أصيبت روزان البرش بالصدمة عندما سمعت نبأ وفاة عمها الدكتور عدنان البرش في معتقلات إسرائيل.

وكان الجراح الفلسطيني البارز قد اختفى قسراً على يد القوات الإسرائيلية ولم يره أحد منذ ديسمبر. والأسبوع الماضي، قالت جمعية الأسير الفلسطيني إنه قُتل تحت التعذيب أثناء وجوده في المعتقلات الإسرائيلية.

وقالت روزان، ابنة أخيه لموقع ميدل إيست آي: "لقد كانت الصدمة الأكبر في حياتي كلها. شعرت كما لو أن قلبي قد تحطم".

وأضافت روزان، وهي طالبة طب في جامعة الأزهر في غزة، إن الدكتور عدنان كان أكثر من مجرد عم لها.

وقالت لموقع ميدل إيست آي إنه كان صديقا وداعما لها وشجعها على دراسة الطب.

وتابعت: "كان عمي سندا صامدا، حازما كالجبل".

بالإضافة إلى كونه رئيسًا لقسم طب العظام في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، كان عدنان البرش ذا الخمسين عامًا أستاذًا لطب العظام.

وكانت لديه أيضًا اهتمامات خارج نطاق الطب، بما في ذلك حصوله على درجة الماجستير في العلوم السياسية وطموحه لبناء مستشفى كبير في غزة يشمل جميع التخصصات.

دلكن وفقًا لروزان، كان بالنسبة لها الكثير المستوى الشخصي.

وتتذكر قائلة: "كنا نصلي صلاة الفجر معًا ثم نسبح في البحر. كان يعلمني السباحة، فهو سباح ماهر، وهو من جعلني أجرؤ على السباحة في أعماق كبيرة. لقد كان مبتهجًا جدًا ويعتز بالحياة كثيرًا. لقد أحب الحياة كثيراً".

 

 مساعدة المرضى حتى اللحظة الأخيرة

وكان البرش قد اعتقل في ديسمبر من مستشفى العودة في شمال غزة بعد رفضه مغادرة المرضى الذين تعرضوا لقصف إسرائيلي عنيف منذ 7 أكتوبر.

أمضى الأسابيع القليلة الماضية قبل اعتقاله ووفاته في نهاية المطاف متنقلاً بين مستشفيات غزة لرعاية المرضى.

ولجأت عائلته، التي تسكن جباليا في شمال غزة، إلى مستشفى الشفاء حيث كان يعمل عندما تعرضت منطقتهم لقصف عنيف.

وعادوا لاحقًا إلى جباليا قبيل الغارة التي شنتها القوات الإسرائيلية على المستشفى في نوفمبر، لكن البرش رفض المغادرة معهم.

وقالت روزان: "لقد أحب زوجته كثيراً، وكذلك أطفاله الستة، وقدم لهم كل ما يحتاجون إليه. وعلى الرغم من ذلك، قرر الاستمرار في التنقل بين المستشفيات لمساعدة المرضى والجرحى".

وبعد مداهمة مستشفى الشفاء وإجبار معظم الطاقم الطبي على مغادرة المنشأة تحت تهديد السلاح، رفض البرش مرة أخرى البحث عن الأمان النسبي في جنوب غزة.

وبدلاً من ذلك، توجه إلى المستشفى الإندونيسي شمال شرق غزة لمواصلة عمله.

وصرحت روزان لموقع ميدل إيست آي: "كان يقول: هذا واجبي الوطني ولا أستطيع التخلي عن مساعدة شخص يحتاج إلى مساعدتي".

وفي أحد الأيام، أجرى 17 عملية جراحية ناجحة لمرضى جرحى، وأنقذهم من البتر أو الموت، بحسب روزان.

ولكن بعد وقت قصير من خروجه لأخذ قسط من الراحة، ضرب القصف الإسرائيلي قسم العمليات في المستشفى، مما أسفر عن مقتل جميع المرضى السبعة عشر وإصابة البرش.

