كشف رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال زيارته الأخيرة للبيت الأبيض زيف ما روّج له القادة الغربيون ووسائل الإعلام الغربية على مدار 16 شهرًا.
فقد أسقط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القناع عن النفاق السياسي، مؤكدًا أن الدمار في غزة لم يكن سوى "مجزرة أمريكية الصنع".
صرّح ترامب علنًا بأن الولايات المتحدة ستتولى "إدارة غزة وتطويرها"، مشيرًا إلى أن الهدف الحقيقي وراء المجازر كان التطهير العرقي.
وأضاف أن الفلسطينيين سيتم "توطينهم" في مكان آخر حتى لا يكونوا "قلقين من الموت كل يوم"، أي أن يتم تهجيرهم قسرًا لإنقاذهم من القصف الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا.
أما غزة، حسب رؤية ترامب، فستتحول إلى "ريفيرا الشرق الأوسط"، حيث يعيش الأثرياء الأجانب في عقارات فاخرة على شواطئها، بعد طرد سكانها الأصليين.
السيطرة على غزة.. أم السيطرة على مواردها؟
أبعد من ذلك، امتلاك الولايات المتحدة لغزة يعني السيطرة على مياهها الإقليمية، حيث توجد احتياطيات ضخمة من الغاز لم يُسمح للفلسطينيين أبدًا باستغلالها.
ربما كشف ترامب عن غير قصد حجم الكارثة الإنسانية، حيث أشار إلى أن "1.7 أو 1.8 مليون شخص سيتم تهجيرهم"، في حين كان عدد سكان غزة قبل 7 أكتوبر 2023 يتراوح بين 2.2 و2.3 مليون.
فأين ذهب نصف مليون فلسطيني؟ تحت الأنقاض؟ في مقابر جماعية؟
المجزرة تحت غطاء غربي
تصريحات ترامب أثارت صدمة في العواصم الغربية والعربية، رغم أن هؤلاء القادة أنفسهم ظلوا صامتين طوال 15 شهرًا من الدمار الممنهج في غزة.
كانوا يبررون ما يحدث بأنه "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، بينما كانت الأمم المتحدة تحذر من أن إعادة إعمار القطاع قد تستغرق 80 عامًا.
الغرب لم يكن غافلًا عما سيحدث. كان يعرف أن الفلسطينيين إما سيموتون تحت الأنقاض أو سيُجبرون على المغادرة.
ومع ذلك، وصف السياسيون الغربيون هذه المجازر بأنها "متناسبة" و"ضرورية"، واتهموا كل من دعا إلى وقف إطلاق النار بمعاداة السامية.
في الولايات المتحدة، اعتدت الشرطة على الطلاب المحتجين – حتى اليهود، وتم طرد بعضهم من الجامعات لجرأتهم على التعبير عن رفضهم للمجازر.
الهدنة.. كذبة أخرى
لم تكن المجازر فقط كذبة، بل الهدنة أيضًا. فقد تم الترويج لها على أنها خطوة نحو السلام وإعادة إعمار غزة، لكن الحقيقة أن إسرائيل لم تتوقف عن قتل الفلسطينيين حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار.
صحيح أن القصف الكثيف هدأ، لكن الفلسطينيين ما زالوا يموتون جوعًا ومرضًا، في ظل انعدام الرعاية الصحية والمياه والغذاء.
ومع ذلك، لا توصف هذه الوفيات بأنها انتهاكات للهدنة، كما أن القناصة الإسرائيليين، وإن توقفوا عن إطلاق النار على الأطفال، إلا أن الأطفال يموتون بسبب البرد والجوع والأمراض.
حتى ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب للشرق الأوسط، أقر بأن إعادة إعمار غزة قد تستغرق بين 10 و15 عامًا، لكن سكان غزة لا يملكون كل هذا الوقت.
والأسوأ أن إسرائيل فرضت حظرًا على وكالة "الأونروا"، ما يعني أن شريان الحياة الوحيد المتبقي لمساعدة الفلسطينيين قد قُطع.
مرحلة جديدة من الإبادة الجماعية
رغم ما يزعمه الغرب عن دعمه للهدنة، فإن نتنياهو لم يخفِ نيته استئناف القصف.
وحين يحدث ذلك، لن يواجه أي عواقب من إدارة ترامب، تمامًا كما كان الحال مع إدارة بايدن.
في الواقع، إسرائيل لم تتوقف عن القتل، لكنها وسّعت نطاق جرائمها إلى الضفة الغربية، حيث تستخدم التكتيكات نفسها التي دمرت بها غزة.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، فجّرت قوات الاحتلال أجزاء كبيرة من مخيم جنين للاجئين، تمامًا كما فعلت في غزة وجنوب لبنان.
ورغم أن الضفة الغربية يحكمها محمود عباس، الذي يصف تعاونه الأمني مع إسرائيل بأنه "مقدّس"، إلا أن ذلك لم يشفع لها.
لم يكن القصف في غزة يتعلق بحماس فقط، بل كان ذريعة لتصفية القضية الفلسطينية بأكملها.
سلسلة الأكاذيب الغربية
تجلس هذه الهدنة الوهمية فوق جبل من الأكاذيب التي استمرت لعقود: الأكذوبة التي زعمت أن حماس "بدأت الحرب" في 7 أكتوبر، متجاهلة الحصار الذي حوّل غزة إلى سجن مفتوح منذ 16 عامًا، والأكذوبة التي صورت إسرائيل كدولة "مدافعة عن نفسها"، بينما هي في الحقيقة دولة احتلال تمارس التطهير العرقي منذ 75 عامًا، والأكذوبة التي روجت لأن قتل عشرات الآلاف من المدنيين كان ضروريًا لـ"القضاء على حماس"، رغم أن كل تقارير حقوق الإنسان تؤكد أن ما حدث هو إبادة جماعية.
حتى أنتوني بلينكن، وزير خارجية بايدن، اعترف بأن حملة القصف الإسرائيلي كانت بلا جدوى، قائلًا: "نُقدّر أن حماس جندت تقريبًا العدد نفسه من المقاتلين الذي فقدته"، ما يعني أن إسرائيل صنعت "وصفة لحرب أبدية".
التقديرات الأخيرة تشير إلى أن عدد الشهداء في غزة يقترب من 62 ألف شخص، بعد احتساب المفقودين تحت الأنقاض.
الحقيقة الوحيدة
لم يكن أي مما قيل عن غزة صادقًا. لم تكن إسرائيل أبدًا "دولة ديمقراطية"، ولم تكن تسعى يومًا إلى السلام، ولم يكن جيشها "الأكثر أخلاقية في العالم".
إسرائيل ليست مجرد مشروع استيطاني استعماري تقليدي، بل هي المشروع الاستيطاني الأكثر تسليحًا ودعمًا وإدمانًا على تدمير كل ما حولها.
الحقيقة الوحيدة التي يجب الاعتراف بها هي أن كل ما قيل عن إسرائيل كان كذبًا. ولا يمكن إصلاح أي شيء، ولا يمكن أن يلتئم أي جرح، قبل أن تتوقف هذه الأكاذيب.
https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-war-lie-ceasefire-trump-just-told-you