قد تكون إسرائيل في حيرة كبيرة من أمرها وأمام خيارات صعبة عندما يجلس قادتها لدراسة السيناريوهات المطروحة لتوجيه ضربة عسكرية كبيرة وواسعة النطاق لإيران ردا على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي جرى يوم الثلاثاء قبل الماضي. السؤال الأبرز على الطاولة: أي خيارات متاحة بأقل الأضرار ودون الصدام مع إدارة بايدن وبعض دول الخليج، وأي مواقع ستضعها دولة الاحتلال على خريطة الاستهداف حتى تكون الضربة موجعة لإيران وحرسها الثوري وسمعتها الدولية واقتصادها وأسواقها وشعبها؟
هل تستهدف الضربة البرنامج النووي الإيراني الذي طالما كان عنوان الاستهداف الغربي والعقوبات الأميركية والأوروبية طوال السنوات الماضية، أم تقتصر على توجيه ضربة واسعة النطاق لأهداف عسكرية تشمل منصات إطلاق الصواريخ والمطارات والموانئ ومواقع الحرس الثوري ومصانع الأسلحة وأنظمة الدفاع الجوي، أم تمتد لمواقع استراتيجية وحيوية منها القطاع النفطي الإيراني وشبكات البنية التحتية من كهرباء وطرق وكباري واتصالات وغيرها؟
وفي حال تركيز الضربة على قطاع النفط، هل تقتصر على منشآت ومواقع إنتاج النفط والغاز المنتشرة مثل حقل الأهواز أكبر الحقول النفطية وثالث أكبر حقل نفطي في العالم، وحقل غجساران الذي يحتوي على احتياطيات 52 مليار برميل منها 23 مليارا من النفط الخام القابل للاستخراج، وثاني أكبر حقول النفط في البلاد، وحقل مارون الثالث من حيث الأهمية، حيث يحتوي على احتياطيات 46 مليار برميل من النفط، أم تستهدف الحقول الصغيرة والمتوسطة مثل أغاجاري ورغ سفيد وآب تيمور وسروش وكرنج وبي بي حكيمة؟
أم أن من خيارات إسرائيل الصعبة استهداف المصافي البترولية ومنها أصفهان وعبدان وبندر عباس ونجم الخليج والتي تنتج نحو 2.4 مليون برميل مكرر يوميا وتزود الأسواق المحلية باحتياجاتها من مشتقات الوقود مثل البنزين والسولار والمازوت والنافتا وغيرها، وتلبي جزءا من احتياجات الأسواق الخارجية ومنها تركيا والعراق وسورية؟
أم تفضل خيارات إسرائيل المحتملة ضرب الموانئ النفطية الواقعة سواء على الخليج العربي أو المحيط الهندي، والتي تقوم طهران من خلالها بتصدير ما يقرب من 3.6 ملايين برميل نفط، تمثل أكثر من ثلاثة بالمائة من الإنتاج العالمي، أم تستهدف إسرائيل البنية التحتية النفطية الإيرانية كاملة بهدف الحاق أكبر ضرر بالدولة.
لنأتِ على السيناريو الأول وهو ضرب إسرائيل حقول ومنشآت ومواقع إنتاج النفط والغاز الإيرانية، هنا قد يأتي رد فعل إيران على عدة مسارات، الأول ضرب منشآت ومواقع إنتاج النفط والغاز الإسرائيلية خاصة الواقعة في شرق البحر المتوسط مثل حقول تمار ولفياثان وكاريش وسارة وميرا ودانيال وغيرها، وهنا تتوقف صادرات الغاز الإسرائيلية للأسواق الخارجية ومنها أوروبا ومصر والأردن وغيرها، وتفقد تل أبيب مليارات الدولارات التي تمثل إيرادات تلك الصادرات، وبالتالي تخسر أسواقها الخارجية.
أما المسار الثاني فإن إيران قد تتهور وتضرب مواقع إنتاج النفط في بعض دول المنطقة التي تساند الاحتلال في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على أهالي غزة منذ أكثر من عام. وهذا الاستهداف قد يأتي من طهران مباشرة وقد يأتي عبر الجماعات المؤيدة لإيران في المنطقة مثل جماعة الحوثي اليمنية وحزب الله اللبناني والجمعات المسلحة في العراق.
صحيح أن دول الخليج سعت إلى طمأنة طهران في الأيام الماضية وأكدت حيادها في الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل باعتبار أن التصعيد ليس في صالحها وقد يهدد منشآت النفط في المنطقة بالكامل، لكن ضربة موجعة لقطاع النفط الإيراني قد تدفع الحرس الثوري إلى توجيه ضربة لبعض منشآت قطاع النفط الخليجي.
ولنأتِ على السيناريو الثالث وهو استهداف إسرائيل موانئ النفط الإيرانية ومنشآت التصدير، خاصة الواقعة على الخليج العربي مثل ميناء خارك الذي تمر عبره نحو 90% من صادرات النفط الإيراني، وهو الأكبر في البلاد. وكذا موانئ جاسك وعسلويه وماهشهر، وميناء بندر عباس أحد أكبر الموانئ النفطية التجارية في إيران.
وهنا قد ترد طهران بضرب موانئ ومحطات تصدير الطاقة في كل من إسرائيل ودول خليجية، وهذا ما يشعل أسعار النفط ويدفعها نحو مستويات قياسية كما جرى عقب اندلاع حرب أوكرانيا، حيث زادت أسعار النفط إلى 140 دولارا للبرميل، وهذا السيناريو يغضب الولايات المتحدة وإدارة بايدن في هذا التوقيت بالذات، خاصة وأنه يرفع أسعار البنزين والسولار قبيل اجراء الانتخابات الرئاسية المقررة بعد أقل من شهر من الآن، وهو ما يغضب المستهلك الأميركي.
وقد يدفع هذا السيناريو، إن وقع، بإيران إلى إغلاق مضيق هرمز أو مهاجمة البنية التحتية وقطاع النفط في بعض دول الخليج، كما حدث في عام 2019. وهذه كارثة على المواقع المستهدفة وسوق الطاقة العالمي، حيث يعبر المضيق ما يقرب من 21 مليون برميل نفط يوميًا، يمثل 20% من إمدادات النفط العالمية، ونحو 30%
من النفط المنقول بحرًا.
كما تعتمد دول الخليج وغيرها مثل، السعودية، الإمارات، الكويت، العراق، وإيران على المضيق لتصدير نفطها إلى الأسواق العالمية. وتعتمد عليه قطر في تصدير الغاز المسال للأسواق الدولية. وبحسب الأرقام فإن أكثر من 20% من إمدادات الغاز العالمية مرت عبر المضيق خلال الربع الأول من العام الجاري.
أما السيناريو الثالث فهو استهداف إسرائيل البرنامج النووي الإيراني، وهنا نكون أمام رد فعل عنيف من قبل طهران من أبرز ملامحه استهداف مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي، أما حده الأدنى فهو غلق مضيق هرمز وضرب منشآت نفطية ضخمة في إسرائيل وربما في الدول الداعمة لها في المنطقة.