أبدى محمد يونس الحائز جائزة نوبل للسلام الثلاثاء الماضي استعداده لتولي رئاسة حكومة انتقالية في بنجلاديش غداة تولي الجيش السيطرة على البلاد بعدما أجبرت التظاهرات الواسعة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة على الاستقالة والفرار الى الخارج.
وقال يونس في تصريحات أولية: "لقد تأثرت بثقة المتظاهرين الذين يريدونني أن اترأس حكومة انتقالية لقد ظللت طيلة الوقت بعيدا عن السياسة لكن اليوم، إذا كان من الضروري العمل في بنجلاديش ..".
وأضاف أن هذه الاستجابة لمطالب الطلاب "..من أجل بلدي، ومن أجل شجاعة شعبي، فسأفعل"، داعيا إلى تنظيم انتخابات حرة.
وطالب قادة الاحتجاجات الطالبية و(حركة طلاب ضد التمييز) بتولي؛ محمد يونس رئاسة حكومة مؤقتة وكتب القائد بالثورة البنجالية، آصف محمد على (فيسبوك)، "نثق بالدكتور يونس".
خرج الملايين إلى الشوارع على مدى الشهر الماضي لمطالبة حسينة (76 عاما) بالاستقالة بعد أن ظلت في السلطة منذ العام 2009.
وقتل المئات فيما سعت قوات الأمن لإخماد الاحتجاجات، لكن اتساع رقعتها اضطر حسينة أخيرا لمغادرة بنجلاديش على متن مروحية الاثنين بعد أن فقدت دعم الجيش.
وفي مقابلة مع صحيفة (ذي برنت) قال "يونس": إن "بنجلاديش كانت بلدا محتلا في عهد حسينة، مضيفا أن "جميع سكان بنجلاديش يشعرن اليوم بأنهم صاروا أحرارا".
ويتوقع بأن يجتمع الجنرال وقر الزمان قائد الجيش مع قادة الاحتجاجات لبحث مطلبهم بتولي محمد يونس البالغ من العمر 84 عاما الحكومة المؤقتة.
ووسط مطالبات الطلاب الذين قادوا الاحتجاجات في بنجلاديش الاثنين، اتجهت الأنظار إلى يونس باعتباره المرشح الأبرز لقيادة الحكومة المؤقتة في البلاد، لكن أفاد مساعد مقرّب من محمد يونس في تصريحات لوكالة رويترز بأنه لم يحصل حتى اللحظة على أي عرض من الجيش لقيادة الحكومة المؤقتة.
وبالمقابل، تدير القوات المسلحة والجيش البلاد لحين تنظيم انتخابات حرة لا تستثن فصيلا بحسب شروط الحشود، وقال قائد الجيش الجنرال وقر الزمان بعد استقالة حسينة واجد إن "الجيش يعمل على تشكيل حكومة مؤقتة".
ونزولا عند طلب قادة الاحتجاجات الطلابية وحزب بنجلاديش الوطني المعارض، حلَ البرلمان الثلاثاء وأُفرج عن رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء بعد سنوات من الإقامة الجبرية، وفق ما أفاد بيان للرئاسة وحزبها الذي يطالب بانتخابات في غضون 3 أشهر.
وأجرى الجيش تعديلات شملت خفض رتبة عدد من كبار الضباط ممن يُعدون مقربين من حسينة، وأقال ضياء الإحسان، قائد كتيبة العمل السريع التي تشملها عقوبات أميركية.
وقال وقر الزمان: "البلد عانى كثيرا وتضرر الاقتصاد وقُتل عدد كبير من الناس، حان الوقت لوقف العنف" وبدت الآن شوارع العاصمة هادئة إلى حد كبير بعد أن استؤنفت حركة السير وفتحت المتاجر أبوابها، لكن المقار الحكومية بقيت مغلقة بعد يوم شهد أعمال عنف أودت بحياة 122 شخصا على الأقل، في حين خرج الملايين إلى شوارع دكا للاحتفال الإثنين.
ووصلت حصيلة قتلى التظاهرات منذ بدء الاحتجاجات مطلع يوليو، إلى 432، بحسب تعداد أجرته وكالة فرانس برس استنادًا إلى بيانات صادرة عن الشرطة ومسؤولين حكوميين وأطباء في المستشفيات.
واقتحم متظاهرون البرلمان وأحرقوا محطات تلفزيونية وحطّموا تماثيل لوالد حسينة، الشيخ مجيب الرحمن بطل الاستقلال، وأضرمت النار في متحف مخصص للزعيم السابق لتلتهم ألسنة اللهب الصور في مشهد لم يكن من الممكن تخيله قبل ساعات فقط، عندما كانت حسينة تحظى بدعم القوات الأمنية لحكمها الاستبدادي.
وتعرضت مكاتب رابطة عوامي، حزب حسينة، للحرق والنهب في أنحاء البلاد، كما وبعض الأعمال التجارية والمنازل المملوكة للهندوس، وهي فئة يرى البعض في الدولة ذات الغالبية المسلمة بأنها كانت مقرّبة من حسينة، تعرّضت لهجمات.
