ممدوح الولي

خبير اقتصادي ورئيس نقابة الصحفيين الأسبق

 

تشهد القاهرة اليوم الخميس انعقاد قمة منظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، المعروفة اختصارا بـ”دي 8″، التي تضم ثمانيًا من أكبر الدول الإسلامية من حيث السكان والاقتصاد والتجارة، وهي بالترتيب حسب حجم الناتج المحلي الإجمالي: إندونيسيا وتركيا وبنغلاديش وإيران وماليزيا ومصر ونيجيريا وباكستان، وهي منظمة تأسست عام 1997 بتركيا، ومفتوحة العضوية، إلا أنه لم تنضم إليها دول أخرى.

ويجري انعقاد قمة المنظمة بحضور رؤساء الدول والحكومات مرة كل عامين، حيث جرت 11 قمة سابقة، وعادة ما يسبق القمة انعقاد المجلس الوزاري لوزراء الخارجية بالدول الأعضاء، لإعداد البيان الذي سيصدر عن القمة، ورغم أن الغرض الأساسي من المنظمة هو زيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري بين الدول الأعضاء، فإنه يغلب على بيانات قمتها الطابع السياسي، وتغيب الإجراءات العملية لزيادة التبادل التجاري.

والنتيجة أنه بعد 27 عامًا من النشأة ما زالت نسبة التجارة البينية بين الأعضاء، تدور حول 7% من مجمل تجارتها مع العالم، وكانت نسب تلك التجارة هي 12% مع إيران، و10% مع باكستان، و8% مع كل من إندونيسيا ونيجيريا، ثم 7.6% مع بنغلاديش ومصر، و6% مع ماليزيا، و3.6% مع تركيا.

وتعد تلك النسب للتجارة البينية خادعة بسبب تركز تجارة كل دولة مع دولة أو اثنتين سواء بسبب الجوار الجغرافي، أو بسبب الاشتراك في منطقة تجارة تفضيلية أخرى، أو بسبب استيراد النفط والغاز، ففي مصر استحوذت تركيا العام الماضي على نسبة 68% من مجمل تجارتها مع دول المنظمة، وفي إندونيسيا استحوذت ماليزيا دولة الجوار الجغرافي على نسبة 60% من الإجمالي، وفي إيران استحوذت تركيا على نسبة 77% من الإجمالي، وفي ماليزيا استحوذت إندونيسيا على نسبة 70%.

وفي نيجيريا استحوذت إندونيسيا على نسبة 54%، وفي باكستان استحوذت إندونيسيا على نسبة 48% من الإجمالي، وترتبط مصر وتركيا باتفاقية تجارة حرة، وتشترك إندونيسيا وماليزيا في مجموعة الآسيان وكذلك مجموعة أبيك، كما تشترك باكستان وبنجلاديش في رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (السارك)، وهكذا يمكن القول إن العضوية بالمنظمة لم يكن لها تأثير يذكر في زيادة التجارة بين دولها، فحتى مصر لم تنضم بعد إلى اتفاقية التجارة التفضيلية لدول المنظمة التي تواجه تحديات لتفعيلها.

وكان للعوامل السياسية دورها في ضعف التجارة، كما حدث في فترة تولي مهاتير محمد وخلافه مع السلطة الجديدة بمصر بعد عام 2013، وهو ما يحاول من جاؤوا بعده من رؤساء الوزراء تفادي آثاره، كما لم تفد العضوية المشتركة في تحريك التجارة المتدنية بين مصر وإيران، بسبب الخلافات السياسية منذ 1979، حيث بلغت قيمة الصادرات المصرية إلى إيران العام الماضي أقل من مليوني دولار وقيمة الواردات المصرية منها 3 ملايين دولار بإجمالي تجارة 5 ملايين دولار، وخلال فترة الخلاف بين مصر وتركيا دعت وسائل إعلام مصرية إلى مقاطعة البضائع التركية.

ولعل ظروف نشأة المنظمة يمكن أن تساعد في تفسير محدودية التجارة بين دولها، حيث كان الداعي لإنشاء المنظمة هو نجم الدين أربكان ذو التوجه الإسلامي عندما كان رئيسًا للوزراء بتركيا، وسرعان ما أطاح به الجيش التركي وسجنه، ومن بعده لم تجد المنظمة من يرعاها بنفس حماس أربكان، رغم وجود عجز تجاري مزمن بعدد من دول المنظمة: تركيا وبنغلاديش ومصر وباكستان، وكثرة عدد سكان دول المنظمة البالغ مليار و198 مليون نسمة يمثلون نسبة 15% من سكان العالم.

