كان نتنياهو - كالعادة - يتأهب للتصعيد نحو مزيد من القتل والدمار، من تحميل الطرف الآخر «حماس» المسؤولية عن استمرار الحرب.. حين فوجئ بالرد الإيجابي الذي قبلت من خلاله «حماس» الاتفاق المقترح من مصر وباقي الوسطاء دون أي شروط..

ليجد نتنياهو نفسه وفق ما أوضح جلال عارف في “الأخبار” مطالبًا بالرد وتحمل المسؤولية عن استمرار حرب إبادة يرفضها العالم كله، ولا يؤيدها إلا زعماء عصابات الإرهاب الصهيوني، الذين يشاركونه في حكم إسرائيل، يجد نتنياهو نفسه مضطرًا لإرسال وفد التفاوض للقاهرة، مع الزعم بأن الاتفاق لا يلبي مطالب إسرائيل في محاولة لشراء الوقت..

بينما يمضي في التصعيد والتهديد باجتياح رفح، وهو يعرف جيدًا أنه يسير في طريق مسدود، كما قال له قادة جيشه وأجهزة مخابراته قبل أيام، وهم يؤكدون له أن الحرب وصلت لنهايتها، وأن الاتفاق المعروض جيد وينبغي قبوله، وأن استمرار الحرب ستكون تكلفته كبيرة، خاصة مع افتقاد عنصرين مهمين هما: الوحدة الداخلية في إسرائيل، والتأييد الأمريكي الذي كان بلا حدود ولم يعد كذلك.

 

رد حماس الإيجابي فاجأ تل أبيب

رأى محللون إسرائيليون، أمس الثلاثاء، أن قبول حماس لمقترح اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بقطاع غزة، فاجأ تل أبيب ووضع حكومة بنيامين نتنياهو في "مأزق".

وأوضح محللون أن نتنياهو يريد من ناحية أن يظهر رافضًا لاتفاق يعيد الأسرى الإسرائيليين من غزة، ومن ناحية أخرى لا يريد إغضاب شركائه في اليمين الذين يرفضون الاتفاق، وفقًا لـ"الأناضول".

وتحت عنوان "عندما يقول (زعيم حماس في غزة يحيى) السنوار نعم"، قال المحلل البارز بصحيفة "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنايع، الثلاثاء: "من المرجح أن السنوار يخدعنا، فهو يعلم أن الحكومة الحالية لا تستطيع الموافقة على الاقتراح الذي صاغه".

وأضاف أنه من أجل طمأنة الأمريكيين (يعارضون العملية العسكرية في مدينة رفح جنوب القطاع) "ربما ترسل إسرائيل وفدا فنيا إلى القاهرة".

واعتبر أن إرسال الوفد للقاهرة "مهم لنتنياهو على الجبهة الداخلية، حيث لا يتحمل أن يُنظر إليه على أنه شخص يحبط الاتفاق ويتخلى عن الأسرى، ولا يستطيع أن يُنظر إليه على أنه شخص مستعد للتوصل إلى اتفاق ويخون شركائه في اليمين".

ووصف برنايع السنوار بأنه "شرير ولكنه ليس أحمقًا".

وتابع: "الاقتراح المضاد الذي صاغه (السنوار) يضع إسرائيل في جولة أخرى من المناقشات الداخلية المثيرة للأعصاب، حيث يموت المختطفون في الأسر، وعائلات لا تعرف مصيرها، وحكومة خائفة ومنقسمة حتى العنق في الشك المتبادل، ونخبة أمنية منهكة وضعيفة".

وأشار بارنياع إلى أنه "ربما يكون السنوار مهتمًا بالوصول إلى المحطة النهائية، أي الاتفاق، لكنه ليس أقل من ذلك فهو مستمتع بما يفعله بنا على طول الطريق".

 

نتنياهو الواقع في فخ نعم لحماس

من جهته، أشار المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل في مقال حمل عنوان "نتنياهو الواقع في فخ نعم لحماس"، إلى أن قبول الحركة اتفاق وقف إطلاق النار المقترح "فاجأ إسرائيل، نظرًا للأزمة التي شهدتها المحادثات خلال الأيام القليلة الماضية".

وأضاف: "فوجئت إسرائيل ليلة الاثنين عندما أعلنت حماس أنها قبلت اقتراح الوسطاء بشأن صفقة الرهائن، وكانت المفاوضات بدت خلال الأيام الماضية وكأنها على وشك الانهيار التام".

وأورد هارئيل في مقاله أن السؤال الكبير الآن يتعلق بـ"طبيعة اقتراح وقف إطلاق النار".

واستدرك: "خلال الأشهر القليلة الماضية، كانت العقبة الرئيسة أمام التوصل إلى اتفاق هي مطالبة حماس بأن يتضمن الاتفاق انسحابًا كاملا لقوات الجيش الإسرائيلي إلى جانب وقف كامل للقتال".

وعليه، تحدث أن حماس طالبت مؤخرًا "بضمانات أمريكية في ضوء التصريحات المتكررة لنتنياهو بأنه ينوي إصدار أمر للجيش الإسرائيلي بالاستيلاء على رفح".

وقال: "تداولت مصادر سياسية إسرائيلية الليلة الماضية أن مصر والولايات المتحدة ربما توصلتا إلى تفاهم خلف ظهر إسرائيل، لتحديث الاقتراح المصري الذي قبلته تل أبيب قبل أسبوعين".

 

ادعاءات الخداع الأمريكي

ووفقًا لهارئيل، هذه الأقاويل "إشارة أولية من نتنياهو بأنه سيرفض الاقتراح بعد الرد الإيجابي من حماس".

