قضى نحو 50 رضيعاً وطفلاً من حديثي الولادة في أكبر دار لرعاية الأيتام في السودان خلال الأيام الأخيرة في ظل نقص الدعم والمساعدات وغياب العدد الكافي من الموظفين لرعايتهم، وفق تقرير خاص لوكالة الأنباء العالمية رويترز نُشر الاثنين 29 مايو 2023.

اندلع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية (الجنجويد) في 15 أبريل 2023، وتضررت العديد من المنشآت والمباني السكنية بالهجمات المتبادلة بين الطرفين، ما اضطر الكثير من المواطنين إلى عدم المخاطرة بمغادرة منازلهم.

لكن هذه الظروف الاستثنائية لم تُثنِ الدكتورة عبير عبد الله عن الذهاب إلى دار أيتام "المايقوما" الحكومية في الخرطوم، والتنقل بين الغرف لرعاية مئات الأطفال الرضع والحديثي الولادة بعدما أبعد القتال غالبية موظفي الدار عن القيام بعملهم.

 

صرخات مدوّية ثم موجات موت

بحسب د. عبير، كانت صرخات الأطفال تدوي في أنحاء المبنى المترامي الأطراف في البداية بينما كانت نيران كثيفة تضرب المناطق المحيطة، ثم جاءت "موجات الموت". أكدت الطبيبة السودانية أن الرضّع في الطوابق العليا وبسبب عدم وجود عدد كافٍ من الموظفين لرعايتهم، أصيبوا بسوء تغذية حاد وجفاف، في حين أن عيادتها بالطابق الأرضي كانت تستضيف عدداً من الأطفال حديثي الولادة الضعاف صحيّاً والذين توفي بعضهم بعد إصابته بحمى شديدة.

وعقّبت على ذلك بقولها: "كانوا بحاجة إلى رضعة كل ثلاث ساعات. لم يكن هناك أحد لإطعامهم… حاولنا تغذيتهم عن طريق الوريد ولكن في معظم الأوقات لم نتمكن من إنقاذهم".

واظبت 20 مربيّة تقريباً على المداومة، ليكون المعدل مربية واحدة لكل 20 طفلاً بينما النسبة الطبيعية هي مربية لكل خمسة أطفال.

وفق د. عبير، التي تشغل منصب المديرة الطبيّة للدار، فإن عدد الوفيات اليومية للأطفال تدرّج ارتفاعاً إلى اثنين وثلاثة وأربعة فأكثر لتُصبح الحصيلة الإجمالية للأطفال الذين توفوا في الدار منذ اندلاع الصراع قبل ستة أسابيع 50 طفلاً على الأقل (20 منهم رُضّعاً). قالت إن هذا العدد يشمل 13 طفلاً على الأقل ماتوا يوم الجمعة 26 مايو وحده.

أكد مسؤول كبير في دار الأيتام هذه الأرقام لرويترز، وقال جراح تطوّع في الدار خلال الحرب إن هناك عشرات الأيتام قضوا. أوضح كلاهما أن غالبية الوفيات وقعت في صفوف الرضع والحديثي الولادة. وحدد الثلاثة سوء التغذية والجفاف والإنتان (تعفّن الدم) كأسباب رئيسية لوفيّات الأطفال الأيتام.

 

مشاهد مروعة ومؤلمة

وصفت د. عبير مشاهد الأطفال وهم موتى في أسرّتهم بأنها كانت "مروّعة ومؤلمة جداً". وتحدث ثمانية أشخاص آخرين زاروا دار الأيتام منذ بدء الصراع أو كانوا على اتصال بزوار آخرين إلى رويترز لافتين إلى تدهور تام في كل الظروف المذكورة - التغذية والرعاية إلخ - بشكل سيئ وارتفاع عدد الوفيات.

من هؤلاء صدّيق الفريني، مدير عام وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم، وهي الجهة الحكومية المسؤولة عن الإشراف على دور الرعاية، بما في ذلك الميزانية والتوظيف والإمدادات. اعترف الفريني بارتفاع عدد وفيات الأطفال في "المايقوما"، وعزا ذلك بشكل رئيسي إلى نقص الموظفين وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر بسبب القتال.

بدون تشغيل مراوح السقف وتكييف الهواء، تُصبح الغرف شديدة الحرارة في ظل حر شهر مايو بالخرطوم، كما يجعل انقطاع الكهرباء المتكرر تعقيم المعدات أمراً صعباً.