كشفت عمليات القتل الجماعي والتدمير الإسرائيلي في قطاع غزة عن ضعف أوروبا ومؤسساتها، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي نفسه. فقد أظهرت هذه الأحداث عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على التصرف بناءً على قيمه ومبادئه، وعجزه عن اتخاذ موقف مستقل عن الهيمنة الأمريكية في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، للتعامل مع الصراع الأطول في الشرق الأوسط.

منذ إنشاء إسرائيل، كانت الولايات المتحدة القوة المهيمنة في المنطقة، سواء في أوقات الحرب أو السلام. حتى خلال الحقبة السوفيتية، لعبت أوروبا، التي كانت مسؤولة بشكل أساسي عن إنشاء إسرائيل، دورًا ثانويًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. باستثناء بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا، التي اتبعت في بعض الأحيان سياسة مستقلة، ظل معظم الاتحاد الأوروبي تابعًا لما تمليه الولايات المتحدة أو تجاهل الصراع تمامًا، مكتفيًا بإصدار بيانات ضعيفة بين الحين والآخر.

 

اتجاه أوروبي جديد ولكن بطيء

بدأت أوروبا مؤخرًا في اتخاذ مواقف أكثر استقلالية، حيث اعترفت 11 دولة أوروبية، بما في ذلك النرويج (غير العضو في الاتحاد الأوروبي)، بدولة فلسطين، بينما تفكر دولتان أخريان في اتخاذ نفس الخطوة. كما أن جميع الدول الأوروبية لا تزال تؤيد حل الدولتين باعتباره الحل الأفضل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بما يشمل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وأجزاء من لبنان وسوريا.

علاوة على ذلك، أبدت معظم الدول الأوروبية استعدادها لاحترام القانون الدولي، كما ظهر في موقفها من أوامر الاعتقال التي أصدرها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت. وعلى الرغم من أن معظم الحكومات الأوروبية لم تدعم علنًا تنفيذ الأوامر، فإنها قبلتها من حيث المبدأ، مع وجود عدد قليل من الدول التي أبدت تحفظات.

 

دور المبادرات العربية في توجيه أوروبا

وبدعوة من السعودية، دعمت العديد من الدول الأوروبية فكرة إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وفي هذا السياق، اجتمعت وفود من 94 دولة في مبادرة تُعرف باسم التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، كما عقد اجتماع آخر في القاهرة بمشاركة 35 دولة وممثلين عن منظمات دولية مختلفة.

وفي خطوة أخرى، رحب الاتحاد الأوروبي بالخطة العربية لإعادة إعمار غزة، واعتبرها أساسًا جادًا لمناقشة مستقبل القطاع بعد الدمار الإسرائيلي. ويعكس هذا الموقف الأوروبي رفضًا ضمنيًا للخطة الأمريكية التي طرحها الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي تهدف إلى تطهير غزة من سكانها وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".

 

هل تستطيع أوروبا اتخاذ موقف مستقل؟

رغم هذه الخطوات الكبيرة مقارنة بالماضي، لا يزال الاتحاد الأوروبي غير قادر على اتخاذ زمام المبادرة لحل الصراع في الشرق الأوسط وفقًا لمبادئه الخاصة. منذ إنشائه عام 1993، يفتقر الاتحاد إلى سياسة خارجية ودفاعية موحدة، حيث لا تزال سياسته الدفاعية محكومة بمعايير حلف الناتو، حتى عندما تكون هناك حاجة إلى نهج أوروبي مستقل، كما ظهر في الحرب الأوكرانية.

في عام 1965، صرّح الجنرال شارل ديجول، أحد أبرز دعاة السياسة الخارجية والدفاعية المشتركة للاتحاد الأوروبي، قائلاً: "نحن في وضع من التبعية العسكرية... نحن نعتبر أنه من الضروري أن تكون أوروبا مستقلة بذاتها ولأجل ذاتها في العالم".

ويظل احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها من المبادئ الأساسية التي تميز الاتحاد الأوروبي، وهو مبدأ ينطبق تمامًا على القضية الفلسطينية. فالفلسطينيون والسوريون واللبنانيون يريدون ببساطة العيش بحرية على أراضيهم، بعيدًا عن العدوان الإسرائيلي والاحتلال.

 

الانفصال عن الهيمنة الأمريكية: هل أصبح ممكنًا؟

تزايدت التوترات والتناقضات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ليس فقط بشأن الصراع في أوكرانيا ولكن أيضًا في مجال التجارة الثنائية. وهذا يشير إلى أن أوروبا الجديدة لن تكون كما كانت منذ عام 1993، حيث أصبحت تدرك تدريجيًا ضرورة التحرر من الاعتماد على أمريكا، وأن هناك مستقبلًا خارج إطار الناتو.

وفيما يخص الشرق الأوسط، يبقى الانفصال عن السياسة الأمريكية الخيار الأسهل لأوروبا لتحقيق الاستقلال الدبلوماسي. فأوروبا تدرك تمامًا أن واشنطن ليست وسيطًا نزيهًا في الصراع العربي الإسرائيلي، بل تمثل المصالح الإسرائيلية أكثر من مصالحها الخاصة. وعلى مدى العام ونصف الماضيين، أظهرت الولايات المتحدة انحيازها الكامل لإسرائيل في حربها على غزة.

ومن المفارقات أن سياسات ترامب تجاه أوكرانيا قد تؤدي، دون قصد، إلى إيقاظ الاتحاد الأوروبي ليدرك أن اتباع السياسات الأمريكية ليس دائمًا في مصلحة القارة الأوروبية، مما قد يدفعه إلى اتخاذ قرارات أكثر استقلالية تجاه الشرق الأوسط ودول الجوار.

https://www.middleeastmonitor.com/20250313-can-europe-break-away-from-the-us-harmful-policy-on-the-middle-east/