اندلع القتال في الخرطوم، عاصمة السودان، في 15 أبريل 2023، حيث تحول الصراع المتصاعد على السلطة بين الفصيلين الرئيسيين في النظام العسكري إلى صراع مميت. 

فمن ناحية، هناك القوات المسلحة السودانية التي لا تزال موالية على نطاق واسع للجنرال "عبد الفتاح البرهان"، الحاكم الفعلي للبلاد. وتواجهه القوات شبه العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع، وهي مجموعة من الميليشيات التي تتبع أمير الحرب السابق الفريق "محمد حمدان دقلو"، المعروف باسم "حميدتي".

 تأسست قوات الدعم السريع على يد الحاكم الديكتاتوري السابق "عمر البشير" كميليشيا عربية لمكافحة التمرد. وأراد "البشير " سحق التمرد في منطقة دارفور الذي بدأ قبل أكثر من 20 عامًا بسبب التهميش السياسي والاقتصادي للسكان المحليين.

كانت قوات الدعم السريع، التي كانت تُعرف في البداية باسم الجنجويد، سرعان ما أصبحت مرادفًا للفظائع واسعة النطاق. وفي عام 2013، حول البشير الجماعة إلى قوة شبه عسكرية شبه منظمة ومنح قادتها رتبًا عسكرية قبل نشرهم لسحق تمرد جديد في جنوب دارفور.

وتناولت صحيفة "الجارديان" في تحليل تداعيات صراع السودان التي قد تؤدي إلى "واحدة من أسوأ الكوابيس الإنسانية في التاريخ الحديث". وقالت: "يمكن إرجاع صراع "حميدتي" الحالي على السلطة مع "البرهان إلى عام 2019 عندما تعاونت قوات الدعم السريع والقوات العسكرية النظامية للإطاحة بالبشير من السلطة. وعندما تعثرت محاولات الانتقال إلى حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية، شعر العديد من المحللين أن المواجهة النهائية بين "البرهان" و"حميدتي" كانت حتمية".

 

 لماذا تقع دارفور في مركز الصراع؟

 تعد منطقة دارفور، التي يقطنها حوالي 9 ملايين شخص، المنطقة الشاسعة والقاحلة في غرب وجنوب غرب السودان، في قلب الصراع المستمر إلى حد كبير لأنها لا تزال معقل قائد قوات الدعم السريع "حميدتي". ويأتي العديد من مجندي قوات الدعم السريع من المنطقة ومن قبيلة الرزيقات التي ينتمي إليها "حميدتي".

 لسنوات، قامت قوات الدعم السريع بترويع المجتمعات المحلية في دارفور، ويشهد معظم المنطقة حالة من الفوضى: فالميليشيات والجماعات المسلحة الأخرى تهاجم المدنيين مع الإفلات الفعلي من العقاب. وتشير الأدلة الأخيرة إلى أن قوات الدعم السريع متورطة في حالات هياج عرقي داخل دارفور ضد مجتمعات مثل المساليت.

وفي السنوات الأخيرة، استثمرت قوات الدعم السريع موارد كبيرة في دارفور في محاولة للسيطرة على أصولها الاستراتيجية، مثل مهابط الطائرات والمناجم ومصادر المياه والطرق الرئيسية. وإذا سار الصراع بشكل سيئ بالنسبة لحميدتي في أماكن أخرى من السودان ــ وخاصة في الخرطوم والمناطق المحيطة بها ــ فمن المرجح أن ينسحب إلى دارفور. ومع قوته المكونة من عشرات الآلاف من المقاتلين المتمرسين، ستكون المنطقة منيعة فعلياً.

ونقلت "الجارديان" عن محللون قولهم إن العديد من جذور الصراع الأخير يرجع إلى أعمال العنف المروعة وانتهاكات حقوق الإنسان ـ وربما الإبادة الجماعية ـ في دارفور منذ نحو عشرين عاماً. وحذرت خبيرة الأمم المتحدة المعنية بالإبادة الجماعية "أليس وايريمو نديريتو" في الأشهر الأخيرة من "دوامة العنف التي لا نهاية لها".

