أطلق طاقم طائرة المراقبة إيجل 3، التابعة لوكالة حماية الحدود الأوروبية فرونتكس، نداء استغاثة بعدما رصد قاربًا مطاطيًا مكتظًا بـ70 شخصًا يتعرض للغرق قبالة سواحل ليبيا.
استجابت سفينة الإنقاذ هيومانيتي 1، التابعة لمنظمة SOS هيومانيتي الألمانية، ووجدت القارب على وشك الانهيار، فيما سقط بعض الركاب في البحر بعد يومين من المعاناة وسط المياه.

أغلب الركاب كانوا قُصَّرًا غير مصحوبين، فرّوا من الحرب الدائرة في السودان، من بينهم فريد، شاب يبلغ 17 عامًا من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، الذي قال: "ما زالت أصوات الطائرات تلاحقني، الضربات الجوية لا تتوقف، والجثث تملأ المكان."
 

الموت جوعًا أو العبور إلى المجهول
   
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عام 2023، قُتل عشرات الآلاف، فيما نزح أكثر من 12 مليون شخص، ويحتاج 24.6 مليون آخرون -أي نصف السكان- إلى مساعدات غذائية.

يروي فريد أن الفصائل المتحاربة تنهب المساعدات الغذائية وتبيعها، مما يفاقم المجاعة، خاصة في الفاشر، حيث يموت الناس جوعًا.

وخلال رحلته من السودان، مرَّ فريد عبر مدينة الكُفرة في جنوب شرق ليبيا، حيث تم اكتشاف مقابر جماعية تحوي جثث العشرات من المهاجرين.
تسيطر على المنطقة جماعات مسلحة متنافسة من قبيلتي الزوي العربية والتبو الإفريقية.

وعند وصوله إلى مشارف الكُفرة، وجد مئات اللاجئين السودانيين يفترشون الطرقات طلبًا للمساعدة.
قدمت لهم السلطات الليبية بعض الطعام والفُرُش، لكنها أجبرتهم على العمل لساعات طويلة في جمع النفايات البلاستيكية لإعادة التدوير، دون أي مقابل.

حين اشتكى فريد، هُدِّد بأنه إن تسبّب في أي مشاكل، فسيتم بيعه إلى ميليشيا أخرى أو ما هو أسوأ.

قال فريد بصوت مرتجف: "الكُفرة منطقة قبلية، ونحن عبيد في أرضهم؛ يجبروننا على القتال معهم أو يبيعوننا للعمل القسري. إذا رفضت، يمكنهم انتزاع أعضائك ودفنك على جانب الطريق".
 

لعبة "السلم والثعبان" القاتلة
   
بحسب مفوضية اللاجئين، يوجد في ليبيا أكثر من 210 ألف لاجئ سوداني، يمثلون 73% من إجمالي اللاجئين هناك، مع وصول مئات آخرين يوميًا.

منذ سقوط معمر القذافي عام 2011، غرقت ليبيا في صراعات الفصائل وأصبحت نقطة عبور رئيسية للمهاجرين الفارين من الحروب والفقر.
معظم السودانيين يعبرون من الكُفرة نحو أجدابيا في الشرق، أو العاصمة الساحلية طرابلس في الشمال.

في هذه الرحلة، يتعرض اللاجئون للاستغلال والاعتداء، خاصة النساء.
يقول فريد: "رأيت فتاة تعرضت للضرب والاغتصاب؛ قتلوها وتركوا جثتها في الشارع؛ أخذت والدتها جسدها إلى السودان، وقالت إنها تُفضّل الموت في الحرب على البقاء في ليبيا".

أما أحمد، وهو شاب سوداني يبلغ 19 عامًا، فقد احتُجز في مستودع للمهربين في الزاوية لمدة أربعة أشهر.
يوضح أن هناك سلسلة من مراكز الاحتجاز، تمتد من الكُفرة جنوبًا إلى الزاوية وعين زارة شمالًا، حيث يجب دفع مبالغ مالية لإطلاق السراح.

وتابع: "إذا قُبض عليك مجددًا، تعود إلى نقطة البداية، وكأنك تلعب لعبة السلم والثعبان."
 

يانصيب القوارب
   
يؤكد أحمد أن خفر السواحل الليبي يدير ما يشبه "يانصيب القوارب"، حيث يعتمد مصير المهاجر على المبلغ الذي يدفعه.
تتراوح الرسوم حتى 15,000 دولار، حيث يحصل من يدفع أكثر -وغالبًا ما يكونون مصريين أو سوريين- على معاملة أفضل وفرصة أكبر للعبور مقارنة بالسودانيين والإريتريين الذين يدفعون أقل.

منذ عام 2015، خصص الاتحاد الأوروبي أكثر من 465 مليون يورو (503.8 مليون دولار) لتدريب وتجهيز السلطات الليبية من أجل الحد من تدفق المهاجرين.
لكن جماعات حقوقية تؤكد أن هذه السياسة تؤدي إلى انتهاكات خطيرة، ولا تعالج الأسباب الجذرية للهجرة.

في عام 2023، كشف تحقيق بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق أن بعض الوحدات الليبية المدعومة من الاتحاد الأوروبي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في مراكز الاحتجاز.
 

البحر.. الخيار الأفضل
   
بينما كانت هيومانيتي 1 تبحر نحو كالابريا في إيطاليا، استعاد أحمد ذكرياته وقال إنه رغم المخاطر، فإنه كان ليعيد الرحلة مرة أخرى.

وأضاف: "لا أريد أن يقتلني إخوتي في السودان"... "أما ليبيا، فالموت في البحر أفضل، البحر لن يعذبك."

https://www.middleeastmonitor.com/20250313-sudans-refugees-face-deadly-game-of-snakes-and-ladders-in-libya/