د. خالد حمدي
لستم سيئين يا سادة..
لكن الزمان صعب، والظرف عسير، والحاجة شديدة..
أهم ما في الأمر أن تحافظوا على كل أصيل فيكم، حتى وإن اجتمع عليه بعض الغبار..
لأن الغبار تمحوه خرقة مبللة، والأصالة تبقى مهما اشتدت الحوادث…
كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من انزلقت قدماه حتى فعل الكبائر وشرب الخمر، فسبه بعض الصحابة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا تسبوه فإنه يحب الله ورسوله"
أي أنه وإن كان قد ضعف أمام نفسه قليلا فإن وراء نفسه الضعيفة شيئٌ عظيم...حب الله ورسوله.
ونحن يراد بنا أن نفقد الأمل في الناس ثم في أنفسنا، ثم نعتقد أن الدنيا كلها سيئة فنسيء…
نحن هم نحن...الذين كنا نحب الخير، ونصل بعضنا في السر والعلن، ولا نتحمل أذى بحجم القذى في بعضنا...
نحن هم نحن...الذين كنا نتقاسم اللقمة والهم والألم....
نحن هم نحن الذين كنا نعشق المعروف، ونكره المنكر، ونشفق على أهله...
ولا زال أصل الخير فينا....لكن اعترانا بعض التغير لقساوة الحياة، وتتابع الابتلاءات، وقلة المُعين.
فلا يحملنكم شر طارئ على افتقاد الأمل في خير أصيل.
لا تعجبني كلمات اليأس من الناس، وإظهار أن الخير قد مات، وأن القبح في الناس هو المستشري..
فالصدر إن أزحت ما هو جاثم عليه عاد إليه نفَسُه الهادئ.
والعين إن عولج رمدها عادت مبصرة.
كذلك النفوس...عندما يزول همها تُخرِج خيرها، وتعود لوصلها.
رأيت رجلا مدمن خمر مع ما يستتبع الخمر من بعض الخبائث...فقلت له:
يبدو أنك تريد أن تحرم نفسك خمر الرب بإدمان الشرب!!
فقال: كيف؟
قلت: ألم تقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة"
فانطلق الرجل في البكاء كالطفل، وكأنه ليس ذلك السكير العربيد منذ قليل!!
وقال أعني على ذلك، وأنا أعاهدك ألا أعود.
يا إخواني وأخواتي...الخير يملؤكم، والنور يغمركم...لكنه لما طفا بعض الشر على سطح قلوبكم، بفعل قسوة الحياة ظننتم قلوبكم مظلمة!!
كفاكم قسوة على أنفسكم...أنتم على خير، وأمة خير، ولن يصنع الله بكم إلا الخير.
لكنها اختبارات أراد الله منها أن تعرفوا الفرق بين نفوسكم عندما تكون بالخير مشرقة، أو عنه منصرفة.
وحتى تمضي هذه الحقبة بآلامها وأوجاعها...حافظوا على كل أصيل ونبيل فيكم ما استطعتم...
فالذهب الأصيل يبقى أصيلا ولو وضعوه في سبعمائة درجة حرارة مئوية.
وأنتم أحبتي كالذهب، وإلا ما تأذيتم لِمَا غَيَّركم من حوادث الزمن.