 

 ما هي التكلفة البشرية؟

 وقد أدى الصراع إلى دخول السودان في "واحدة من أسوأ الكوابيس الإنسانية في التاريخ الحديث"، وفقًا لمسؤولي الأمم المتحدة، الذين حذروا أيضًا من أنه قد يؤدي إلى أكبر أزمة جوع في العالم. وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليونيسيف، إن بعض المجتمعات في السودان قد دفعت إلى حافة المجاعة.

 كما أدى الصراع في السودان إلى خلق أسوأ أزمة نزوح في العالم، حيث أدى إلى تشتيت أكثر من 8 ملايين شخص داخليًا وعبر حدود السودان. وقد فر ما يقرب من مليوني شخص إلى البلدان المجاورة هربًا من القتال، مما زاد الضغط على تشاد وجنوب السودان.

ويعني نقص الأموال في جنوب السودان أن ثلاثة ملايين شخص يعانون من الجوع الشديد لا يتلقون أي مساعدة من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. وفي تشاد، فإن نقصاً مماثلاً في الأموال يعني أنه سيتعين عليها إنهاء الدعم لجميع اللاجئين البالغ عددهم 1.2 مليون لاجئ داخل البلاد في أبريل.

ويحذر مسؤولون من برنامج الأغذية العالمي من أن ما يقرب من 28 مليون شخص في جميع أنحاء المنطقة يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، منهم 18 مليون في السودان، و7 ملايين في جنوب السودان، وحوالي 3 ملايين في تشاد.

وذكرت "الجارديان" أنه حتى قبل اندلاع القتال، قدرت الأمم المتحدة أن أكثر من 3 ملايين امرأة وفتاة في السودان معرضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي. ومنذ بداية النزاع، وردت تقارير عديدة عن قيام القوات المسلحة باستخدام الاغتصاب كسلاح.

كما حرم الصراع أعدادًا كبيرة من التعليم، حيث وصل إجمالي عدد الأطفال في السودان خارج المدارس إلى 19 مليونًا.

 

 ما هو التأثير على المنطقة الأوسع؟

 يقع السودان، أحد أكبر الدول الإفريقية، في منطقة مضطربة على الحدود مع البحر الأحمر ومنطقة الساحل والقرن الإفريقي. وقد اجتذب موقعها الاستراتيجي وثرواتها الزراعية قوى إقليمية، مما أدى إلى تعقيد فرص الانتقال الناجح إلى حكومة يقودها المدنيون.

وتأثر العديد من جيران السودان – بما في ذلك إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان – بالاضطرابات السياسية والصراعات. وقد فرت أعداد كبيرة من اللاجئين السودانيين من القتال إلى الدول المجاورة للبلاد، بما في ذلك مئات الآلاف الذين عبروا الحدود إلى تشاد.

وأشارت "الجارديان" إلى أن تضخيم التوترات هو الأبعاد الجيوسياسية الرئيسية المؤثرة. وتعد روسيا والولايات المتحدة والسعودية والإمارات، ومؤخراً إيران، من بين القوى التي تتصارع على النفوذ في السودان.

رأت السعودية والإمارات في محاولة السودان الانتقال إلى حكومة يقودها مدنيون فرصة لصد النفوذ الإسلامي في المنطقة. ويشكل هؤلاء، إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، "الرباعية"، التي رعت الوساطة في السودان إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

 وتخشى القوى الغربية من احتمال إقامة قاعدة روسية على البحر الأحمر، وهو الأمر الذي أعرب القادة العسكريون السودانيون عن انفتاحهم عليه. وفي الآونة الأخيرة، يبدو أن إيران ضغطت على السودان ــ دون جدوى حتى الآن ــ للسماح له ببناء قاعدة بحرية دائمة على سواحله.

https://www.theguardian.com/global-development/2024/mar/22/what-caused-the-civil-war-in-sudan-and-how-has-it-become-one-of-the-worlds-worst-humanitarian-crises