شرع الإسلام فترة الخطوبة بين الرجل والمرأة، باعتبارها وعد بالزواج وليست عقدًا ملزمًا، وبها يكون الإقدام على الزواج على بينة ونور، وعلى هذا لا يترتب عليها ما يترتب على النكاح، وإنما هناك حدود شرعية لعلاقة الخاطب بخطيبته تتأرجح بين ما هو مباح وما هو محظور، وهذا من باب صيانة النفس وتربيتها وضبطها
والخطوبة مهمة للتعارف بين الطرفين، والتأكد من التوافق بينهما واستعدادهما للزواج من الناحية المادية والنفسية والاجتماعية، ومن الضروري أن يكون كل طرف صادقا وواضحا في مشاعره وأهدافه، وأن يستمع باهتمام واحترام، ويتحدث عن توقعاته واحتياجاته من الزواج. 

فترة الخطوبة في الإسلام
 
وأشار القرآن الكريم إلى فترة الخطوبة في قول الله تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ) [البقرة: 235]. فالخِطبة مجرد اتفاق مبدئي على الرضا بالتزويج، وكثيرًا ما يقصد الطرفان بعد تحقُّق الرضا إعلانه بإقامة حفل صغير أو كبير، ويحضره الأهل والأقارب والأصدقاء، وتُقدم فيه للمَخطوبة الهدية المعروفة باسم: “الشبكة” ويقتصر الأمر في الحفل على ذلك، وقد تقرأ فيه الفاتحة تأكيدًا لهذا الاتفاق، وقد أخذ هذا الحفل في ألْسنة الناس اسم “حفلة الخُطوبة”. 
أما العقْد فقد ذكره الله- سبحانه وتعالى-، فقال: (ولا تَعْزِمُوا عُقدةَ النِّكَاحِ حتَّى يَبْلُغَ الكتابُ أجَلَهُ) [البقرة 235]، والمعنى إرجاء العقد حتى تخلُص المَخطوبة من تَبِعَاتِ الزواج السابق إذا كانت قد سبق لها زواج. 

وثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه خطب عائشة- رضي الله عنها- (البخاري)، وفي الصحيح- أيضا- أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- خطب حفصة (البخاري). 
وقد رغّب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مَن أراد الخطبة بالنظر إلى المخطوبة، وفي حديث جابر- رضي الله عنه-، ما يشهد لهذا، حيث قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، قال جابر: فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها” (أبو داود)
. 
ودل على المشروعية حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: “أنه خطبَ امرأةً فقال النبيُّ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- “انظرْ إليها فإِنَّه أحرى أنْ يؤْدَمَ بينكُما” (أخرجه الترمذي وحسنه الألباني). 
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: “جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، فَقالَ: إنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ، فَقالَ له النبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: “هلْ نَظَرْتَ إلَيْهَا؟ فإنَّ في عُيُونِ الأنْصَارِ شيئًا” قالَ: قدْ نَظَرْتُ إلَيْهَا” (مسلم). 

آداب وضوابط شرعية في فترة الخطوبة 


ووضع الإسلام آدابا وضوابط شرعية في فترة الخطوبة لتكون ناجحة ومثمرة ولا يشوبها شائبة، ومنها: 

يحق للشاب رؤية الفتاة نظرة شرعية بوجود الأهل، فقد ورد عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “إذا خطبَ أحدُكمُ المرأةَ فإنِ استطاعَ أن ينظرَ إلى ما يدعوهُ إلى نِكاحِها فليفعل”. 

وفي حال موافقة الفتاة وأهلها يتفق الجميع على المهر، وتكاليف الزواج، ومن الممكن إتمام العقد منذ البداية ولكن يقوم البعض بتأجيل إتمام عقد الزواج لحين تحديد موعد للزفاف.
 
قراءة سورة الفاتحة في الخطبة، ولكن لا يعد ذلك من السنة، بل من السنة أن تقال خطبة الحاجة، فعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: “علَّمَنا رسولُ الله- صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم خُطبةَ الحاجةِ” (أبو داود والنسائي). 
وفي حال لم يُعقد القَرَان في مدة الخطبة فينبغي على الفتاة الالتزام باللباس الشرعي الساتر الذي لا يصف، ولا يشف، ولا يظهر ما تحته، ولا تتبرج، ولا تتزين، ويجب أن يكون معها محرم. 

ولا يخلو أحدهما بالآخر مطلقًا؛ فهم ما يزالون أجانب، فالفتاة أجنبيّة وإن خطبها ما لم يتمّ العقد. 

وأمّا ما يُقدّم من أموال على صورة هدايا من الخاطب، فيراعى فيه المقصد والدافع وراءه وهو تحقق القبول، لذا عند عدم تحقق المقصد فالرجوع جائز ويكون هذا مستثنى من حديث ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ” (أبو داود والترمذي وصححه الألباني).
وإذا خُطبت المرأة وعُلم بذلك الخاطب الثاني، وقد أجيب الأول، حُرِّم على الثاني أن يتقدم للخطبة إلا أن يدع الأول أو يأذن له وعلى هذا جمهور الفقهاء، لحديث ابن عمر: “نَهَى النبيُّ- صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، ولا يَخْطُبَ الرَّجُلُ علَى خِطْبَةِ أخِيهِ، حتَّى يَتْرُكَ الخاطِبُ قَبْلَهُ أوْ يَأْذَنَ له الخاطِبُ” (البخاري). 

