د. خالد حمدي

في إحدى السنوات، وفي الأيام الأول من ذي الحجة، حين وصلنا مكة للحج، كان يجاورني في الغرفة رجل طيب تعرفت عليه في الحافلة أثناء الطريق.

غير أننا ما إن وضعنا أمتعتنا حتى اختفى عن ناظري، ولم أعد أراه في ليل أو نهار..

حتى قابلته قدرا في الحرم، وقد اختلى بنفسه على سجادته في مكان منزوٍ عن الناس، يقضي ليله ونهاره بين صلاة وتلاوة ودعاء وبكاء..

تعانقنا وكأنا غريبان... ثم قلت له:

أين أنت يا أبا فلان؟

كل من في سكن الحجيج يسأل عنك ويبحث عنك..

فأجابني: أنا هنا حيث رأيتني، أعكف على مصحفي وسجادتي مرتويا من زمزم إن عطشت، ومستمتعا برؤية الكعبة إن مللت..

أهيئ قلبي للحج، آملا أن أعود كيوم ولدتني أمي، فما قبل الحج لا يقل أهمية عن الحج نفسه.

تركته آسفا على نفسي، وقد جمعتنا المناسك وفرقتنا المنازل... فشتان بين بين حاله وحالي…

لا أدري لمَ تذكرت هذا الموقف ونحن على مشارف موسم رباني جليل..

وقد رأيت بعض أهلي وإخواني وقد بدءوا ختمة شعبانية، وشرعوا في الصيام من أول يوم فيه… ولسان حالهم كلسان حال صاحبي الذي كنت معه في الحج:

نهيئ قلوبنا لرمضان، فما قبل رمضان لا يقل أهمية عن رمضان!!

وكأن العبادات الكبرى لا بد لها من تهيئة قبلها حتى تعطيك أسرارها، وتمتعك بنفسها، وتخرج منها أروع وأنقى مما دخلتها..

لذلك كانت السُنَّة القبلية لكل صلاة، ومواقيت الحج والعمرة المكانية، وكذلك كان شعبان لرمضان...

ميقات اغتسال واستعداد وتلبية!!

من أحرم منه أحسن الصيام والقيام، ومن تجاوزه قافزا إلى رمضان، عانى قلبه حتى يستمتع ويلتذ.

كان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال:

هذا شهر القراء..

وإذا كان شعبانهم شهر القراء، فكيف برمضانهم؟!

أيها المنتظرون لرمضان..

رمضان بدأ منذ الآن لو كنتم تعلمون، وبعض أصحابكم سبق إليه، فإن عجزتم عن اللحاق بهم، فلا تعجزوا عن اللحاق به..

إخواني..

ابدءوا ختمتكم، وتابعوا صيامكم وقيامكم من شعبان..

فالقلوب لا بد لها من مرانٍ على الطاعة كالأبدان..

والجسم المتيبس لا يصلح للسباق.. كذلك القلب.