تتصاعد التحذيرات الغربية في الآونة الأخيرة من مخاطر اندلاع حربٍ شاملةٍ في الشرق الأوسط، مع تصعيد إسرائيل اعتداءاتها في المنطقة، وضربها أكثر من جبهة في آن واحد. لكن الواقع يقول إن هذه الحرب عملياً باتت قائمة بالفعل، غير أنها حتى كتابة هذه السطور حرب من طرف واحد، فمن الواضح أن إسرائيل أعلنت أن عدوانها على قطاع غزّة، والذي اقترب من إتمام عامه الأول، لم يعد محصوراً في القطاع، وتوسّعت رقعته الجغرافية، وهي مرشّحة لمزيد من التوسّع، لم لا؟ طالما أن لا حسيب ولا رقيب لما تقوم به دولة الاحتلال، وسقف المواقف التي قد تصدر عن الدول الغربية هو الدعوات إلى وقف إطلاق النار، مع التذكير الدائم بـ"حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
بات واضحاً أن إسرائيل قرّرت توسيع الحرب، وهو قرار تطبقه يومياً عبر الغارات التي تشنها في "أرجاء الشرق الأوسط"، بحسب التعبير الإسرائيلي. فضربات طائرات الاحتلال طاولت لبنان وسورية واليمن، هذا بالإضافة إلى الاعتداءات اليومية في قطاع غزّة والضفة الغربية.
ومن شبه المؤكّد أن هذه الضربات لن تقتصر على هذا النطاق الجغرافي، بعد الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران على إسرائيل رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، والأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في غارة على الضاحية الجنوبية.
من المرتقب أن ترد إسرائيل على هذا الرد الإيراني، وعلى أساسه سيتحدد ما إذا كانت هذه الحرب الشاملة ستبقى من طرف واحد أو من أطراف عدة. إلى الآن لا تزال التصريحات الإيرانية العلنية تؤكد أن طهران غير راغبة بحرب شاملة. والأمر نفسه بالنسبة إلى حزب الله، قبل أن تفتح إسرائيل الجبهة اللبنانية على مصراعيها، إذ كان الأمين العام الراحل للحزب يصر، قبل اغتياله، على أن لبنان ليس إلا جبهة إسناد.
التصريحات الغربية في مجملها أيضاً رافضة الحرب الشاملة، لكنها على ما يبدو جاهزة لاندلاعها، خصوصاً الولايات المتحدة. فالموقف الأميركي، المنبطح كلياً لصالح إسرائيل، واضح ويتجلى في أن أي هجوم على دولة الاحتلال ستتصدى له الولايات المتحدة.
وهذا الأمر يعول عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كثيراً. وهو يدفع عملياً إلى جرجرة أميركا، ومعها بعض الدول الغربية، إلى الدخول المباشر في الحرب، والتي يريد من ورائها "تغيير الشرق الأوسط"، بحسب تصريحاته في أكثر من مناسبة.
ووفق حسابات نتنياهو هذه، من المتوقّع ألا يكون الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني شكلياً، بل سيطاول منشآت حيوية، قد لا تكون نووية، لكنه سيضرب أهدافاً من شأنها أن تؤلم النظام في طهران وتضعه في موقف حرج يجبره على رد الضربة. والتقديرات اليوم أن الأهداف الإسرائيلية ستكون منشآت نفطية تضعف القدرة الإيرانية على تصدير النفط، في وقتٍ يعيش فيه الاقتصاد الإيراني انكماشاً بات يؤثر على الحياة اليومية للإيرانيين.
الحرب الشاملة هي رغبة إسرائيلية ملحة حالياً، ولتحقيق هذه الرغبة أو عدمه أكلاف ستتحملها المنطقة لسنوات. فالدخول الكامل في الحرب الشاملة سيعني فتح معركةٍ تدخل فيها الولايات المتحدة والدول الغربية إلى جانب إسرائيل، فيما قد تنضمّ أطراف أخرى من المعسكر الشرقي إلى جانب إيران، وهو ما يعني شبه حرب عالمية على الأراضي العربية.
ولعدم الانجرار وراء الرغبة الإسرائيلية أيضاً أكلاف، إذ إن ذلك يعني فتح المجال لإسرائيل بالمضي في الاستفراد بكل طرف وراء الآخر، كما هو حاصل في لبنان الذي جعلته دولة الاحتلال جبهتها الرئيسية، بعد الاطمئنان إلى جبهة غزة.
هي الحرب الشاملة إذاً، والأيام القليلة ستحدّد ما إذا كانت ستبقى من طرف واحد أم أنها ستفتح من كل الأطراف.