- خطة إنقاذ اقتصاد مصر تسلط الضوء على عمق الأزمة الاقتصادية
- كثيرون في القاهرة يرون أن التدخلات الاقتصادية الدولية تكشف مدى تدهور الأوضاع
- الرهان على جذب المستثمرين الأجانب مجدداً جاء بعد نزوح رؤوس الأموال اللازمة لتمويل الديون.
- الشعور السائد حالياً أن المعاناة أسوأ مما كانت عليه قبل احتجاجات 2011.
قالت وكالة بلومبرج إن المعاناة في مصر باتت أوسع نطاقاً رغم المليارات التي تلقتها مصر سواء من الإمارات أو غيرها، موضحة أن "هناك شعور يسود في القاهرة بأن البلاد دارت دورة كاملة منذ احتجاجات 2011، بل أصبحت المعاناة الآن أوسع نطاقاً وأشد عمقاً".
ونقلت عن مواطنين أن "حكومة السيسي ذهبت إلى حيث لم تجرؤ الحكومات السابقة، بخفض الدعم على أشياء مثل الخبز والكهرباء. وأعلنت وزارة البترول رفع أسعار الوقود نهاية الأسبوع الماضي، مشيرة إلى التدابير التي تهدف إلى تحقيق استقرار الاقتصاد، ومن بينها خفض قيمة العملة".
وقالت: يبلغ الحد الأدنى لأجور موظفي الدولة 6000 جنيه مصري (128 دولار) شهرياً، ويعتمد غالبية السكان على نظام دعم يغطي بعض السلع الأساسية. ومع ذلك، فإن هناك تغييرات في عادات الإنفاق تُفرض أيضاً على بعض ممن كانوا يعتبرون أنفسهم أثرياء.
ولفتت إلى أن الاعتماد على طرق الدفع بالتقسيط بين المواطنين، ازدهر، ليس فقط لشراء أشياء باهظة الثمن مثل الأثاث والأجهزة المنزلية، بل أيضاً لمنتجات البقالة والملابس، وحتى في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي أُقيم هذا العام، بعد قلق دور النشر بشأن المبيعات.
وأكمل تقرير الوكالة الذي نشر أيضا على موقع الشرق السعودي، "عندما وصلت الأخبار، أنهى هشام نادر عمله سريعاً، وعاد إلى المنزل ليخبر عائلته بما حصل. ضخت الإمارات العربية المتحدة استثماراً سيصبح الأكبر في تاريخ مصر، ما مهد الطريق أمام البلاد لتعويم عملتها، وتأمين اتفاق آخر مع صندوق النقد الدولي أخيراً، ما دفع الحكومة إلى الإعلان أن اقتصاد البلاد تم إنقاذه".
استعدوا للأصعب
ونقلت الوكالة في تقريرها عن مواطنين من الشارع المصري ومنهم؛ نادر، 43 عاماً، ويعمل في مجال المحاسبة إلى جانب عمله كسائق لدى شركة "أوبر"، كان لديه وجهة نظر مختلفة، فقد قال لزوجته: "استعدوا لأيام أصعب".
وأوضحت أنه بعيداً عن الرواية الرسمية، يرى الكثيرون في القاهرة أن التدخلات الاقتصادية الدولية التي تجاوزت 50 مليار دولار في الأسابيع الأخيرة، تكشف عمق الأزمة في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان. فالأزمة الاقتصادية التي تتراكم منذ سنوات، وصلت الآن إلى نقطة حرجة مع اندلاع الحرب على غزة المجاورة، والتهديدات المتزايدة للاستقرار في الشرق الأوسط.
وأبانت أنه بدلاً من توقع تحسن الأوضاع، تتساءل الأسر عن حجم الألم الإضافي الذي يمكن تحمله بعد انخفاض قيمة العملة للمرة الرابعة خلال عامين. فقد أجبر التضخم بالفعل نادر على خفض استهلاك الطعام والنزهات والملابس، ونقل أطفاله إلى مدارس أقل تكلفة.
وتابعت مع نادر وهو يشير إلى شاشة تلفزيون تعرض مؤتمراً صحفياً للحكومة يشرح الإجراءات المُتخذة في 6 مارس: "مررنا بهذا من قبل، وهو أمر ليس جيداً على الإطلاق. أعطني سبباً واحداً يجعلني أحتفي بذلك".
