«إن الجد السعيد كان مقتنعًا بأن الغزو الروسي لأوكرانيا سينتهي بنصر محقق لموسكو، إذا تبين أنه على حق، فليبارك الله الجميع. لكن ما الذي ينبغي أن تفعله الدولة إذا اتضح أن هذا الجد أحمق تمامًا؟».. تصريحات «يفجيني بريجوجين» قائد قوات «فاجنر» لجريدة تايمز الأمريكية في 11 مايو الماضي.

هذه التصريحات كانت تشي بوقوع أزمة بين قائد القوات المرتزقة والجيش الروسي، آجلا أم عاجلاً، لكن تحت صوت طلقات الرصاص والمدافع والمعارك الدموية كانت الإشارة أقل حضورًا واستماعًا وسط ضجيج القتل والدمار في أوكرانيا.

 

كيف حصلت فاجنر على اسمها؟

بحسب ما يتردد من معلومات أخذت هذه المجموعة اسمها من الاسم الحركي لزعيمها ديمتري أوتكين، وهو ضابط عسكري متقاعد يقال إنه اختار اسم فاجنر لتكريم الملحن المفضل لدى الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر. ورغم إنكار الكرملين أي علاقات مع فاغنر، فهناك صور تجمع بوتين بجانب أوتكين.

 

أين مركز فاجنر؟

هذه المجموعة غير مسجلة ككيان قانوني في أي مكان بالعالم. فالمرتزقة غير قانونيين بموجب القانون الروسي. ويقول المراقبون إن وجودهم الغامض يسمح لموسكو بالتقليل من شأن خسائرها في ساحة المعركة والنأي بنفسها عن الفظائع التي ارتكبها مقاتلو فاجنر.

وحسب سورشا ماكليود، رئيس فريق الأمم المتحدة العامل المعني باستخدام المرتزقة، الذي فحص المجموعة فإن "تعمل في حالة من التعتيم، وهناك افتقار حقيقي للشفافية وهذا هو بيت القصيد". وذكرت أن هيكلهم يسمح لهم بالحصول على إنكار معقول وخلق "مسافة بين الدولة الروسية وهذه الجماعة".

 

التمرد المسلح

اشتهرت مجموعة فاجنر التي شنت تمردًا مسلحًا ضد السلطة الروسية بعد اتهامها القوات الروسية باستهدافها، بأدوارها التي لعبتها منذ تأسيسها في مناطق الأزمات في إفريقيا والشرق الأوسط.

وتأسست مجموعة فاجنر كشركة أمن عام 2014 لدعم الانفصاليين الموالين لروسيا في إقليم دونباس، حيث أسسها رجل الأعمال يفجيني بريجوجين الشهير بلقب "الشيف" بسبب توريد شركته الطعام لقصر الكرملين، برفقة الضابط السابق في المخابرات الروسية ديمتري أوتكين.

وصباح السبت، أعلن مؤسس مجموعة فاجنر يفجيني بريجوجين، دخول قواته مدينة "روستوف نا دون" الحدودية مع أوكرانيا، قبل التوجه إلى مدينة فورونيج.

ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب متلفز دخول فاجنر إلى مدينة "روستوف نادون" ومحاصرة مقر عمليات المنطقة الجنوبية بـ"التمرد المسلح".

ويتكون معظم عناصر المجموعة من محكومين سابقين، وشاركت في إرسال مقاتلين إلى مناطق صراع مختلفة في الشرق الأوسط وإفريقيا، بما فيها الحرب في سوريا، وأوكرانيا.

وتقدر المخابرات البريطانية عدد قوات فاجنر النشطة في أوكرانيا بنحو 50 ألف جندي، ما يشكل ربع عدد القوات الروسية الإجمالية.

 

كيف تعرف العالم على فاجنر؟

مجموعة فاجنر التي لعبت دورا مهما في السيطرة على بعض المناطق في أوكرانيا، تُتهم أيضا بارتكاب "جرائم حرب" و"انتهاكات حقوق الإنسان".

كما شاركت فاجنر من الناحية الفنية في أنشطة الشركات العسكرية الخاصة بشكل يخالف القوانين الروسية.

وصنفت الولايات المتحدة مجموعة فاغنر على أنها "منظمة إجرامية دولية".

ومنذ تأسيسها عام 2014 كمجموعة سرية تنشط في إفريقيا والشرق الأوسط تضم حينها قرابة 5 آلاف مقاتل وحتى اليوم، حققت فاجنر نموًا بشكل كبير.

وعرفت فاجنر عن نفسها للعالم لأول مرة خلال ضم روسيا لإقليم شبه جزيرة القرم الأوكراني بشكل غير قانوني عام 2014، وفقًا لـ"الأناضول".

وعقب مرور شهر وعدة أيام على بدء التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا العام الماضي، تمركز مرتزقة فاجنر في أراضي أوكرانية بتاريخ 28 مارس 2022.

وبحسب مجلس الأمن القومي الأمريكي، فإن حوالي 80 في المئة من مقاتلي فاجنر في أوكرانيا هم محكومين سابقين، وأن لهذه المجموعة دور كبير في سيطرة روسيا على مدينة باخموت شرقي أوكرانيا.

وكان منسق الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، أعلن سابقًا شراء مجموعة فاجنر أسلحة من كوريا الشمالية من أجل استخدامها في أوكرانيا.

 

من إفريقيا إلى الشرق الأوسط

بينما دعمت روسيا التمرد الانفصالي في دونباس (قلب أوكرانيا الصناعي الشرقي) أنكرت روسيا إرسال أسلحتها وقواتها هناك رغم وجود أدلة على عكس ذلك. وسمح إشراك متعاقدين من القطاع الخاص بالقتال لحساب موسكو على الحفاظ على درجة من الإنكار.

