استعرضت ورقة بحثية بعنوان (استخدام السفن الإسرائيلية للموانئ المصرية)، 6 محاور أو طرق كان يمكن للانقلاب (إذا أراد) أن يمنع بهم مرور السفن الصهيونية سواء السفينة الحربية التي مرت من قناة السويس، أو السفينة الألمانية (كاثرين) والتي كانت محملة بشحنة أسلحة إلى تل أبيب مؤكدة أنها كانت كفيلة بعرقلة تلك السفن أو إبطاءها وأن الشرط لذلك هو توفر "نية مصرية لعرقلة وإبطاء الإبادة الدائرة في غـزة".

أما الطرق فكانت كالتالي:

  • كان من الممكن الإيعاز لعمال القناة بتعطيل السفينة الحربية الصهيونية من المرور في قناة السويس، مع مظاهرة رمزية منهم ضد مرورها.
  • كما كان يمكن أن تربط مصر بين مرور السفن ال”إسرائيلية” من قناة السويس بانسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا.
  • كما كان يمكن لمصر أن تتحجج بحكم محكمة العدل الدولية لمنع مرور السفينة، ولاستقبال سفينة “كاثرين” ومصادرة شحنتها.
  • خاصة أنه كان من السهل إثبات أنها كانت متجهة لإسرائيل لاستخدامها في عمليات الإبادة الجماعية.
  • كما أن مصر كان من الممكن أن تتحجج باتفاقية “الدفاع العربي المشترك” في ظل شن إسرائيل عدوان علي دول عربية مثل فلسطين ولبنان واليمن.
  • كان من الممكن أن يرفض النظام بدعوي أنه غير قادر على تمرير السفن؛ خوفًا من الغضب الشعبي، خاصة وأن السيسي استخدم سلاح المظاهرات والغضب الشعبي والخوف من انفجار الوضع في مصر بسبب فلسطين في بداية الحرب؛ لرفض التهجير من غزة إلي سيناء.

المحدد الاقتصادي والتجاري
وأشارت الورقة إلى بعدين رئيسيين ضمن المحدد الاقتصادي والتجاري لسياسة السيسي تتحكمان في قراراته لاسيما في التعامل مع العدوان الصهيوني الامريكي الغربي على قطاع غزة وهما:

البعد الأولي، المتمثل في المصالح الاقتصادية المشتركة بين مصر و”إسرائيل”، خاصة في مجال الطاقة المستمرة بشكل طبيعي، حتى خلال الحرب، فرغم التوقف المؤقت في تدفق الغاز من إسرائيل إلى مصر في بداية الحرب. لكن الاتصالات سرعان ما عادت لمسارها في مارس 2024، وسجلت واردات الغاز الإسرائيلي لمصر زيادة بنسبة 25% في 2023، ويتوقع أن تزيد في السنوات التالية.

ونبهت إلى تحول موانئ بحرية مصرية (بورسعيد، وأبوقير، والإسكندرية، والدخيلة، ودمياط) إلى محطات رئيسية للعديد من سفن شحن البضائع والأسمنت، التي اقتصرت مهمتها بشكل رئيسي على نقل الحمولات بشكل دوري من وإلى الاحتلال الإسرائيلي (مينائي أشدود وحيفا) خلال فترة الحرب على غزة.

ولفتت إلى تحقيق مشترك لموقعي ميدل “إيست آي” البريطاني و”عربي بوست”، في 24 يونيو 2024، أظهر أن مئات المنتجات الغذائية التي تصنعها شركات عربية، وتحمل علامة “كوشر” اليهودية، تصل باستمرار إلى دولة الاحتلال، رغم الحرب على غزة ودعوات المقاطعة، وتبين أن “شركات مصرية تتصدر قائمة الشركات العربية التي تصل منتجاتها الغذائية إلى الكيان الصهيوني؛ 37 شركة بإجمالي 206 من المنتجات”.

وأضافت أن تقريرًا صادرًا عن “مكتب الإحصاء المركزي” الإسرائيلي حول حجم التجارة الخارجية لدولة الاحتلال خلال النصف الأول من عام 2024، كشف عن مضاعفة خمس دول عربية (الإمارات – مصر – الأردن – المغرب – البحرين) حجم تجارتها مع تل أبيب، استيرادًا وتصديرًا، منذ بداية حرب غزة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
 

العلاقات مع أوروبا وواشنطن
البعد الثاني، المتمثل في الحفاظ علي العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، الذين يلعبون الدور الأهم في حل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في مصر، حيث تدخل الاتحاد الأوروبي وأعلن في شهر مارس 2024 عن تقديم مساعدات مالية واستثمارات لمصر بقيمة 7.4 مليار يورو خلال الفترة من 2024 وحتى 2027، من بينها تمويل طارئ بقيمة ملياري دولار يصرف في سنة 202450. وقد تم الربط بين هذه التدخلات الخارجية وبين الموقف المصري من الحرب علي غزة.

