بقلم | مصري حر

منذ اللحظة الأولى لقيامه بانقلاب 3 يوليو 2013، أظهر توالي الأحداث أن رأس النظام العسكري المصري عبد الفتاح السيسي هو تاجر دم، ويجيد عقد صفقات الموت.

 وما كشفته وثائق البنتاجون، المسربة  مؤخرا،  حول أن السيسي أحد أقرب حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط والمستفيد الرئيسي للمساعدات الأمريكية، أمر مرؤوسيه بإنتاج ما يصل إلى 40 ألف صاروخ،  ليتم شحنها سراً إلى روسيا لاستخدامها في حربها ضد أواكرانيا، ما هو إلا حلقة في سلسلة طويلة من تورط الجنرال المنقلب، في صفقات عسكرية قذرة أضرت بسمعة العسكرية المصرية أشد الضرر.

وقد وثقت هذه التسريبات، المحادثات بين السيسي وكبار المسؤولين العسكريين المصريين، حول تخطيطهم لتزويد روسيا بقذائف المدفعية والبارود، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست " في تقرير لها مؤخرا، كما أمر السيسي المسؤولين المصريين بالحفاظ على سرية إنتاج وشحن الصواريخ "لتجنب المشاكل مع الغرب"، وقد أشارت الصحيفة  إلى أن "تقديم الأسلحة لروسيا في حربها في أوكرانيا سيمثل مناورة قد تنفجر في وجه مصر، التي لا تزال تستثمر بعمق في شراكتها مع الولايات المتحدة، بعد أن قدمت واشنطن على مدى عقود أكثر من مليار دولار سنويًا عبر مساعدات أمنية".

وفي السياق نفسه، كشفت مجلة "فوربس" الأمريكية مؤخرا أيضا، أن الدافع وراء تزويد السيسي لروسيا بهذه الصواريخ ، هو حاجة القاهرة لإمدادات غذائية ثابتة، وهذا  يشبه  صفقة مماثلة  عرضتها روسيا مؤخرًا على كوريا الشمالية. هذه الصفقات من هذا النوع تعرض استقرار مصر للخطر وتزج بها في معركة ليس لها فيها أي مصلحة، كما تدفع الغرب لفرض عقوبات عليها.

وبما أن السيسي حول العسكرية المصرية لمتجر، وجدنا أيضا صحيفة “واشنطن بوست”، نقلا عن الوثائق الأمريكية المسربة، تؤكد  أن مصر أوقفت خطتها لتزويد روسيا بالصواريخ، وقررت بدلا من ذلك بيع قذائف مدفعية من عيار 152 ملم و155 ملم للولايات المتحدة لنقلها إلى أوكرانيا عقب محادثات مع إدارة بايدن ، وممارسة ضغوط شديدة على السيسي ونظامه انتهت باستجابته لكل مطالب الأمريكان، وهذه طبيعة هذا الجنرال الفاشي الذي يغير مواقفه بحسب الضغوط والحاجة لذلك.

ولم ينس المصريون تورط تاجر الدم "السيسي"، في فضيحة دخوله في مفاوضات مع عصابة مخدرات دولية لبيع 30 طائرة مستعملة مملوكة للجيش المصري لهذه العصابة، وذلك بحسب ما كشفه تحقيق استقصائي لاتحاد الصحفيين الدولي العام الماضي، أكد أن السيسي ومجموعة من قيادات الجيش، السابقين والحاليين، دخلوا هذه المفاوضات لمساعدة هذه العصابات عسكريا،  لوجود ملاذ آمن وقواعد جديدة قريبة من مسارات تهريب المخدرات في أفريقيا، باستخدام شركات مسجلة إحداها في دبي بالإمارات.

وقد تعددت على مدار السنوات العشر الماضية، الصفقات العسكرية القذرة للسيسي، حيث استغل نظام السيسي الحرب الدائرة على الأراضي الليبية، وقدم منذ بدء الأزمة  هناك  صفقات أسلحة متعددة لمليشيات حفتر التي تشنّ عمليات عسكرية ضد الحكومة المعترف بها دوليّاً، وتم ضبط عشرات الآليات العسكرية المصنوعة بمصر هناك .

وفي سياق صفقات السيسي العسكرية المشبوهة،  كشفت  صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في  أكتوبر 2017،  أن سفينة كورية شمالية ترفع علم كمبوديا، محملة بقذائف كورية رصدتها الاستخبارات الأمريكية على الشواطئ المصرية قرب قناة السويس، وأن صفقة الأسلحة تلك بلغت  30 ألف قذيفة، اشتراها الجيش المصري من كوريا الشمالية، رغم العقوبات الدولية المفروضة على بيونغ يانغ، فيما طالبت واشنطن القاهرة نهاية آب/  أغسطس 2017، بتوقيف السفينة، وأكدت الصحيفة وقتها أن نقل تلك الأسلحة لمصر كان جزءا من عملية سرية، شارك فيها رجال أعمال مصريون اشتروها من كوريا الشمالية لإخفاء العلاقات التجارية بين الدولتين، وتخبئة الأسلحة داخل حاويات قيل إنها مواد خام لصناعة الحديد والفولاذ.