وبدأت الاضطرابات الشهر الماضي على شكل احتجاجات ضد توزيع الوظائف الحكومية بموجب نظام محاصصة تستنفيد منه شرائح اجتماعية وعائلات معينة، قبل أن تتصاعد إلى مطالبة حسينة بالتنحي.
واتّهمت مجموعات حقوقية حكومتها بسوء استغلال مؤسسات الدولة لتعزيز قبضتها على السلطة والقضاء على أي معارضة، بما في ذلك عبر قتل ناشطي المعارضة خارج نطاق القضاء.
وانتظرت أمّهات مئات السجناء السياسيين الذين احتجزوا سرّا في عهد حسينة خارج مبنى للاستخبارات العسكرية في دكا الثلاثاء، على أمل الحصول على أخبار عن أبنائهم.
وقالت سانجيدا إسلام تولي وهي منسقة مجموعة “ماير داك” (“نداء الأمّهات”) ا”نريد إجابات”.
وحصل يونس (84 عاما)، وكذلك بنك جرامين الذي أسسه، على جائزة نوبل للسلام في 2006 لعمله على انتشال الملايين من الفقر عبر منح قروض صغيرة تقل قيمتها عن مئة دولار للفقراء في المناطق الريفية في بنجلادش، لكن محكمة وجهت إليه اتهامات بالاختلاس في يونيو حزيران. ونفى يونس تلك الاتهامات.
وقال يونس لقناة تايمز ناو الهندية في مقابلة مسجلة إن يوم الاثنين يمثل "يوم التحرير الثاني" لبنجلادش بعد حرب الاستقلال عن باكستان في 1971. لكنه قال إن المواطنين غاضبون من الهند للسماح لحسينة بالهبوط هناك بعد مغادرتها داكا.
وقال يونس "الهند هي أفضل صديق لنا .. الناس غاضبون من الهند لأنك تدعم الشخص الذي دمر حياتنا".
وقال ناهد إسلام أحد المنظمين الرئيسيين للحركة الطلابية في مقطع مصور على فيسبوك مع ثلاثة منظمين آخرين "أي حكومة غير تلك التي أوصينا بها لن تكون مقبولة".
وقال زعماء الطلاب أيضا إنهم تلقوا أنباء عن وقوع هجمات على مجموعات أقلية بما في ذلك المعابد الهندوسية في الدولة ذات الأغلبية المسلمة، وحثوا على ضبط النفس لأن هذا قد يقوض حركتهم.
ومحمد يونس البالغ من العمر 84 عاماً، هو رجل أعمال اجتماعي ومصرفي واقتصادي، درس في جامعة دكا في بنجلاديش قبل أن يحصل على منحة فولبرايت لدراسة الاقتصاد في جامعة فاندربيلت، حيث حصل على درجة الدكتوراة.
وفي عام 1969، بدأ مسيرته الأكاديمية أستاذاً مساعداً للاقتصاد في جامعة ولاية تينيسي الوسطى ثم عاد بعد ذلك إلى بنجلاديش ليرأس قسم الاقتصاد في جامعة شيتاغونغ، كما شغل العديد من المناصب المؤثرة، بما في ذلك العمل في المجموعة الاستشارية الدولية للمؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، واللجنة العالمية المعنية بصحة المرأة، وفريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالمرأة والتمويل.
وذاع صيت يونس عالمياً عام 2006 عندما حصل على جائزة نوبل للسلام لعمله على تأسيس بنك جرامين في بنجلاديش الرائد في مجال تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.
كان هدفه هو مساعدة الفقراء على الهروب من الفقر من خلال تقديم القروض بشروط مناسبة لهم وتعليمهم بعض المبادئ المالية السليمة حتى يتمكنوا من مساعدة أنفسهم، ومع ذلك واجه يونس انتقادات من رئيسة الوزراء حسينة التي اتّهمته بـ«مص دماء» الفقراء.
وفي يناير من عام 2024، حكمت إحدى المحاكم على يونس بالسجن ستة أشهر بتهمة انتهاك قوانين العمل في بنجلاديش، لكن أطلق سراحه بكفالة في وقتٍ لاحق من مارس آذار.
وبجانب جائزة نوبل، حصل يونس على العديد من الجوائز المرموقة، بما في ذلك وسام الحرية الرئاسي للولايات المتحدة عام 2009 والميدالية الذهبية للكونغرس عام 2010، وجائزة محمد شابدين للعلوم، وجائزة الغذاء العالمية، وجائزة الملك الحسين للقيادة الإنسانية، وجائزة فولفو للبيئة، وجائزة نيكاي الآسيوية للنمو الإقليمي، وجائزة فرانكلين روزفلت للحرية، وجائزة سيئول للسلام.
كما شارك في تأسيس مركز يونس للأعمال الاجتماعية عام 2011، مع التركيز على تعزيز الأعمال الاجتماعية في أنحاء العالم كافة، ويدعم المركز هذه المؤسسات من خلال صناديق الحاضنات والخدمات الاستشارية، والعمل مع منظمات مختلفة مثل الشركات والحكومات والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية.