ومع تزايد الهجمات الجوية والبرية على المستشفى الإندونيسي، انتقل الجراح إلى مستشفى العودة في جباليا، وهو مرفق صغير يقدم الرعاية الطبية الأساسية.

وفي نهاية المطاف، داهمت القوات الإسرائيلية المستشفى واعتقلت البرش مع طاقم طبي آخر.

ومثل جميع الفلسطينيين الذين أُخذوا من غزة، فقد اختفوا قسراً دون أن تكشف السلطات الإسرائيلية عن مكان وجودهم.

 

 معاملة شبيهة بجوانتانامو

 وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، قتلت القوات الإسرائيلية 492 عاملا طبيا منذ أكتوبر، واعتقلت 310 آخرين، ودمرت نظام الرعاية الصحية في غزة تقريبًا بعد هجمات متكررة على جميع المستشفيات.

ويقول المعتقلون المفرج عنهم إن الأطباء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يعاملون بقسوة أكبر من السجناء الآخرين الذين يواجهون التعذيب وسوء المعاملة على نطاق واسع.

وتأكدت وفاة ما لا يقل عن 10 أسرى في السجون الإسرائيلية منذ أكتوبر في ظل هذه الظروف، على الرغم من أن عدد القتلى من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير.

ويقول شهود إن تعذيب الأطباء يهدف جزئياً إلى انتزاع اعترافات كاذبة منهم.

وشارك الدكتور خالد حمودة، الذي تم القبض عليه ثم أطلق سراحه لاحقًا، في زنزانة مشتركة مع البرش، وأخبر موقع ميدل إيست آي أنه تعرض للتعذيب والضرب المبرح والاستجوابات المهينة.

وقال إن الجراح محتجز في مركز احتجاز قاعدة سدي تيمان العسكرية.

وعندما وصل إلى هناك في منتصف ديسمبر، كانت هناك علامات واضحة على تعرضه "للتعذيب والضرب المبرح"، بحسب حمودة.

وأضاف حمودة لموقع ميدل إيست آي: "لا أستطيع تحديد اليوم المحدد لوصول الدكتور عدنان لأننا حرمنا من أي إحساس بالوقت. ومع ذلك، أعتقد أنه تم إحضاره إلى الاحتجاز في 17 ديسمبر، بعد منتصف الليل بقليل".

ثم أحضر الطبيب، الذي كان مكلفًا بتنسيق شؤون السجناء مع الجنود، للنزلاء الجدد فرشًا رقيقًا وبطانيات خفيفة قال إنها غير مناسبة لطقس ديسمبر البارد.

يتذكر حمودة قائلاً: "اقتربت من الدكتور عدنان وعرفت بنفسي، محاولاً أن أقدم له بعض الطمأنينة. لقد أمسك بيدي بقوة".

وبعد أن أعطاه الطعام الذي أخفاه عن الجنود، روى البرش بعض التعذيب الذي تعرض له لحمودة، قبل إحضاره إلى الزنزانة.

وتابع حمودة: "لقد تعرض لأشد أشكال الإهانات والإساءات أثناء الاستجواب، على غرار تلك التي تعرض لها في جوانتانامو".

قضى حمودة يومين مع البرش قبل أن يتم نقله هو وغيره من الأطباء والعاملين الطبيين المحتجزين معه، بما في ذلك الدكتور محمد الران والدكتور خالد صيام والدكتور سعيد معروف إلى سجون منفصلة.

كن في هذين اليومين، جلب البرش لحمودة أفضل الأخبار التي كان ينتظرها. وأخبره أنه أجرى مؤخراً عملية جراحية لوالدته بعد أن أصيبت في غارة جوية إسرائيلية وأنها بخير.

وقال حمودة: "لقد انهمرت الدموع عندما تلقيت آخر أخبار والدتي، وهو أول خبر أسمع عنه منذ اعتقالي… انحنيت وقبلت جبين الدكتور عدنان".

https://www.middleeasteye.net/news/war-gaza-doctor-israel-abandon-patients-torture-death