادية عايشين فى مصر -وهم الأكثر- الفن تأثير، حذار من التأثير في الاتجاه الخاطئ، نجاح مسلسل لن يعوض الثمن اللي بندفعه لسنوات طويلة".
نشأت الديهي: الدراما الرمضانية خذلت المشروع الوطني المصري
كذلك انتقد نشأت الديهي، بعض الأعمال الدرامية خلال الموسم الرمضاني 2025، قائلًا "الدراما الرمضانية خزلت المشروع الوطني المصري".
وأضاف "الديهي" خلال تقديم برنامجه "بالورقة والقلم" المذاع عبر فضائية "TeN"، "يا جماعة مصر مش فوضى، مفيش مسلسل إلا وفيه لقطات تسيء للمجتمع المصري والمرأة المصرية والشارع المصري يا جماعة إحنا مش كده".
وتابع "لازم يكون عندنا تجربة متهدش، عايزين نهدم جدار الإحباط الموجود، الشعب المصري أرقى وليس متسول وليس حقير ولا يمد يده عنده عزة نفس وكرامة وصبور ناس جدعان بتخاف ربنا والشعب المصري مش اللي في المسلسلات".
وأردف "مش عايزين نظهر الشعب المصري أنه شعب شحات، التوعية والوعي وهما أخطر ملفات المجتمع المصري خلال الفترة الأخيرة حتى نستطيع تصدير أعمال مصر للعالم كله".
ومنجهته رأى أحمد موسى أن هذا العام، افتقدت المسلسلات المصرية للأعمال الوطنية والتاريخية مثل الاختيار والحشاشين، معلقا: مش بتابع أي مسلسلات هذا العام، وهناك مسلسلات لا تعبر عن الواقع.
دراما البلطجة
ويروج العسكر للبلطجة ويسوق لها ويتم الترويج للبلطجي على أنه الشخصية الأبرز والأكثر لفتاً للنظر؟ تلك الرسالة التي يراد لها المرور إلينا عن طريق مشاهد العنف والصراخ والسب والشتم والرقص بالسنج والمطاوي، ليمحو بها الهوية الدينية للدولة.
فأصبح ما نشاهده في رمضان هو مزيد من التجذر لـ"دراما البلطجي"، ثم أضيف لها قدر وفير من إعلاء قيمة "السرسجي"، ومعها مكون غير قليل من الصراخ والصياح والجعجعة المستمرة من دون داع أو هدف، ليس فقط في الأعمال الدرامية عبر المسلسلات، لكن من خلال بعض البرامج الحوارية والمسابقات والمقالب التي أعيت من يتابعها.
ويرى متخصصون أن الدراما الرمضانية فقدت دورها التثقيفي والإرشادي، وهو ما أكده المنتج محمد يوسف، الذي أقرّ بخطورة هذه الظاهرة، قائلًا: "هناك صعوبة لدى البعض في متابعة مسلسلات رمضان لسببين، أولهما انتشار ظاهرة البلطجة والشخصيات الغريبة التي لا تعكس واقع المجتمع المصري، وثانيهما كثافة الإعلانات التي تعيق متابعة الأحداث".
ويرى العديد من المراقبين أن الهدف الرئيسي من هذا الكمّ الهائل من المسلسلات هو إلهاء المصريين عن أوضاعهم الاقتصادية والسياسية الصعبة، وتغييب وعيهم عن القضايا المهمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، التي غابت تمامًا عن دراما هذا العام، بعد أن تم تناولها بشكل محدود في رمضان الماضي من خلال مسلسل "مليحة"، ورسم صورة إيجابية عن الجيش والشرطة، لتحسين الصورة السلبية عن هذين الجهازين لدى قطاع واسع من الجمهور.
دراما بلا هوية وبلا منافسة
تراكمت مشكلات الموسم الدرامي، من ضعف السيناريو، وغياب التنوع، وسيطرة الاحتكار، إلى التدخلات الرقابية، ما أدى إلى موسم يفتقد للإبداع والتجديد. يرى النقاد أن الدراما المصرية لن تستعيد عافيتها إلا بإعادة فتح السوق أمام المنافسة الحقيقية، والاهتمام بجودة الكتابة، والتوقف عن إعادة تدوير القصص نفسها سنويًا.
ومع تصاعد الانتقادات من كل الاتجاهات، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستتغير صناعة الدراما العام المقبل، أم ستواصل انحدارها في دوامة التكرار والابتذال؟