مناسك الحج
أمر الله عز وجل المسلمين جميعاً بِحَجّ بيته الحرام، في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إليه سبيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين) سورة آل عمران، فالحجّ فرض على كل مسلم بالغ عاقل مرة واحدة في العمر إذا استطاع إليهِ سبيلا، أي إذا توافرت لديهِ القدرة المادية والصحية على تحمل وأداء فريضة الح، وحجّ بيت الله الحرام هو الركن الخامس من أركان الإسلام. وجاءت السُنّة النبوية لتوضح لنا كيفية أداء مناسك الحجّ وفضلهُ، ومن فضل الحجّ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). وقال صلى الله عليه وسلم: (من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق يرجع كيوم ولدته أمه).
لإحرام - مناسك الحج
الإحرام هو أن ينوي المرء تأدية نُسك الحجّ بقلبه، مستحضراً نية ذلك، وأن يتخلص من كل مظاهر الزينة، ويكتفي الرجل بلبس إزار يلُفَّه على وسط جسمه ويستر به عورته، ورداء يلبسه على كتفه وظهره، كما يجوز له لبس حذاء يظهر منه القدم والكعبان. وهذا للرجل، أما المرأة فتنوي الإحرام وتلبس لباسها المعتاد الذي يستر جسمها، وتكشف فقط وجهها وكفّيها.
وسبب تسميتُه بالإحرام لأنّ المُحرِم بمجرد الدخول في نُسك الإحرام تُحرَّم عليهِ ويمتنع عن أفعال كانت مُحللة له. ويُستحب لمن أراد الإحرام أن يغتسل ويقص من شعره ويقلم أظافره ويتطيب، ثم يلبس ثياب الإحرام، وإن كان الوقت ليس وقت نهي صلى ركعتين مع نية الإحرام.
وبالنسبة للميقات الزماني للحج: فعلى الحاج أن يقوم بالإحرام في أشهر الحجّ المعروفة وهي: شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، وأهم ميقات زماني للحج هو موعد أداء ركنه الأعظم وهو يوم الوقوف على عرفات ويوافق التاسع من ذي الحجة.
بينما الميقات المكاني للحج: يكون على حسب كل بلد.
•  ميقات أهل مصر والمغرب والشام: الجحفة.
•  ميقات أهل المدينة: ذو الحليفة.
•  ميقات أهل اليمن: السعديَّة.
أنواع الحجّ أو نُسك الإحرام ثلاث وهي:
•  التمتع: أن يُحرِم الحاج فيه بنية العمرة فقط، فيقول عند إحرامه: لبيك عمرة ويؤدي مناسكها، ثمَّ يتحلل من إحرامه إلى يوم التروية وهو الموافق الثامن من ذي الحجة، فينوي الحج من مكانه بمكة ويرتدي ملابس الإحرام ويأتي بمناسك الحج، وعلى المتمتع ذبح الهدي.
•  الإفراد: وهو أن ينوي الحاج فيه بالحجّ فقط فيقول: لبيك حجَّاً، فعند وصوله مكة طاف للقدوم ثم سعى للحجّ، ويتحلل من إحرامه بعد رمي جمرة العقبة حتى يحلق يوم العيد، وليس عليه هدي.
•  القِران: وهو أن ينوي الحاج فيه بالعمرة والحج معاً، فيقول: لبيك عمرة وحجَّاً ويقوم فيه بأفعال واحدة من طواف وغيره، أو يُحرِم بالعمرة أولاً ثم يُدخِل الحج عليها قبل الشروع في طوافها. وعمل القارن كعمل المفرد إلا أن القارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه.
دخول مكة وطواف القدوم - مناسك الحج
بعد الإحرام الذي يُعدَّ أول مناسك الحجّ، يأتي على الحاج خطوة دخول مكة فيدخل المسجد الحرام بالقدم اليُمنى، وهي سُنة من سُنن الحج، ويُسمى بطواف الورود أو طواف التحيَّة، لأنَّه شُرِّع للقادم من غير مكة المكرَّمة. يبدأ نسكه بالطواف وذلك لتحية البيت المبارك، وللمتمتع وللقارن طواف العمرة، أما المُفرد فله طواف القدوم، وآخر وقته عند الوقوف بعرفات وِفقاً لجمهور الفقهاء. عن عائشة رضي الله عنها: (أنَّ أَوَّلَ شيءٍ بَدَأَ به حِينَ قَدِمَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - أنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ).
