د. جميلة خليف

قد تُعاني من وجود [ثقيل] لبعضهم في مساحاتك!
المُشكلة تكمن في أنّ هذا الوجود ليس من السّهل تجاوزه، ولم يصل إلى الحدّ الذي يجعل قرار [التّرك] والإعراض قراراً مُنصفاً! 
قد تُعاني وتحاول جاهداً [التّخفيف] من ثقل هذا الوجود، لكنّ وطأة ثقله تزداد إتعاباً مع الأيام، وتجدك أقلّ قدرة على التحمّل أو الاستمرار في الإحسان! 
نحن بشر..
وقد نعاني من هذا كلّه،
ونضع رقابة الله حارساً لهواجس النّفوس وتقلّبات المزاج،
ثمّ نتساءل: كيف يمكننا الاحتفاظ بتوازن داخلنا؟
وكيف لنا أن نخفف من وطأة التّعب حتى لا يخرج منّا أسوأ ما فينا؟ وحتى لا يتمكّن منا الشيطان في لحظة  ضعف!!

تقف حائراً،
تقرأ هنا وهناك،
في مدارس العلاقات وفلسفات النفوس..
تتقلّب على فراش القلق،
تُخفي زفراتك حيناً وتطلقها أحياناً،
ثمّ يأتيك #القرآن بإجابة شافية..
توقفك على حقيقة الأمر،
وتخبرك بالطريق..
تدلّك على السبب، وتقدّم لك وصفة السّلامة، وتطبطب على داخلك ببلسمها العذب..

{..بعضكم لبعض فتنة}
هذا هو التوصيف، 
وتلك هي الإجابة..
بعض النّاس وجودكم [فتنة]..
اختبار لقلبك، وتمحيص لوعيك، ومحك لإيمانك..
[فتنة]..
ليس بالضرورة أن تكون شراً أو إيذاء..
وليس بالضّرورة أن تكون في أمر من أمور الدّين،
قد تكون في عالم خفي حسّاس،
في عالم الشّعور مثلا،
أو في عالم الأفكار..
قد تكون في حالة من عدم الفهم،
أو حالة من عدم الاكتفاء!
وكلها [فتنة]..
تختبر استفهاماً مهماً..
{..أتصبرون}

نعم..
إنه الوسيلة والطريق،
وكلمة السرّ في الاختبار،
وطوق النّجاة من تلاطم أمواج الشعور بالتّعب والألم..
{أتصبرون}
إن غاية هذه الفتنة امتحان [صبرك]..
لأن اختبار الصبر ليس بالضرورة أن يكون في ابتلاء بفقد،
بل قد يكون في ابتلاء بـ[وجود]!
وتلك خفية من خفايا الحوادث من حولنا قد لا يلتقط إشارتها إلا قلب أراد به خالقه الخير، وامتنّ عليه بقبسٍ من نور يضيء عتمات تعبه، ليتمكنّ من رؤية الأشياء بمنظار جديد..
{أتصبرون}..
وشيء من الصّبر أن لا يوقفك الابتلاء عمّا خُلقت له، وأن لا يُعطّلك عن المسير في طريقك إلى الله، وأن تتجلّد بالثبات لمقاومة حديث نفسك بالوهن والتعب..
شيء من الصبر أن لا تتجاوز حق الله،
وأن يبقى رضاه هو معيار خياراتك،
فإذا ما حاولت النفس نشوزاً أو إعراضاً،
أرجعتها إلى الجادة، 
لأنّ الخسران العظيم أن تخسر وصلك بمولاك لأجل لحظة انتقام تكسب بها حظاً لنفسك!!
{..أتصبرون}
وكلّ خياراتك هي إجابتك،
وكلّ خياراتك ينبغي أن تهتدي بفاصلة قرآنية دقيقة..
{..وكان ربك بصيراً}
نعم..
بصيراً..
لتوقن أنه يعلم،
ولتتقي أنه يعلم،
ولتتقوّى لأنه يعلم،
ولتكمل المسير لأنه يعلم..
فـ[صبركَ] له، يقوّيه [بصره] بك..
ثم..
ليكن بعد ذلك ما يكون
وكلّ ما دون رضا الله دون،
وكلّ ما احتمل لأجل رضاه يهون..