يجوز تكرار النظر للخاطب، قال الرملي: “وَلَهُ تَكْرِيرُ نَظَرِهِ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فِيمَا يَظْهَرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ هَيْئَتُهَا، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اكْتَفَى بِنَظْرَةٍ حَرُمَ مَا زَادَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ نَظَرٌ أُبِيحَ لِضَرُورَةٍ فَلْيَتَقَيَّدْ بِهَا، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَخَافَ الْفِتْنَةِ أَمْ لَا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالرُّويَانِيُّ”. 

وقد أجاز بعض العلماء أن ينظر الخاطب إلى صورة المخطوبة، بشرط أن تكون الصورة محتشمة وبالحجاب الشرعي، ومطابقة للواقع دون تبييض أو تلوين وغاير للواقع، ثمّ إعادة الصورة بعد انتهاء الغرض منها، وأن يكون الخاطب صادق في طلبه، وأن يكون ذو أخلاق فاضلة، وألا ينظر إليها نظرة استمتاع وتلذذ بل لمجرد معرفة المخطوبة. 

واتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْخَاطِبِ أَنْ يُرْسِل امْرَأَةً لِتَنْظُرَ الْمَخْطُوبَةَ ثُمَّ تَصِفَهَا لَهُ وَلَوْ بِمَا لاَ يَحِل لَهُ نَظَرُهُ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَيَسْتَفِيدَ بِالْبَعْثِ مَا لاَ يَسْتَفِيدُ بِنَظَرِهِ، وَهَذَا لِمَزِيدِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ مُسْتَثْنًى مِنْ حُرْمَةِ وَصْفِ امْرَأَةٍ لِرَجُلٍ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَرْسَل أُمَّ سُلَيْمٍ تَنْظُرُ إِلَى جَارِيَةٍ فَقَال: شُمِّي عَوَارِضَهَا وَانْظُرِي إِلَى عُرْقُوبِهَا” (أخرجه أحمد).

ويجب أن يكون  الكلام عبر الهاتف أو وسائل التواصل المختلفة، للحاجة الضرورية فقط دون مخالفة الضوابط الشرعية التي تفيد بعدم الحديث الرومانسي أو كتابة عبارات رومانسية وإرسال تعبيرات حب تحرك المشاعر وتثير الشهوة، والأفضل بالنسبة للذين لا يمكنهم تجنب مثل هذه الأمور تقليل التواصل فيما بينهم، لأن ذلك يفتح باب الفتنة وما يترتب عليه مفاسد.
 
ولا يجوز للفتاة أن تتزين للخاطب وتضع مستحضرات التجميل عند مقابلته في الرؤية الشرعية أو حتى عند مقابلته أثناء زيارتها بعد إتمام الخطبة، لأنّ ذلك يخفي ما لا ينبغي إخفاؤه فيعطى حكم التدليس من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يجوز للمرأة أن تبدي زينتها إلا لمن ذكرهم الله سبحانه وتعالى من المحارم. 

ولا يجوز مصافحة الخاطب خاصة بشهوة، لكونه أجنبي عن المخطوبة قبل إجراء العقد، والرجل الأجنبي يحرم مصافحته شرعًا، وقد روي عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: “ما مَسَّتْ كَفُّ رَسولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ، وَكانَ يقولُ لهنَّ إذَا أَخَذَ عليهنَّ: قدْ بَايَعْتُكُنَّ كَلَامًا” (البخاري ومسلم). 

يكون الكلام بين المخطوبين وفق الضوابط الشرعية، وبقدر الحاجة من غير خضوع بالقول أو لين أو تمييع الحديث. قال تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: 32].

ويحظر التصريح بخطبة المعتدة، سواء أكانت معتدة من وفاة أو طلاق، وسواء أكان الطلاق طلاقا رجعيا أو بائنا، إلا أنه يباح التعريض بخطبة المعتدة من طلاق بائن دون التصريح عند بعض الفقهاء، وإن كانت معتدة من وفاة يباح كذلك التعريض بالخطبة دون التصريح، يقول تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [البقرة: 235]. 


ويستحب ألا يطيل الشاب فترة الخطوبة تجنبًا من وقوع خلافات وتدخل الوشاة بحياة كل من المخطوبين، كما يُمكن أن تكون فرصة لتدخل أهل أحد الطرفين أو كلاهما. كما أن إطالة الخطوبة قد تكون مفسدة في حالة سولت نفس أحدهما بأنه يمكن أن ينال من الآخر ما يريد فالإسلام حريص كل الحرص على عدم وقوع فاحشة تجنبًا لما لا يحمد عقباه. 

وفي حال إتمام عقد الزواج أثناء الخطبة، تكون الفتاة زوجة شرعية للشاب، وبالتالي يحق لكل من الشاب والفتاة الجلوس معًا دون وجود محرم لها، ويجوز لها الحديث معه، ولبس ما تشاء ولكن في حدود الأدب والعرف في المجتمع. د
نظّم الإسلام العلاقات الإنسانية المختلفة ووضع لها الحدود والمبادئ التي تحدد الإطار الذي يجب أن تسير فيه، ومن بينها العلاقة بين المخطوبين، فهذه العلاقة محكومة بالعديد من الضوابط الشريعة التي أمرنا بها الدين الحنيف، ومن ثمّ يجب عدم تجاوز تلك الضوابط بشكل أو بآخر.