وأردفت، "يتحدث البعض عن مطالبات وضغوط من إسرائيل على الإدارة الأمريكية لمحاولة إنقاذ اقتصاد مصر حتى تنتهي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة51.

وفي هذا السياق؛ ربط البعض سماح النظام المصري لرسو السفينة الألمانية المحملة بشحنة عسكرية “إسرائيلية” بميناء الإسكندرية، ثم مرور سفينة “إسرائيلية” عسكرية من قناة السويس، بإنهاء حالة الجمود بين صندوق النقد الدولي والقاهرة، إثر تأجيل موعد المراجعة الرابعة مطلع أكتوبر 2024، والتي بموجبها تنال القاهرة 1.3 مليار دولار (من حجم القرض البالغ 8 مليارات دولار)؛ بسبب مطالبات مصرية بتغيير بعض بنود الاتفاق مع الصندوق (مثل تأجيل رفع الدعم عن الوقود والكهرباء، وتأجيل تعويم جديد للجنيه) بحجة التخفيف على المصريين ومواجهة التحديات الإقليمية غير العادية التي تواجهها مصر.
حيث أبدت رئيسة الصندوق كريستالينا جورجييفا “تفهمها الكامل لحجم التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر في ضوء المستجدات الإقليمية والدولية”، وأكدت علي أن الصندوق “منفتح على تعديل أي برنامج بما يخدم الظروف على أفضل وجه”.
 

أجندة خاصة
وضمن خلاصات الورقة قالت إن الدولة المصرية في ظل الانقلاب تتعامل مع القوانين والمواثيق الدولية وفق أجندة خاصة، تسمح لها باحترام تلك القوانين تارة حين تخدم هدفًا ما، وتتجاهلها تارة أخرى حين لا يكون الأمر في صالحها.

واستدركت أنه "حين تسعى القاهرة للحفاظ على علاقتها مع واشنطن وتل أبيب وتتجنب استثارة غضبهما، وتحاول البقاء على موقعها كحليف ووسيط معتبر، تتشبث بالقانون الدولي (اتفاقية القسطنطينية الموقعة قبل 136 عامًا) الذي يجبرها على تمرير سفن حربية وأسلحة للكيان الإسرائيلي، في الوقت الذي لم يحترم فيه المحتل ذاته نفس تلك الاتفاقيات حين سيطر على محور فيلادلفيا واستهدف الجنود المصريين على الحدود".

وبالمقابل، أوضحت أنه حين كان الهدف تهديد أديس أبابا إثر أزمة سد النهضة، كان التحرك لدعم الصومال، التزامًا بمعاهدة الدفاع العربي المشترك بوصفه بلدًا عربيًا يتعرض للتهديد المباشر، لكن في المقابل يغض الطرف عن تلك المعاهدة إزاء المشهد في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن، إذا كان التحرك قد يترتب عليه تبعات لا يقوى النظام المصري على تحملها في الوقت الراهن. ناهيك عن عدم إعطاء النظام المصري أي اعتبار أو اهتمام بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها الدولة المصرية فيما يخص حقوق الإنسان في الداخل.
 

سياسة انتقائية
واعتبرت الورقة أن هذه السياسة المتبعة من قبل النظام المصري في انتقائية الاتفاقيات الدولية متوقعة في ظل أن هذا النظام يستمد شرعيته من الرعاة الدوليين (بما يشمل المنح والقروض) وليس من قبل الشعب المصري.

وأكدت الورقة أن النظام يصدر للشعب مخاوفه العسكرية من “إسرائيل”، ويمررها من خلال الإعلام وضيوفه من الخبراء الاستراتيجيين ولجان السوشيال ميديا، حتى يظن المصريون بأن أي رفض لمطلب “إسرائيلي”، أو التعنت في الاستجابة لشيء يسهل عمليات الإبادة في غزة أو العدوان على لبنان، بمثابة إعلان حرب.
وبالتالي مع تفكير جزء من المجتمع في هذه الهواجس العسكرية فإنه يصبح أكثر تعاطفًا وتفهمًا للرواية الرسمية المصرية، علي الرغم من رفض العديد من دول العالم لمرور ورسو السفن التابعة لإسرائيل دون أن يؤدي ذلك إلي حرب مع إسرائيل أو حتي وقوع أي خسارة تذكر.

https://politicalstreet.org/6958/