تصاعدت التوترات بين فرنسا والجزائر، حيث يرى المحللون أن الأزمة الدبلوماسية الحالية هي الأخطر منذ استقلال الجزائر عام 1962، مما يزيد من احتمال حدوث قطيعة في العلاقات الثنائية بين البلدين.
بداية الأزمة
اندلعت الأزمة في يوليو 2024 بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعمه لمطالب المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية، وهو ما أثار غضب الجزائر، الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو المطالبة باستقلال الإقليم.
ردّت الجزائر بسحب سفيرها لدى فرنسا، مما أدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين.
تصعيد متزايد
تفاقمت الأزمة في نوفمبر 2024 بعد اعتقال الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في الجزائر بتهمة "المساس بوحدة البلاد"، بسبب تصريحات أدلى بها لوسيلة إعلام يمينية متطرفة في فرنسا.
تلا ذلك اعتقال مؤثرين جزائريين في فرنسا بتهمة التحريض على العنف، مما زاد من التوتر.
في مارس 2025، تفاقم الوضع بعد هجوم بسكين في مدينة مولوز الفرنسية أسفر عن مقتل شخص وإصابة ثلاثة من رجال الشرطة. الجاني كان جزائريًا حاولت السلطات الفرنسية ترحيله 14 مرة دون جدوى.
ردًا على ذلك، منح رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو الجزائر مهلة تصل إلى ستة أسابيع لقبول إعادة مواطنيها المقيمين بصورة غير قانونية، مهددًا بإجراءات تصعيدية، مثل إلغاء الامتيازات الممنوحة للجزائريين بموجب اتفاق 1968.
تدهور العلاقات السياسية والاقتصادية
تتهم فرنسا الجزائر بفرض قيود على الشركات الفرنسية، واستبدال الفرنسية بالإنجليزية في التعليم الابتدائي، وإعادة مقطع في النشيد الوطني الجزائري يهاجم فرنسا، فضلًا عن تعليق التعاون الأمني.
في المقابل، يرفض الجزائريون "الإملاءات الفرنسية"، ويرون في التصعيد الحالي محاولة لاستعادة "عقلية الحقبة الاستعمارية".
منذ تعيين وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو في سبتمبر 2024، تبنّت باريس نهجًا أكثر تشددًا تجاه الجزائر، حيث أدلى روتايو بتصريحات معادية وهدّد بتغيير "ميزان القوى" بين البلدين.
يرى المؤرخ بنجامين ستورا أن هذه التوترات تعكس استمرار النزاع التاريخي حول الاستعمار، مشيرًا إلى "هوس فرنسي" بالجزائر يغذيه اليمين المتطرف.
الأزمة كأداة سياسية داخل فرنسا
ترى الجزائر أن الأزمة تُستغل في سياق المنافسة السياسية داخل فرنسا، حيث يحاول الساسة الفرنسيون استقطاب أصوات اليمين المتطرف من خلال تصعيد الخطاب المعادي للجزائر.
في فبراير 2025، انتقد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأجواء المتوترة ودعا ماكرون إلى التدخل لإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي. لكن رغم محاولة ماكرون التهدئة، لم يطرأ أي تحسن ملموس على العلاقات.
مخاطر القطيعة المحتملة
يرى مراقبون أن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى قطع العلاقات بين البلدين، مما ستكون له تداعيات خطيرة على مختلف الأصعدة.
اقتصاديًا، قد تتضرر فرنسا، إذ تعتمد على الجزائر في استيراد الغاز، كما أن نحو 450 شركة فرنسية تعمل في الجزائر.
أمنيًا، يشكل التعاون مع الجزائر عنصرًا أساسيًا في جهود فرنسا لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي.
الأزمة تهدد أيضًا بتعليق جهود المصالحة التاريخية بين البلدين، حيث توقفت اجتماعات لجنة المؤرخين التي أنشأها ماكرون لمعالجة إرث الاستعمار.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي إلغاء اتفاق 1968 إلى تعقيد أوضاع مئات الآلاف من الجزائريين المقيمين في فرنسا.
في ظل هذا التصعيد المستمر، حذرت الخارجية الجزائرية من "عواقب لا يمكن التنبؤ بها" على العلاقات الثنائية، بينما يبقى مصير الأزمة مرهونًا بقدرة الطرفين على تجاوز الخلافات التاريخية والسياسية.
https://www.middleeasteye.net/news/france-algeria-most-serious-diplomatic-crisis-end-colonial-rule