ورأت أن عبد الفتاح السيسي يراهن على أن الحزمة الأخيرة من الاستثمارات ستجذب المستثمرين الأجانب مجدداً إلى الدولة البالغ عدد سكانها 105 ملايين نسمة، والتي شهدت نزوح رؤوس الأموال الضرورية لتمويل ديونها الضخمة.
ولفتت ضمن هذه الديون ما تعتزمه الإمارات من استثمار 35 مليار دولار في قطاع العقارات بعد حصولها على حقوق تطوير منطقة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. ويقدم صندوق النقد الدولي قرضاً لمصر بقيمة 8 مليارات دولار، فيما وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات وتمويلات قدرها 8.1 مليار دولار، إضافة إلى تمويلات من البنك الدولي بأكثر من 6 مليارات دولار.
نماذج التقشف
اضطرت منى علي، البالغة من العمر 27 عاماً، وتعمل مهندسة بشركة متعددة الجنسيات، إلى تقليص مرات خروجها إلى المقاهي والمطاعم والرحلات خارج مصر، وتقشفت بينما تكافح لسداد فواتيرها.
وقالت: "ليس لدي أطفال، واعتدت على إرهاق نفسي في العمل للاستمتاع بإجازة خارج البلاد مرة واحدة في العام، أو شراء شيء لنفسي.. أفكر الآن في كيفية تأمين الطعام. هل ما زلت من الطبقة المتوسطة؟".
في الواقع، تظهر علامات الأزمة الاقتصادية بشكل أكثر وضوحاً على مائدة الطعام، خاصة خلال شهر رمضان عندما تجتمع الأسر لتناول وجبة الإفطار.
كانت مروة أحمد، وهي أم لطفلين وعمرها 42 عاماً، تجر عربة تسوق فارغة أمام ذبائح متدلية من الخطافات في السوبرماركت، ثم توقفت لتشير إلى لافتة تعلن عن لحم بقر محلي بسعر 379 جنيهاً للكيلو. وقالت: "نحن بالكاد نستطيع شراء العدس والخضراوات، لذا فإن بند اللحوم غير وارد".
كان ذلك قبل تراجع قيمة الجنيه المصري مرة أخرى في 6 مارس، عندما حررت مصر سعر الصرف، حيث تهاوى السعر الرسمي بنحو 40% إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 50 جنيهاً للدولار في غضون ساعات، بعد تداوله عند نحو 30.90 خلال معظم العام الماضي.
بدأ محمد قدري، وهو جزار من محافظة سوهاج بجنوب مصر، ببيع اللحوم بكميات صغيرة خلال العام الماضي. جدير بالذكر أن حجم أصغر قطعة لحم أحمر يبيعها قدري هو 50 غراماً مقابل 37 جنيها الآن.
وأوضح: "لدي عملاء ميسورو الحال مثل أطباء، يرسلون طفلاً أو شخصاً ما لشراء نصف كيلو لحم، نظراً لشعورهم بالإحراج من شراء كميات صغيرة، لذلك بدأت في بيع قطع صغيرة جداً من اللحوم".
وصل التضخم بالفعل إلى مستوى قياسي يزيد عن 35% خلال 2023. وتضاعفت أسعار السلع الأساسية مثل السكر، مما دفع السلطات إلى اتخاذ تدابير لتجنب ما تقول إنه تلاعب في الأسعار من قبل التجار أو الموزعين. كما ارتفع سعر البصل، الذي تُعد وفرته في المطابخ رمزاً لثقافة الطهي المصرية، ويُعد أيضاً مكوناً أساسياً في الأطعمة الشعبية مثل الكشري، بأكثر من 400% خلال عام.
الألم الاقتصادي
لم تعد دعوة الأصدقاء والعائلة لتناول الطعام شيئاً تشعر سارة حسن، المصرفية ذات الـ34 عاماً، بأنها تستطيع تحمل كلفته بعد الآن. فقد قالت: "اعتدت أن يكون منزلي مليئاً بالسلع طوال الوقت، خاصة قبل شهر رمضان، وأعلم أن الأسعار تتجه نحو الارتفاع فقط، لكنني لا أستطيع شراء أكثر من احتياجاتي اليومية".