من أحكام الطواف
•  أولاً: يبدأ الحاج الطواف من الحجر الأسود، ويكون البيت الحرام عن يساره، ويطوف سبع أشواط، ويرمل في جميع الثلاثة الأولى من طواف القدوم ويمشي بخطوات عادية في الأربعة الباقية، ويبتدئ كل شوط بالحجر الأسود ويختم به، والرمل هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخُطى.
•  ثانياً: مِن السُنّة تقبيل الحجر الأسود عِند التمكن، ومن لا يستطيع أشار إليه بيده على بُعد قائلًا: بسم الله، الله أكبر، يا الله إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعًا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
•  ثالثاً: يُستحب للحاج أن يضطبع خاصة في طواف القدوم، والاضطباع هو أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر.
•  رابعاً: عقب الانتهاء من الأشواط السبعة، يؤدي الحاج ركعتين، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة الكافرون وفي الثانية سورة الإخلاص، ويكون ذلك خلف مقام إبراهيم إن تَيسَّرَ، وإن لم يتَيسَّر ففي أي مكان بالمسجد الحرام.
السعي - مناسك الحج
رى كُل من المذهب الشافعي والمالكي والحنبلي أن السعي رُكن من أركان الحجّ الواجبة على كل حاج، بينما المذهب الحنفيّ فيذهب إلى سُنيِّة السعي.
ويخرج الحاج للسعي من باب الصفا ويصعد عليه ويكون مستقبلاً الكعبة، ويقرأ (إن الصفا والمروة من شعائر الله) إلى أخر الآية، ويُكبّر الله ويحمده ويقول (لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) ويكررها ثلاث مرات.
ثم يتجه إلى المروة بالمشي العادي، وحين يُحاذي العمودين الأخضرين أسرع في المشي، حتى يصل إلى المروة، فيوحد الله مرة أخرى ويُكبّرهن ويعد هذا شوط واحد. ثم يبدأ في الشوط الثاني بفعل ما قام به في الشوط الأول، وهكذا حتى تمام الشوط السابع. ويبدأ وقت السعي في يوم النحر أو ذبح الهدي بعد تمام طواف الزيارة أو كما يُعرف بالإفاضة لا طواف القدوم، وذلك لأن السعي يُجمع على وجوبيتهُ، بينما يُعدّ طواف القدوم سُنّة، فلا يجوز أن يتبع الواجب للسنة.
يوم التروية - المبيت في مِنَى - مناسك الحج
يوافق يوم التروية اليوم الثامن من ذي الحجة، ومن المستحب أن يخرج الحاج من مكة المُكرَّمة حيث يُحرِم منها مُنطلقاً إلى منى في يوم التروية، فيصلي بِمِنى خمس صلوات وهي: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، واتفق على ذلك الأئمة الأربعة. ويبيت الحاج بِمِنى ليلة عرفة، ثم ينطلق من منِى سيراً على قدميه إلى عرفات بعد طلوع شمس يوم عرفة.
وذلك من السُنّة عند جُمهور الفقهاء.
يوم عرفة - مناسك الحج
دّ الوقوف بعرفة ركن من أركان الحجّ الذي لا يتمّ الحجّ إلا بهِ، واتفق عليه الأئمة الأربعة، ومما جاء في فضل يوم عرفة المُبارك عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أَنَّ رَسُول -اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَال: مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ، فَيَقُول: مَا أَرادَ هَؤُلاءِ). ويوافق يوم التاسع من ذي الحجة وليلة العاشر من ذي الحجة إلى طلوع الفجر، واتفق العلماء أن انتهاء الوقوف بعرفة يكون عند طلوع فجر يوم النحر.
