على مدى ثلاثة أشهر، حاول النظام الجديد في دمشق بكل الطرق إرسال رسائل تفيد بعدم رغبته في الصدام مع إسرائيل، سواء عبر وسطاء أو في مقابلات متعددة. وأكد أحمد الشرع، الرئيس الجديد لسوريا، في تصريحات لصحيفة التايمز أن بلاده لا ترغب في أي صراع مع إسرائيل، لكنها في المقابل لن تسمح باستخدام أراضيها كقاعدة لهجمات.
إلا أن إسرائيل فسّرت هذه التصريحات على أنها علامة ضعف، مما دفعها إلى تصعيد هجماتها العسكرية على سوريا. فبعد انهيار الجيش السوري بشكل غير متوقع، انتقلت إسرائيل إلى تنفيذ خطتها البديلة، حيث بدأت في قصف مواقع عسكرية وتدمير البنية التحتية الدفاعية السورية. كما أعلنت نيتها دعم الأقلية الدرزية في الجنوب والقوات الكردية في الشمال.
مخططات إسرائيل في سوريا
لم تكتفِ إسرائيل بتنفيذ غارات جوية مكثفة، بل قامت بتوسيع نفوذها داخل الأراضي السورية. فقد صرح وزير الدفاع الإسرائيلي بأن قواته ستبقى في جبل الشيخ والمنطقة العازلة في الجولان "إلى أجل غير مسمى". كما أن إسرائيل تعمل على إنشاء منطقة نفوذ تمتد على طول الحدود السورية مع الجولان، وتتصل بالمناطق الكردية في الشمال، مما يهدد بتقسيم البلاد فعليًا.
ورغم أن سوريا تمر بظروف اقتصادية صعبة، حيث يعيش أكثر من 90٪ من السكان تحت خط الفقر وتعاني الحكومة من عجز مالي حاد، إلا أن المجتمع الدولي لا يقدم لها الدعم اللازم. فبينما تماطل قطر في إرسال مساعدات مالية بسبب العقوبات الأمريكية، تسعى إسرائيل جاهدة للإبقاء على هذه العقوبات قائمة.
الخيار التركي
في ظل هذا الوضع، تبرز تركيا كأحد الخيارات القليلة المتاحة أمام سوريا لاستعادة قدرتها على الدفاع عن نفسها. فقد التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأحمد الشرع لمناقشة اتفاقية دفاع مشترك، لكن التنفيذ يسير ببطء مقارنة بسرعة التحركات الإسرائيلية على الأرض.
وتدرك تركيا أن استقرار سوريا يصب في مصلحتها الأمنية، خاصة مع وجود ثلاثة ملايين لاجئ سوري على أراضيها. كما أن أنقرة لن تقبل بتدخل إسرائيلي في الشؤون الكردية، حيث حذر وزير الخارجية التركي من أن أي محاولة لتقسيم سوريا ستؤدي إلى مزيد من الفوضى في المنطقة.
ضغط داخلي على الحكومة السورية
من جهة أخرى، تواجه الحكومة السورية الجديدة ضغوطًا متزايدة من الداخل. فقد أثارت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي أكد فيها أن إسرائيل لن تسمح للجيش السوري بالتمركز جنوب دمشق، غضبًا واسعًا بين السوريين، وخاصة في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، حيث خرجت احتجاجات رافضة لأي تدخل إسرائيلي.q
ورغم محاولة الشراع انتهاج سياسة ضبط النفس، إلا أن استمرار العدوان الإسرائيلي قد يدفعه إلى اتخاذ موقف أكثر حدة. فالتاريخ يثبت أن التراخي أمام الاحتلال يؤدي في النهاية إلى فرض الأمر الواقع، كما حدث في تقسيم سوريا بعد اتفاقية سايكس بيكو. واليوم، تجد الحكومة السورية نفسها أمام خيارين: إما التحرك بسرعة لإعادة بناء جيشها واستعادة سيادتها، أو مواجهة خطر فقدان أجزاء واسعة من البلاد لصالح مشاريع التقسيم التي تقودها إسرائيل.
https://www.middleeasteye.net/opinion/syria-must-put-end-israels-incursions-and-fast