لطالما كانت تمور الاحتلال الصهيوني، وعلى رأسها تمر "المجهول"، تتسلل إلى موائد الصائمين في الدول العربية والإسلامية، لكن هذا العام يختلف عن سابقيه.
فقد تصاعدت حملات المقاطعة ضد منتجات الاحتلال الصهيوني منذ العدوان الصهيوني الوحشي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، مما أسهم في تراجع تصدير هذه التمور بشكل ملحوظ، وألحق خسائر فادحة بمزارعي الاحتلال وشركات التوزيع.
 

واقع تجارة تمور الاحتلال
   ينتج الاحتلال الصهيوني سنوياً حوالي 40 ألف طن من التمور، يتركز 80% منها على صنف "المجهول"، الذي يعود أصله إلى المغرب العربي.
وتنتج المستوطنات الصهيونية المقامة على الأراضي الفلسطينية، خاصة في الضفة الغربية، نحو 30 ألف طن سنوياً من هذا النوع، مما يعادل 75% من إجمالي إنتاج التمور الصهيوني.

وبحسب تقارير اقتصادية، تقدر تجارة التمور الصهيونية بحوالي 340 إلى 500 مليون دولار سنوياً، فيما بلغت قيمة صادراتها 338 مليون دولار عام 2022، وفق بيانات وزارة الزراعة الصهيونية.
غير أن هذه التجارة باتت مهددة بسبب اتساع نطاق حملات المقاطعة.
 

تصاعد حملات المقاطعة وتأثيرها
   في ظل استمرار الحرب الصهيونية على غزة، تجددت دعوات مقاطعة المنتجات الصهيونية، خاصة في شهر رمضان، حيث تُستهلك التمور بكثافة.
وكانت "اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان"، ومقرها بريطانيا، من بين أبرز الجهات التي أطلقت حملات تحذيرية، داعية المسلمين في أوروبا والعالم الإسلامي إلى الامتناع عن شراء تمور الاحتلال الصهيوني.
كما دعت اللجنة إلى التحقق من ملصقات المنتجات، إذ تلجأ بعض الشركات الصهيونية إلى التحايل عبر وضع علامات مضللة توحي بأن منشأ التمور فلسطيني أو أردني.

في الوقت نفسه، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملات تحت شعار "لن أتناول البلح الدموي الإسرائيلي"، يدعو خلالها النشطاء إلى مقاطعة هذه التمور التي يرون أنها تُزرع على أراضٍ فلسطينية مسروقة، وتدر أرباحاً تمول الاحتلال الصهيوني.
 

إجراءات تحايل صهيونية لتجاوز المقاطعة
   في مواجهة هذه الضغوط، لجأت شركات التمور الصهيونية إلى تكتيكات للتحايل على المقاطعة، من بينها إزالة بلد المنشأ من عبوات التمور، أو تصديرها عبر وسطاء يحملون جنسيات مختلفة.
وقد كشفت تقارير اقتصادية وإعلامية أن بعض الشركات الصهيونية تعمل على تبييض هذه التمور بإعادة تغليفها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ثم بيعها في الأسواق الأوروبية والعربية على أنها فلسطينية.

وتؤكد تقارير وزارة الاقتصاد الفلسطينية أن هناك محاولات لتمرير تمور المستوطنات إلى الأسواق الدولية تحت مسميات مثل "هولي لاند" (الأرض المقدسة)، أو عبر وسطاء فلسطينيين غير رسميين.
كما كشف تحقيق استقصائي أجرته مؤسسة "أريج" الإعلامية كيف يتم تهريب التمور الصهيونية إلى مدن فلسطينية، وإعادة تغليفها بأسماء عربية لتسهيل بيعها.
 

أثر المقاطعة على السوق الصهيونية
   تأثرت تجارة التمور الصهيونية بشدة نتيجة تصاعد الوعي الاستهلاكي بين المسلمين في أوروبا والعالم العربي.
فقد أقر "أمنون جرينبيرج"، رئيس قسم التمور في "مجلس النبات الإسرائيلي"، بأن إسرائيل تواجه حملة مقاطعة واسعة في الأسواق الأوروبية، مما أدى إلى تراكم المخزون وصعوبة تصريفه.

وبحسب صحيفة "هآرتس" العبرية، فإن منتجي التمور الصهاينة باتوا يعانون خسائر متزايدة، خاصة أن شهر رمضان كان يمثل ذروة مبيعاتهم في الأسواق العربية والإسلامية.
وكانت التمور الصهيونية، خلال السنوات الماضية، تُعرض علانية في بعض الأسواق العربية بعد موجة التطبيع، لكن في ظل تصاعد الرفض الشعبي لهذه المنتجات، يبدو أن مستقبل هذه التجارة بات مهدداً.
 

سرقة الأصناف النادرة من الدول العربية
   تاريخياً، لم يكتفِ الاحتلال الصهيوني بزراعة التمور، بل عمدت إلى سرقة أصناف نادرة من دول عربية مثل العراق والمغرب والجزائر وإيران، ونقلها إلى الأراضي المحتلة.
فقد كشفت صحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية أن الحركة الصهيونية بدأت منذ عام 1924 بجلب فسائل نخيل من مصر وزرعها في مستوطنات مثل طبريا ونهلال ودجانيا.

وخلال العقود اللاحقة، كثف الاحتلال من عمليات تهريب فسائل التمور من الدول العربية، وبخاصة من العراق والمغرب، لتطوير زراعتها في المستوطنات، ولا سيما في غور الأردن ووادي عربة حتى البحر الميت، حيث تنتج اليوم كميات ضخمة من تمر "المجهول" الذي تسوّقه باعتباره "ملك التمور" في العالم.