من سُنن الوقوف على عرفة
الاغتسال وخُطبة عرفة وتكون بعد الزوال، ويُصلي بها الظهر والعصر جمع تقديم قصراً أي بأذان واحد وإقامتين، ثم يتفرغ الحاج بعد الصلاة للذكر والدعاء بما تيسر له، رافعا يديه مستقبلا القبلة، إلى أن تغيب شمس يوم عرفة، ولا يشرع للحاج صعود جبل الرحمة الموجود بعرفة.
مزدلفة ورمي جمرة العقبة - مناسك الحج
وإذا غربت شمس يوم عرفة، يسير الحاج إلى المزدلفة في سكينة مُلبياً، ويُصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، ويبيت بها إلى أن يُصلي فجر اليوم العاشر من ذي الحجة أول أيام عيد الأضحى المُبارك.
وقبل طلوع شمس اليوم العاشر يسير الحُجاج إلى مِنى مع أخذ 7 جمرات من مزدلفة، لرمي جمرة العقبة بها ويُكبر مع كل جمرة أو حصاة، وتسمّى بالجمرة الكبرى وحجمها يعادل الحمصة تقريبا، أما باقي الحصى فيلتقطه من مِنى، واتفق العلماء أن رمي الجمرات واجب من واجبات الحجّ.
الهدي والتحلل الأول - مناسك الحج
فإذا فرغ الحاج من ذلك فيذبح الهدي، ويأكل منه، ثم يحلق رأسه إن كان رجلا، أما المرأة تقصر فقط من أطراف شعرها بمقدار أنملة، وبذلك يكون قد تم التحلل الأول، الذي يسمح بعدها للرجل بلبس الثياب ورفع محظورات الإحرام، بينما النساء تُحافظ على ملابسها الساترة.
طواف الإفاضة - مناسك الحج
ينزل الحجاج إلى مكة لأداء طواف الإفاضة أو الزيارة كما يسميه البعض، وهو من أركان الحجّ المتفق عليها، وكذلك السعي إن كان متمتعاً أو لم يسع مع طواف القدوم إن كنت قارناً أو مفرداً. يجوز تأخير طواف الإفاضة إلى ما بعد أيام مِنى، والنزول إلى مكة بعد الفراغ إلى رمي الجمرات.
رمي الجمرات في أثناء أيام التشريق - منسك الحج
ثم بعد أن يتم الحاج الطواف والسعي يرجع إلى مِنى، فيبيت أيام التشريق الثلاثة هناك، وهي الحادي عشر، والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، ويرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال، في يومين أو ثلاثة، ويبدأ بالجمرة الأولى وهي الأبعد عن مكة، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، كل واحدة بـسبع حصيات متعاقبة ويُكبِّر مع رمي كل حصاة، وبعد أن يرمي كل جمرة يدعو بما تَيَسَّر له من دعاء، ثم ينصرف الحجاج بعد رمي جمرة العقبة ولا يدعو.
ويُعدّ رمي الجمرات من واجبات الحجّ، ومن يتركها يلزمه ذبح هدي.
طواف الوداع - مناسك الحج
من أسمائه الأخرى طواف آخر العهد أو طواف الصدر، وسُمي بذلك لأن يودع بهِ الحجاج بيت الله الحرام، واتفق العلماء على وجوبيته. يكون عقب انتهاء وإتمام الحجاج لمناسك الحجّ جميعاً، ولا يجب هذا الطواف على أهل البلد أي أهل مكة، وهو واجب على كل حاج، فلا يُعفى من ذلك أحدا إلا الحائض لعدم تحقيق شرط الطهارة.
تلخيص لترتيب خطوات الحج
•  البَدْء بالإحرام.
•  طواف القدوم.
•  السعي والتروية.
•  الوقوف بعرفات.
•  فالمبيت بمزدلفة.
•  يرمي الحاج جمرة العقبة.
•  التحلل من الإحرام.
•  طواف الإفاضة.
•  رمي الجمرات.
•  وأخيراً طواف الوداع.