خالد حمدي

"فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون"
أصحاب موسى...كل أصحاب موسى..
مؤمن آل فرعون
يوشع بن نون
علماء وصلحاء بني إسرائيل..
ولتتمة الامتحان وصل فرعون وجنوده إلى حيث موسى ومن معه!!
الخيل تحمحم، وغبار المتجبرين يملأ الفضاء، ونساء وأطفال المؤمنين يصيحون رعبا وهلعا، ومؤمن آل فرعون يقتحم البحر ويراجع موسى في آدب: أههنا أمرك الله أن تسير بنا؟!
فيجيبه بنعم، فيصرخ قائلا كأنما يراجع إيمانه: صدق الله وكذبت!!
كلهم يقولون بلسان الحال والمقال:
قضي الأمر... هلكنا... خاب المسلك... "إنا لمدركون"
ووسط رعب الوجوه وهلعها تبزغ بسمة موسى..
ومن بين زلزلة المؤمنين كل المؤمنين يسطع يقين موسى:
"كلا إن معي ربي سيهدين"
كل المؤمنين تقريبا دب اليأس من النجاة في قلوبهم...
وآوى الأمل  واليقين إلى قلب موسى عليه السلام كأن لم يجد غيره من فرط ما أصاب القوم...
فلم يكن هنالك من فرط هول اقتراب المجرمين واثق بيقين غيره!!
وكأن الفرج كان ينتظر هذا اليقين المتبقي..
وكأن الله عز وجل أوقف نجاة المؤمنين على آخر ذرات اليقين التي في قلوبهم...
فلما رآه الله عز وجل يشع من قلب موسى، وينطق به لسانه:
"كلا إن معي ربي سيهدين"
جاء الفرج، وأقبلت النجاة لهؤلاء والهلاك لأولئك..
"فأوحينا إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فانفلق...."
وكأن الرب العظيم يستخرج بعظم الكرب عصارة الثقة في نصره...
حتى إذا ما انتهى الأمر إلى أنقى قطرات هذه العصارة وأصدقها جاء فرجه!!
وكأني الآن بالقوم هلعين خائفين على شاطئ البحر...
وفرعون مصر يضحك من على ظهر فرسه ضحكة المتمكن...
ولم يبق إلا مسحة اليقين التي تعتلج في صدر موسى، وينطق بها لسانه..
واليقين يدعيه الآن كل قلب..
لكن... أين مثل قلب موسى لينفلق لنا البحر!!
ووالله إنه لمنفلق لأتباع موسى كما انفلق لموسى…
ووالله إن فرعون لغارق كما غرق أسلافه من الفراعين..
لكن سنة الاختبار لا بد منها في كل صراع بين فرعون وموسى إلى يوم القيامة.