بعد أيام قليلة من إشراف حكومة الانقلاب على افتتاح مقابر "ليشع ومنشه" اليهودية في القاهرة بعد ترميمها، شرعت في إزالة قبور تراثية بينها مقبرة الإمام، وصاحب الرواية الشهيرة في قراءة القرآن، عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان، الملقب بـ"ورش"، بمصر، لإقامة طريق جديد.

 

في المقابل أعلنت محافظة القاهرة عن نيتها إزالة نحو 2700 مقبرة بالمنطقة، ونقل الرفات إلى مدن 15 مايو والعاشر من رمضان، ضمن مشروع شامل للمنطقة التي تشمل خط "القلعة، السيدة نفيسة، السيدة عائشة" وما بها من مقابر وهو ما يفزع أهالي الموتى المدفونين هناك، ويثير اعتراضات مهتمين بالتراث.

وسيتسبب هدم الحكومة بالإضافة لهدم المقابر التاريخية؛ لإنشاء كوبري علوي يربط وسط القاهرة بالعاصمة الإدارية الجديدة، في تهجير الآلاف من الأسر المصرية.

امرأة تقف في منطقة مقابر تعرضت للهدم عام 2020

ورغم مناشادات المفكرين وعلماء الآثار لإثناء الحكومة عن خطتها ووضع بدائل أخرى إلا أن  الحكومة الانقلابية ماضية في خطتها نحو إزالة التاريخ الإسلامي والحديث، دون أن تلتفت لكثير من الاستغاثات والشكاوى التي قام بها أهالي المتوفين، سواء أكانوا أقارب لأشخاص عاديين أم ورثة عدد من المثقفين وأعلام مصر التاريخيين الذين ناشدوا الحكومة بعدم الاقتراب من مقابر ذويهم أو من المقابر التاريخية.

افتتاح مقابر "ليشع ومنشه" اليهودية

وفي الوقت الذي يحارب فيه المثقفون وعلماء الآثار والمفكرين في وقف الإزالات التي تدمر المقابر التراثية والإسلامية في القاهرة، افتتحت السفارة الأمريكية في القاهرة، بالشراكة مع مركز الأبحاث الأمريكي في مصر (ARCE) وممثلين عن منظمات يهودية أمريكية ومصرية، مقابر "ليشع ومنشه"، التي تم ترميمهم حديثا في القاهرة.

وقال ديفيد عوفاديا، رئيس "يهود أمريكا القرائين": "هذا اليوم سيبقى في الذاكرة. أتيت هنا بنظرة جديدة. وهو أمر لا يصدق ورائع أن نتمكن من الحفاظ عل هذا المكان أو الحوش. كان هذا مهما؛ لأنه لو لم يتم ذلك، فسيكون المكان بلا تاريخ ولا وجود".

جهلة ولصوص

ويرى خالد رفعت صالح، وهو أستاذ في جامعة قناة السويس ومدير مركز طيبة للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن هدم المقابر الأثرية ليس له دلالاة سوى أن من يفعل ذلك لن يكون سوى جاهل ولص وفاسد، مضيفا أن مقابر الأمام  الشافعي تعدت الـ 1265 عاما.

لا يتوفر وصف للصورة.

وقال  في تغريده له " عمرك سمعت عن حد عاقل فى العالم يهد مقبرة اثرية معمولة سنة ١٢٦٥ عشان يعمل طريق ملوش اى ستين لزمة الا العمولات والسمسرة والنهب؟

= المقبرة الروعة دى فى مقابر الامام الشافعي .. المقبرة دي اقدم من امريكا ودول كتير بقرون ...

= ده اللى معندوش تراث بيسرق تراث غيره او بيعتبر اى مبنى عنده عمره ١٠٠ سنة تراث وبيروج له فى كل العالم ..

= عندما يقترن الفساد بالجهل بالعنجهية بالقمع .. تقترب النهاية .. هانت ان شاءالله".

لا يتوفر وصف للصورة.

إزالة قبور تراثية

أعلنت سلطات الانقلاب إزالة قبور تراثية بينها مقبرة الإمام، وصاحب الرواية الشهيرة في قراءة القرآن، عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان، ولقبه ورش، بمصر، مع بدء تنفيذ "المشاريع القومية" التي تنفذها الدولة في منطقة الإمام الشافعي، ويتضمنها إزالة المقبرة وإقامة طريق جديد.

الصورة

وقال باحثون إنه تم وضع علامة على ضريح الإمام صاحب رواية "ورش عن نافع" الشهيرة، في مقابر الإمام الشافعي بالعاصمة القاهرة، مشيرين إلى احتمالية نقل ضريح الإمام الذي يعتبر من نوابغ مصر.

