بينما كان زعماء 56 دولة عربية وإسلامية يرافعون في قمّة الرياض عن “حلّ الدولتين” وضرورة إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، ويحاولون إقناع العالم بأنّها الحلُّ الوحيد للقضية الفلسطينية، لم يتأخر وزيرُ المالية الصهيوني المتطرّف بتسلئيل سموتريتش في الردّ عليهم، في اليوم ذاته، بالتأكيد أنّ 2025 ستكون سنة ضمّ “يهودا والسامرة”؛ أي الضفة الغربية، إلى “إسرائيل” وأنّه ينتظر من الرئيس الأمريكي العائد دونالد ترامب دعم هذه الخطوة.

المقصود بحدود 4 يونيو 1967، هو الضِّفة الغربية وغزة والقدس الشرقية فقط، وهذه الأراضي مجتمعةً لا تتعدّى مساحتها 22 بالمائة من فلسطين المحتلّة، وهذا يعني أنّ الدول العربية والإسلامية جميعا قد قبلت منح 78 بالمائة من أراضي فلسطين للاحتلال الصهيوني على طبق من ذهب، وقد أقرّت القمّةُ العربية ببيروت ذلك في سنة 2002.

وشرع بعض العرب في شراء صفحات إشهارية في جرائد عِبرية شهيرة للتّرويج لهذه المبادرة، لكنّ المفارقة أنّ الاحتلال صرّح، على لسان رئيس وزرائه أرييل شارون آنذاك، بأنّها “لا تساوي الحبر الذي كُتبت به” ورفضها جملة وتفصيلا، واستمرّ رفض حكومات الاحتلال لها إلى يومنا هذا بالرغم من كلّ توسُّلات العرب واستجداءاتهم، وكذا التنازلات المهينة المتتالية التي قدّمتها السلطة الفلسطينية خلال ماراثون المفاوضات عقب أوسلو 1993 إلى اليوم، بل زاد الاحتلال من الشِّعر بيتا وأصدر برلمانُه “الكنيست” قرارا منذ أسابيع، يقضي برفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولو اعترف بها العالمُ كلّه، وأجمع على هذا القرار اليمين واليسار والسلطة والمعارضة في الكيان الصهيوني.

واليوم يأتي سموتريتش ليدفن “حلّ الدولتين” نهائيًّا عبر تصريحه هذا، ويؤيّده نتنياهو في ذلك ويقول إنّه ينتظر عودة ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025 للموافقة على ضمّ الضفة نهائيًّا، فلماذا تحاول 56 دولة عربية وإسلامية إذن إحياء عظام هذا “الحلّ” المزعوم وهي رميم، وتحاول مجددا إقناع العالم به وهو منحازٌ ومتواطئ مع الاحتلال حتى أذنيه؟

ما دام الاحتلالُ قد أكّد بشكل لا لبس فيه أنه يرفض تقسيم فلسطين مع الفلسطينيين ولو تعلّق الأمر بـ22 بالمائة منها فقط، ويريدها كلّها دولة يهودية خالصة من النهر إلى البحر، ويواصل ابتلاع ما بقي منها تدريجيًّا من خلال تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية وربّما شمال غزة إذا نجح في تنفيذ مخططه لتطهيره عرقـيًّا.. أليس من الأجدى إذن للزعماء العرب طيُّ هذه الصفحة المهينة، أي التشبّث بـ”حل الدولتين” بلا طائل، والإعلان جماعيا عن موت “عملية السلام”، وأنّهم يدعمون المقاومة في غزة والضفة بالسِّلاح والمال والدعم السياسي والإعلامي…؟

منذ سنوات عديدة ونحن نقول إنّ السلطة الفلسطينية مخطئة حينما تنساق وراء ماراطون المفاوضات العبثية مع الاحتلال لإقامة دولة فلسطينية مستقلة لا يؤمن بها، وإنّ هذا المسار سيؤدّي إلى ضياع ما بقي من فلسطين ومن ثمّة تصفية قضيتها بمرور الوقت.

وقلنا أيضا إنّ العرب مخطئون بإهدار وقتهم في اللهث وراء سراب “السَّلام” مع عدوٍّ مجرم نازي عنصري توسُّعي يريد فلسطين كلّها له، ثم يتوسّع على حساب جيرانه ليقيم “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات، رغم كلّ الاتفاقات ومعاهدات التطبيع.. عندما يفرغ الكيان من ابتلاع الضفة الغربية والقدس الشّرقية بالمستوطنات ويعلن ضمّهما، سيتفرّغ للتوسُّع على حساب جيرانه العرب ولو تطلّب الأمر ثمانية عقود أخرى.. عندما يحين الوقتُ المناسب، سيفعلها الاحتلال ولن يكترث بأحدٍ من المطبِّعين الذين يناصرونه الآن ضدّ المقاومة وهم يحسبون أنّهم يُضعفون بذلك نفوذ إيران في المنطقة ويهيّئون الشروط المناسبة لإرساء “السلام”.

ألم يحمل سموترتيش بفرنسا، في مارس 2023، خارطة لـ”دولة إسرائيل” تضمّ الأردن، رغم أنّ للكيان معاهدة “سلام” معها منذ 1994؟! ألم يصرّح العديد من المفكّرين الصهاينة في الأشهر الأخيرة بأنّ “إسرائيل الكبرى” ستبتلع فلسطين والأردن وسوريا ولبنان والكويت وأجزاء واسعة من العراق والسعودية ومصر؟

المسألة واضحة تماما للعرب، لكنّهم للأسف يواصلون دفن رؤوسهم في الرمال، ولو كانوا يعقلون لتراجعوا عن الترويج الأرعن لوهم “حلّ الدولتين” الذي لا يريده الاحتلال، ولقطعت دول التطبيع علاقاتها معه، ولأعلنت السلطة الفلسطينية وقف “التنسيق الأمني” مع العدوّ في الضفة الغربية وإلغاء اتفاق أوسلو والعودة إلى صفوف المقاومة.. لو كان العرب يعقلون لدعموا المقاومة بكلّ قوة باعتبارها خطّ الدفاع الأوّل عنهم بدل أن يتركوها وحدها يتيمةً محاصَرة في غزة وهم يحسبون بذلك أنّهم بعيدون عن الخطر. أليس فيكم رجلٌ رشيد؟!

----------------------------------
الشروق الجزائرية