تطرق الناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة في كلمته المصورة، الأحد، إلى القائد الفلسطيني الشهيد عبد القادر الحسيني.

وقال أبو عبيدة في معرض حديثه عن وحدة الجبهات ومساندة حزب الله اللبناني وجماعة أنصار الله اليمنية والمقاومة العراقية لمعركة طوفان الأقصى: "ما أسعد روح شهيدنا عبد القادر الحسيني بكم يا أبطال أمتنا.. وما أشد خيبة أمله من زعماء ناشدهم منذ ستة وسبعين عاما، وما زال صدى صوته لا يحرك بهم ساكنا، بل إن عجزهم بات أكبر، وتقاعسهم وخذلانهم بات أشد وأقصى".

فمن هو الشهيد عبد القادر الحسيني، وما هي قصة خذلانه من الزعماء العرب؟

عبد القادر الحسيني "قائد المجاهدين وابن شيخ المجاهدين"، سياسي فلسطيني مقدسي وقائد عسكري ناضل في صدر شبابه أيام دراسته الجامعية من أجل القضية الفلسطينية. اعتبر أول من بدأ الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936 بحشده رجال المقاومة في كل الأراضي لمقاومة الاحتلال.
المولد والنشأة
وُلد عبد القادر الحسيني في إسطنبول سنة 1908 لعائلة ميسورة مقربة من البلاط العثماني، والدته تدعى زكية الحسيني، أما والده موسى كاظم باشا الحسيني فقد كان مفوّضا لصالح الدولة العثمانية ومبعوثها في الأناضول ونجد وعسير، وتولى منصب رئاسة بلدية القدس سنة 1918 وقاد التحركات النضالية ضد الإنجليز بعد توقيع وعد بلفور واستشهد سنة 1934.

الدراسة والتكوين
بدأ عبد القادر الحسيني تعليمه بدراسة القرآن في زاوية في القدس، ثم انتقل إلى مدرسة روضة المعارف الابتدائية بالقدس، ومنها إلى مدرسة المطران غوبات (مدرسة صهيون) البروتستانتية في القدس، وفيها نال سنة 1927 شهادة الثانوية العامة.

سافر إلى لبنان والتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، لكن انخراطه في النشاط السياسي ومطالبته باستقلال فلسطين دفعت الجامعة إلى طرده، فتوجه إلى القاهرة، حيث التحق بقسم الكيمياء والرياضيات في الجامعة الأمريكية.

التجربة السياسية
في السابع من أيار/ مايو 1936 أعلن عبد القادر الحسيني أول بيان لـ"منظمة الجهاد المقدس" دعا فيه إلى بدء الثورة، وانضم إلى كتيبة المجاهد السوري الشهير سعيد العاص، وخاض عدة معارك إلى جانبه.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وفي بداية سنة 1946، انتقل الحسيني وأسرته إلى القاهرة التي نظّم منها صفقات شراء الأسلحة المخلّفة في الصحراء الغربية خلال الحرب العالمية الثانية، كما أنه خطط لتهريبها إلى المناطق الفلسطينية الجنوبية عن طريق العريش، ثم عن طريق ميناء صيدا اللبناني، هذه المرحلة انتهت في كانون الأول/ ديسمبر 1947 بعد أن تسلّل عبد القادر الحسيني من الحدود المصرية عائدا إلى فلسطين.

غداة قرار التقسيم في تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، أعلنت "الهيئة العربية العليا" الجهاد واضطلع الحسيني بمهمة إعادة تشكيل قوّات جيش الجهاد المقدّس بعد أن اختير قائدا عاما لها، وتمكّن من إحراز انتصارات هامة ضدّ القوات الصهيونية في القدس أهمها نسف مقر الوكالة اليهوديّة بالقدس.

معركة القسطل واستشهاد القائد عبد القادر الحسيني
قامت قوات الهاغاناه اليهودية بمهاجمة قرية "القسطل" غربي القدس واستولت عليها وطردت كل سكانها منها، وكانت القسطل تشكل بداية لخطة يهودية لاحتلال الجزء الأكبر من فلسطين قبل إنهاء الانتداب البريطاني في 15 أيار/ مايو من عام 1948، وقام القائد عبد القادر الحسيني بمواجهة هذا الهجوم بقوات فلسطينية متفرقة ومجاهدين بأسلحة قليلة الفعالية، ولم تتلق هذه الجماعات المقاومة أي دعم من البلدان العربية التي كان بعضها لا يزال يعاني وطأة الاستعمار.

في نهاية آذار/ مارس 1948 توجّه عبد القادر الحسيني إلى دمشق، لطلب الإمداد بالأسلحة والذخيرة من اللجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية المشرفة على القتال في فلسطين، لكن المفاوضات تعثّرت حتى هجوم العصابات الصهيونية على القدس ونجاحها في احتلال قرية القسطل ذات الموقع الاستراتيجي المطل على الطريق العام بين القدس ويافا.

لكن القائد عبد القادر أخذ الأمور على عاتقه، وفي 5 نيسان/ أبريل من عام 1948 توجه بقواته البسيطة نحو القسطل، وليس معه سوى 56 من المجاهدين، واستطاع فعلا أن يحاصر القسطل، لكن قبل أن يضرب حصاره عليها توجه إلى جامعة الدول العربية يطلب عبثاً المدد بالسلاح والذخيرة من حكام العرب مستعينا بهم واحدا تلو الآخر وهم يرفضون المساعدة ويماطلون فيها.
وفي اللقاء الذي جمع بين عبد القادر الحسيني واللجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية، يقول الحسيني إن اللجنة العسكرية طالبته بعدم افتعال تصرفات فردية، وأن جامعة الدول العربية أوكلت قضية فلسطين إلى لجنة عربية عسكرية عليا، وطالبوه بعدم الذهاب نحو القسطل فقال لهم: "إنني ذاهب إلى القسطل وسأقتحمها وسأحتلها ولو أدى ذلك إلى موتي، والله لقد سئمت الحياة وأصبح الموت أحب إلي من نفسي من هذه المعاملة التي تعاملنا بها الجامعة، إنني أصبحت أتمنى الموت قبل أن أرى اليهود يحتلون فلسطين، إن رجال الجامعة والقيادة يخونون فلسطين".

وما لبث الحسيني إلا أن عاد إلى القدس مجدداً فور علمه بمعركة القسطل التي بدأت بشائرها وهو خارج القدس، لكنه لم يحمل ما ذهب إليه جميعه.. فقط نصف كيس من الرصاص، واتجه به مسرعاً إلى القسطل.

ولما عاد إلى القسطل وبدأت ذخيرتة  بالنفاد أرسل رسالته الأخيرة إلى الجامعة العربية: "إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح".
ثم تجمع المتطوعون مع عبد القادر الحسيني حتى أصبحوا 500 مجاهد انضموا إليه في حصار القسطل..  وفي 8 نيسان/ إبريل من عام 1948 بدأ الهجوم الشامل على القرية، وانتهت المعركة بمقتل 150 يهوديا وجرح 80 منهم، وتم تحرير القسطل، ووجد عبد القادر شهيدا على أرض المعركة.