استياء من هدم المقابر التراثية

وأثار قرار إزالة المقابر استياء من قبل النشطاء، وشهد تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي ومطالبة من المواطنين بتدخل العلماء في العالم الإسلامي لوقف التعدي على المقابر التي تعود إلى 1200 عام، وتصدرت أخبار هدم المقبرة مواقع التواصل لا سيما "تويتر"، حيث غرد المستخدمون للمطالبة بوقف هدم المقابر.

مدافن تاريخية

تقول مها سليم، الباحثة في التاريخ، وصاحبة مدفن في "مدينة الموتى" بالقاهرة التاريخية، علمت مؤخرا بنية السلطات المصرية إزالة مدافن الأسرة ونقل الجثامين المدفونة فيها لمكان آخر، في إطار خطة حكومية لاستغلال المنطقة في تطوير شبكة الطرق، وإنشاء محاور تربط العاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة.

الصورة

وتؤكد: "هذه ليست مجرد مقابر، هذا تاريخ. هذا المكان بمثابة البقيع في مصر .. هل ينقل أحد البقيع -مقابر تاريخية في المدينة المنورة بالسعودية- أو مقابر الكومنولث -مقابر ضحايا الحرب العالمية الثانية-؟ لا، بالعكس يهتمون بها لأنها تذكر بما حدث في العصور السابقة".

وتضيف في سياق حديثها عن فرادة المكان: "هناك أناس بسطاء يدفنون موتاهم هنا أيضا منذ عشرات السنين. هذه المنطقة تمثل تلاحم الناس ببعضها على مدار التاريخ".

ويعبر مهتمون بالتراث عن مخاوفهم من أن مقابر أمراء في العصر الملكي السابق، بالإضافة لمدافن وزراء ومسؤولين كبار، وبعض مشاهير الكتاب والشعراء ومقرئي القرآن، معرضة للهدم.

طراز معماري مميز

يمكن للسائر أمام المقابر المراد إزالتها أن يلاحظ القباب التي تعلو كثيرا من المقابر، والزخارف الإسلامية التي نقشت على أسوارها، والعبارات التي كتبها خطاطو العصور السابقة على أبوابها.

جدار مهدوم من المدافن

وتضم المدافن العديد الشواهد الرخامية، المنقوشة بعبارات نعي وعزاء، كتب بعضها بماء الذهب.

هدم مقابر السيدة نفيسة

ومنذ عدة أشهر تصدرت واقعة إزالة مقبرة الروائي يحيى حقي، الرأي العام في مصر، وفي ذلك الحين أكدت ابنته نهى أنه بالفعل تم نقل رفات والدها بسبب دخول المقبرة الموجودة في السيدة نفيسة في أعمال الهدم، موضحة أن والدها كانت وصيته الدفن بجوار آل البيت لأنه كان من مريديهم، بحسب صحف محلية.

أيضاً عميد الأدب العربي طه حسين لم يكن في منأى عن هذه الأزمة، حيث انتشرت على مواقع التواصل صور لمقبرته وعليها علامة "إكس"، الأمر الذي أدى إلى خروج أهله مؤكدين أنه ستتم إزالة المقبرة لإنشاء كوبري، موضحين أنه سيتم نقل رفاته إلى فرنسا حيث عاش طه حسين، قبل أن تتراجع الحكومة تحت هذا التهديد، فيما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً صورة لجسر يمر أعلى مقبرة عميد الأدب العربي.

الصورة

كما أقدمت محافظة القاهرة على هدم وإزالة مقبرة الشاعر حافظ إبراهيم أيضا فيما طالب مثقفون الحكومة بالوقف الفوري لأي قرار يخص هدم مقبرة حافظ إبراهيم أو أي مقبرة من مقابر القاهرة التاريخية تمثل قيمة تراثية أو حضارية أو ثقافية لأي سبب، لافتة إلى أن هناك العديد من الحلول للتعامل مع منطقة القاهرة الإسلامية بالكامل، دون استسهال الهدم لإنشاء طريق.

الصورة

ومنذ إنشاء القاهرة قبل أكثر من ألف عام تمثل جباناتها جزءاً من طابعها الثقافي والمعماري، الذي تطور عبر العصور، لكنه لا يزال نسيجاً متكاملاً تضاف إليه أجزاء جديدة، في حين تبقى القيمة حاضرة باعتبارها جزءاً من كل، وطبقة من طبقات التاريخ الممتد للمدينة.