ولفت هارئيل إلى أنه "قبل يومين فقط، ادعى رئيس الوزراء والمتحدثون باسمه أن وسائل الإعلام الإسرائيلية وجهت إليه اتهامات كاذبة بأنه يحاول تخريب المحادثات بينما يلقي اللوم على حماس".

وقال: "يبدو الآن أنه سيعطي إجابة سلبية مرة أخرى، وسوف يتم تبرير هذه الخطوة بالادعاء بأن إسرائيل تحتاج إلى ضمان هزيمة حماس، والادعاءات المشكوك فيها بوجود خداع أمريكي".

واستدرك: "من الناحية العملية، سيكون السبب الرئيس هو خوف نتنياهو من انهيار ائتلافه وخسارة قاعدته الانتخابية اليمينية".

وأشار هارئيل أنه "في النهاية يبدو أن الوسطاء قاموا بواجباتهم بأمانة، وعرضوا على حماس اقتراحًا وافقت عليه إسرائيل بالفعل، لكنها أدخلت عددًا صغيرًا من التغييرات".

كما ارتأى أن الوسطاء "لم ينحازوا إلى أي جانب، بل قدموا اقتراح تسوية كلاسيكيًا لا يزال مشروطًا بموافقة إسرائيل".

وقال: "بمعنى آخر، فإن فرص تحقيق انفراجة في المفاوضات لا تزال منخفضة. ولكن ربما تكون قيادة حماس، من خلال ردها الإيجابي، قد تمكنت من دق إسفين بين إسرائيل والولايات المتحدة".

وتابع هارئيل: "يبقى أن نرى كيف سيرد وزراء حزب الوحدة الوطنية في حكومة الحرب، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، على التغيير في موقف حماس وعلى رد فعل نتنياهو السلبي الواضح".

 

شكوك إسرائيلية

بدوره، شكك الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، تامير هايمان، في مقال نشره الموقع الإلكتروني لقناة 12 العبرية في أن تكون حماس "أخفت في الصفقة فخًا لا يمكن لإسرائيل أن تقبله".

وقال: "من الواضح أن حماس وافقت على الاقتراح، لكنه في الواقع اقتراح مختلف إلى حد كبير عن الاقتراح الذي وافقت عليه إسرائيل".

وأضاف: "هناك نقطتان رئيسيتان للخلاف هما مسألة إنهاء الحرب، ومسألة هوية أسرى العالم الذين سيتم إطلاق سراحهم ضمن صفقة".

وأشار إلى انه "في المسألة الأولى، اقتراح الوسطاء مقبول لدى إسرائيل لعدم تضمنه عبارة وقف الحرب، لكن هناك عبارة أخرى مقترحة أكثر غموضًا وهي وقف النشاط، والتي تسمح بمرونة تجديد الحرب في المستقبل، إذا اختارت إسرائيل ذلك".

واستدرك: "أما المسألة الثانية فتكمن العقبة التي لا تسمح لإسرائيل بالقبول بالصفقة هي أن تتنازل تل أبيب عن حق النقض على قرار إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وهذا أمر جوهري".

ووفق ما كشفه هايمان من بنود الصفقة وراود تل أبيب الشك حوله، هو أنه في المرحلة الأولى، سيكون مقابل إطلاق سراح كل جندي إسرائيلي مخطوف، إطلاق سراح 50 أسيرًا بينهم 30 أسيرًا من أصحاب أحكام المؤبد.

ورأى أي أنه في المجمل "سيكون في نهاية الجزء الأول، تم إطلاق سراح 150 أسيرًا مؤبدًا حسب طلب حماس، فيما لا يسمح لإسرائيل بالتدخل في ذلك".

وقال: "إذا حدث ذلك فإن إسرائيل تطلق سراح جميع سجناء العالم المرتبطين بحماس، وتطلق سراح جميع السجناء الخطرين، وإذا حدث ذلك، فلن يكون لدى إسرائيل أوراق مساومة للمرحلة الثانية".

واعتبر أنه من الناحية العملية وفقًا لهذا البند، "ستطلق إسرائيل سراح كل شخص مهمًا حقًا بالنسبة لحماس، ولا تضمن عودة جميع الأسرى".

 

بعثرة للأوراق

بدوره، قال المحلل في صحيفة "يديعوت أحرونوت" آفي إيسسخاروف، الثلاثاء إنه رغم أن الاقتراح المصري القطري لم يكن مقبولًا لدى إسرائيل مسبقًا، إلا أن رد حماس الإيجابي على هذا الاقتراح "يبعثر الأوراق من جديد".

ولفت إلى أن "الكرة أصبحت مرة أخرى الآن في ملعب إسرائيل".

وأوضح قائلًا: "يتعين الآن على الحكومة الإسرائيلية أن تقرر ما إذا كانت تنوي الرد بشكل إيجابي على الاقتراح والموافقة على إنهاء الحرب بالفعل في نهاية مرحلتها الأولى والمرحلة الثانية، اعتمادًا على كيفية نظرتك إليها، أو الرد بشكل سلبي وسيُنظر إليك في العالم على أنك رفضت إمكانية إنهاء الحرب".

وتزامن ذلك مع تصعيد لافت من نتنياهو وإدارته في مدينة رفح المكتظة بالنازحين جنوب قطاع غزة، بإطلاق عملية برية محدودة نتج عنها سيطرة تل أبيب على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، ومقتل عشرات الفلسطينيين في غارات رافقت العملية.

وجاء هذا التصعيد رغم إعلان حماس عبر رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية أنها أبلغت قطر ومصر موافقة الحركة على مقترح البلدين الوسيطين بشأن اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل في قطاع غزة.

وتواصل إسرائيل الحرب رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف القتال فورًا، وكذلك رغم أن محكمة العدل الدولية طالبتها بتدابير فورية لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية"، وتحسين الوضع الإنساني بغزة.