تشير التقارير إلى أن مجموعة فاجنر تنتشر في كل من مالي ومدغشقر وموزمبيق والسودان وبوركينا فاسو وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى.

وفقًا لتقارير صادرة عن مركز مكافحة الإرهاب في أكاديمية ويست بوينت العسكرية الأمريكية، شاركت مجموعة فاجنر في صراعات إقليمية بجانب أوكرانيا وقامت بأنشطة في العديد من الدول الإفريقية والشرق الأوسط حيث يمتد النفوذ الروسي.

إضافة إلى ذلك، قامت مجموعة فاجنر بإرسال مقاتليها إلى سوريا في عام 2015 لدعم نظام الأسد في الحرب هناك.

وفي ليبيا، قاتلوا إلى جانب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وتعمل هذه المجموعة أيضًا في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، لحماية مناجم الألماس، فضلا عن تأمينها الحماية لمناجم الذهب في السودان، في حين تستعين حكومة مالي بمجموعة فاجنر لمواجهة المجموعات المسلحة بالبلاد، وفقًا لـ"الجزيرة".

وقد استغل بريجوجين انتشار فاجنر في سوريا والدول الأفريقية لتأمين عقود تعدين مربحة. ففي يناير الماضي قالت وكيلة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند إن هذه الشركة تستخدم وصولها إلى الذهب وموارد أخرى بأفريقيا لتمويل العمليات في أوكرانيا.

وقالت بعض وسائل الإعلام الروسية إن فاجنر متورطة في مقتل 3 صحفيين روس بجمهورية إفريقيا الوسطى عام 2018 كانوا يحققون بأنشطة المجموعة.

وتدعي الخبيرة في "مجموعة فاجنر" بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "مركزها الولايات المتحدة"، كاترينا دوكسي، أن مجموعة فاغنر تعمل على تمويل نفسها من موارد الدول الضعيفة التي لا تستطيع مقاومة العقوبات المالية مثل العقوبات الأمريكية.

وتضيف أن فاجنر تعمل أيضًا في تعدين الذهب والتهريب للحد من تأثير العقوبات الغربية.

 

جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان

من جانب آخر، هناك ادعاءات ارتكاب مرتزقة فاغنر جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان في الدول التي تنتشر فيها.

في شهر يناير، قال ضابط سابق منشق عن وحدة "المقاتلين المأجورين" بعدما تقدم بطلب لجوء في النروج، إنه شاهد على ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا.

وكانت النيابة العامة الأوكرانية قالت إن 3 جماعات مقاتلة في صفوف فاجنر قامت مع الجيش الروسي بتعذيب مدنيين أوكرانيين في أبريل 2022.

كما أشارت الاستخبارات الألمانية إلى احتمال قيام مرتزقة فاجنر بقتل مدنيين في مدينة بوتشا في مارس 2022.

ووفقا لبيان أعلنته البنتاجون في 2020، فإنه تم العثور على أدلة تؤكد قيام فاغنر بانتهاك حظر الأسلحة الصادر عن الأمم المتحدة وزرعها ألغامًا وعبوات ناسفة في مدينة طرابلس اللبنانية ومحيطها بشكل يتجاهل سلامة المدنيين.

وعام 2021، اتهم الاتحاد الأوروبي فاغنر بارتكاب "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفيًا والقتل" وتنفيذ "أنشطة مزعزعة للاستقرار" بجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وسوريا وأوكرانيا، وفقًا لـ"الجزيرة".

وأظهر مقطع فيديو على الإنترنت عام 2017 مجموعة من المسلحين -يقال إنهم متعاقدون مع فاجنر- يقومون بتعذيب سوري وضربه حتى الموت بمطرقة ثقيلة قبل تشويه جسده وحرقه. وتجاهلت السلطات الروسية طلبات الإعلام والنشطاء الحقوقيين بالتحقيق في هذه الفاجعة.

وعام 2022، أظهر مقطع فيديو آخر مقاولا سابقا لشركة فاجنر تعرض للضرب حتى الموت بمطرقة ثقيلة بعد أن زعم أنه فر إلى الجانب الأوكراني وتمت إعادته إلى وطنه. ورغم الغضب العام والمطالبات بإجراء تحقيق، غض الكرملين الطرف.

 

التوتر بين زعيم فاجنر وقادة روس

مؤسس فاجنر اتهم مرارا وتكرارا في الشهور الأخيرة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو وقائد الجيش الروسي في أوكرانيا فاليري جيراسيموف بـ"الفشل"، كما اتهمهم بتزويد قوات فاجنر المقاتلة في أوكرانيا بأسلحة غير كافية بشكل مقصود.

وكانت وزارة الدفاع الروسية طالبت "التشكيلات التطوعية" في أوكرانيا بالتوقيع اتفاقيات معها بحلول نهاية يونيو الجاري، دون تحديد اسم تلك التشكيلات.

واعتبرت مجموعة فاجنر هذه الحركة بأنها محاولة للحكومة لبسط مزيد من السيطرة عليها.

والجمعة، اتهم بريجوجين الجيش الروسي باستهداف قواته، مهددًا إياه بالرد، قبل أن يطلق تمرده المسلح.

وفتحت هيئة الأمن الفيدرالي دعوة ضد فاجنر بتهمة "التمرد المسلح"، بينما نفت وزارة الدفاع الروسية أنباء شن فاجنر هجمات على معسكراتها.