والنتيجة أن المشروعات الستة التي أقرتها قمة إسطنبول المنشئة للمنظمة في يونيو عام 1997 لم تنفذ حتى الآن، وهي المشروع المصري لإنشاء شركة دولية للتسويق والتجارة، والمشروع الإيراني للاتصالات والمعلومات، والمشروع التركي لإنتاج الطائرات الزراعية، والمشروع الإندونيسي لتنمية الثروة البشرية بهدف القضاء على الفقر، والمشروع الماليزي للتمويل والاستثمار، وخلال السنوات الماضية لم يتم إنشاء استثماري واحد بين دول المنظمة يمكن البناء عليه.

ولا أتوقع أن تسفر القمة الحالية عن تحسن في الملف التجاري أو الاستثماري بين دول المنظمة، بسبب الظروف المحيطة بالقمة من تداعيات سقوط نظام الأسد في سوريا، وتداعيات الحرب بغزة ولبنان، حيث تمت دعوة كل من الرئيس الفلسطيني ورئيس حكومة تصريف الأعمال بلبنان لحضور القمة، وأتصور أن الدعوة مقصود منها إبراء الذمة من التقصير في قضيتي غزة ولبنان بالمزيد من إصدار بيانات الإدانة للممارسات الإسرائيلية، وحجز مكان لشركات الدول المشاركة بعمليات الإعمار التي ستتم بلبنان وغزة بتمويل غربي وخليجي.

كما جاءت القمة فرصة للدولة المصرية لإثبات مكانتها إقليميًا بحضور قيادات دول المنظمة، وإطلاق المزيد من الأمنيات حول إمكانية استفادة مصر من التجارة السلعية لدول المنظمة التي بلغت تريليونين و272 مليار دولار العام الماضي، فضلاً عن تجارتها الخدمية التي بلغت 463 مليار دولار، والاستثمارات الأجنبية المباشرة التي خرجت منها البالغة 21 مليار دولار، في مشهد مشابه لما تم قبل أكثر من عام حين تم قبول مصر بعضوية البريكس والتبشير بالمنافع العديدة التي ستعود على الاقتصاد والمواطن، والتي لم تتحقق بعد مرور عام على العضوية بالبريكس.

ومن الأسباب الرئيسة لضعف الدور التجاري والاستثماري للمنظمة اقتصارها على الجانب الحكومي فقط، وغياب الذراع الموازي لها من رجال الأعمال الذي يتولى مهمة التنشيط التجاري والاستثماري، رغم أن توصيات القمة الأولى للمنظمة عام 1997 كانت تتضمن إقامة مجالس أعمال مشتركة بالدول الثماني، والنتيجة أننا بعد 27 عامًا نحتاج إلى البدء في الأساسيات للتعاون، ومنها الزيارات المتبادلة بين رجال الأعمال والمستثمرين للتعرف على المنتجات والشركات والإعلام الاقتصادي المتبادل.

كما نحتاج إلى المناقشة الشفافة لمعوقات التجارة والاستثمار، ومنها الدور التجاري والاستثماري الذي يقوم به الجيش بعدد من دول المنظمة، وأثر العوامل السياسية في التعاون التجاري، ومناقشة الواقع الاقتصادي الحقيقي المعوق للاستثمار والتبادل التجاري، وأبرزها تدني دخل الفرد حتى إن المتوسط العالمي لنصيب الفرد من الدخل القومي البالغ 13 ألفًا و212 دولارًا للفرد العام الماضي، لم يتحقق بأي من هذه الدول، حيث إن أعلى متوسط لدخل الفرد كان بماليزيا بنحو 11970 دولارًا، في حين بلغ 1500 دولار في باكستان و1930 دولارًا في نيجيريا و2860 في بنجلاديش و3900 دولار بمصر.

كذلك معدلات التضخم المرتفعة التي تجاوزت 50% في تركيا و40% في إيران و20% في كل من مصر ونيجيريا وباكستان، وكبر حجم الديون الخارجية وارتفاع معدلات الفقر، وغير ذلك من العوامل الموجودة على أرض الواقع.