سلطت حملة إعادة انتخاب السيسي أواخر العام الماضي الضوء على مشاريع رئيسية انطلقت خلال فترة حكمه، بدءاً من آلاف الأميال من الطرق والجسور إلى توسيع قناة السويس، وصولاً إلى العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة. كما أشارت إلى الحفاظ على الأمن باعتباره إنجازاً كبيراً، وكيف أن مصر لم تنزلق إلى أتون الفوضى والحرب إسوة بدول أخرى في المنطقة.
وفي خطاب ألقاه خلال يناير، طلب السيسي من المصريين تحمل الألم الاقتصادي لأنهم قادرون على تناول الطعام والشراب رغم ارتفاع الأسعار. ودافع عن المشاريع الضخمة قائلاً إنها توفر ملايين من فرص العمل.
وألقى السيسي، الذي تسمح حكومته بمعارضة بسيطة، باللوم في نقص العملة الأجنبية على اعتماد مصر المستمر منذ عقود على الواردات، التي قال إنها تتطلب منه إنفاق مليار دولار شهرياً على سلع أساسية مثل القمح والزيوت النباتية، ومليار دولار أخرى على الوقود.
المعاناة المستمرة
وأضاف: "أدرك حجم المعاناة والضغوط الاقتصادية في مصر، وأقدّر صمود المصريين أكثر. ألا نأكل؟ نحن نأكل. ألن نشرب؟ بل نشرب، وكل شيء موجود بالفعل. هناك أشياء باهظة الثمن وأخرى غير متوفرة. ما المشكلة؟".
في محاولة لتخفيف الضغوط على الأسر منخفضة الدخل، أعلنت الحكومة الشهر الماضي رفع الحد الأدنى لأجور موظفي الدولة بنسبة 50%. وكان ذلك جزءاً من حزمة حماية اجتماعية أوسع تقول السلطات إن قيمتها تُقدر بنحو 180 مليار جنيه مصري، وهذا كان قبل انخفاض قيمة الجنيه مرة أخرى.
في الوقت نفسه، توقع مصطفى مدبولي، في 18 مارس، أن يشهد الناس انخفاضاً في الأسعار مع توافر العملة الأجنبية، وهو أمر يُيسر الواردات. وقال البنك المركزي إن رفع أسعار الفائدة هذا الشهر يهدف إلى كبح التضخم.
ومع ذلك، فإن انخفاض قيمة العملة بشكل أكبر يعني ارتفاع الأسعار على الأقل في المدى القصير. والواقع أن المصريين يعرفون ما يمكنهم توقعه، إذ خفضت البلاد قيمة عملتها بنسبة 48%، وقلصت الدعم في نهاية 2016 للتوصل إلى اتفاقية للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، مما ساعد في إصلاح الأوضاع المالية للبلاد، لكنه تسبب في ارتفاع التضخم.
محاولات النجاة
بعد سماع الأخبار هذا الشهر، هرع رجب محمد إلى السوبرماركت لشراء البقالة قبل ارتفاع الأسعار مجدداً. وقال المحاسب البالغ من العمر 45 عاماً، إن "هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير.. لا أعرف كيف سننجو من هذا".
يتذكر محمد أنه عاش حياة جيدة قبل نحو 15 عاماً، فهو متزوج ولديه طفلان صغيران. وهو يعمل الآن كسائق في "أوبر"، وزوجته تبحث عن عمل إضافي، حتى يتمكنا من تحمل الرسوم الجامعية لأطفالهما. كما أنهما يشتريان الفواكه والخضراوات بالقطعة بدلاً من الوزن.
كذلك، قالت إلهام محمد، وهي معلمة عمرها 43 عاماً، إنها تحاول التكيّف مع الراتب الإجمالي لها ولزوجها البالغ 15 ألف جنيه. فبدلاً من شراء كيلوغرامين من اللحوم الطازجة شهرياً لعائلتها الصغيرة المكونة من أربعة أفراد، تستهلك الآن كيلوغراماً واحداً فقط، وتتناولها حتى القضمة الأخيرة.
وأوضحت "استخدم عظاماً رخيصة لإعداد كميات كبيرة من المرق الذي يمكنني استخدامه في طهي الطعام خلال بقية الشهر.. إنها معاناة، لكن علي التوصل لكل الحيل الممكنة لأتمكن من إطعام أطفالي".