كما لم ينس المصريون ما كشفته وسائل إعلام فرنسية حول تفاصيل صادمة عن قيام شركات فرنسية متخصصة في الأسلحة والتكنولوجيا بتوفير نظام مراقبة شامل يستخدمه النظام المصري في التجسس على المدنيين، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، بموافقة ماكرون، وسميت العملية ب"سيرلي".

 وقد استخدمت مصر معلومات استخباراتية زوّدتها بها فرنسا مخصصة لمكافحة الإرهاب، في قصف المهربين على الحدود مع ليبيا؛ مما أدى إلى سقوط مدنيين  أبرياء كُثر  أثناء هذه العلمليات، إضافة إلى انتهاكات خطيرة شهدتها العملية العسكرية السرية التي تنفذها فرنسا في مصر.

الوقائع السابقة وغيرها تكشف كيف أن السيسي عمل كسمسار حرب على مدار السنوات العشر الماضية، من أجل المال، مخالفا التوجهات العالمية، والحصول على العمولات له ولجنرالاته، ضاربا بمصلحة البلاد عرض الحائط، بل لم يهمه  وضع مصر أمام طائلة العقوبات الغربية بتمرير مثل هذه الصفقات، وما يترتب عليها من إضرار بسمعة دولة بحجم وقيمة مصر وتاريخها.

و في الوقت الذي غرق فيه السيسي وجنرالاته، في توريط العسكرية المصرية في الصفقات القذرة، فشل في حماية الأمن القومي وأراضي مصر، بل فشل في حماية جنوده وأمن بلاده القومي، ومن شواهد هذا الفشل:

  • فشلت العسكرية المصرية بوضوح في حسم موقف مصر تجاه ملف سد النهضة، فرغم تكرار التهديدات بضرب "السد"،  إلا ان ترسانة الأسلحة المصرية لم تحرك ساكنا في هذا الملف، وتأكد للجميع أن التهديدات كانت للاستهلاك المحلي فقط، وبذلك ضاعت حصة مصرالتاريخية في النيل، والتي تعد من أهم ركائز الأمن القومي .
  • التراجع المستمر في ترتيب الجيش المصري في التصنيف العالمي، رغم صفقات السلاح المستمرة والتي كلفت الميزانية المصرية مليارات الدولارات ورتبت عليها ديونا غير مسبوقة، فبحسب الترتيب الصادر عن موقع "جلوبال فاير باور" فإن مصر تراجعت إلى المرتبة الثانية بمنطقة الشرق الأوسط في التصنيف السنوي الدوري لأقوى جيوش العالم لعام 2023، لتصبح في المرتبة 14 من 145 عالميا، في حين أصبحت تركيا في المركز الـحادي عشر عالميًا، والأول لأقوى جيوش الشرق الأوسط ، وكانت مصر تصدرت في 2022 ترتيب أقوى الجيوش في منطقة الشرق الأوسط، والثانية عشرة على مستوى العالم، في حين كانت تركيا في المركز الثاني في المنطقة والـ13 عالمياً.
  • لم تستطع العسكرية المصرية حماية الحدود المصرية، فالطيران الصهيوني يصول ويجول في سيناء على مدى السنوات العشر الماضية تحت مظلة محاربة الإرهاب والاتفاق الأمني بين السيسي ودولة الاحتلال .
  • لم تنجح العسكرية المصرية في حسم الصراع مع الجماعات الإرهابية على أرض  سيناء، رغم إعلان السيسي انتهاء الحرب هناك أكثر من مرة، إلا أن تنظيم "داعش" مازال يواصل نشاطه الإرهابي، التي تظهر آثاره في عمليات إرهابية تزهق فيها كثير من أرواح الأبرياء المدنيين .
  • فشلت العسكرية المصرية في التصدي لفصل تيران وصنافير عن مصر، وتمت صفقة العار بين السيسي وبن سلمان، تحت سمع وبصر كل قادة الجيش المصري.
  • جنود مصر أصبحوا مطمعا لكل من هب ودب، فبعد ما كان للعسكرية المصرية الصوت المسموع لدى العسكر بالسودان، تناقلت وسائل الإعلام صورا مخزية لإذلال الجنود والضباط المصريين في السودان بعد انفلات الأوضاع هناك مؤخرا، ولولا الوساطة الإماراتية لدي قوات حميدتي، ما عاد هؤلاء الجنود . 
  • أخفق الجيش بشكل كبير في حل الأزمة الاقتصادية لمصر، رغم سيطرته على أكثر من 60% من كعكة الاقتصاد المصري، بحسب تقييم المؤسسات الدولية، ولم ينتج عن توحش اقتصاديات الجيش أي تحسن في مستوى الخدمات الاقتصادية التي يقدمها للشعب، بالرغم من حصوله على محفزات وامتيازات وإعفاءات ضريبية غير مسبوقة.
  • تورط الجيش المصري لأول مرة في تاريخه الحديث في قتل الأبرياء من أبناء الشعب المدنيين، ولعل ما حدث في فض "رابعة" و"النهضة"، وميادين مصر المختلفة التي شهدت تظاهرات رفض الإنقلاب وحملات الانتقام والعقاب الجماعي والقتل خارج إطار القانون  بسيناء،  خير دليل على ذلك .

إنها إخفاقات نالت من سمعة  العسكرية المصرية، ونكبة وطنية أضرت بعلاقة الشعب بجيشه، وفساد طال أكبر مؤسسات الدولة، بسبب سياسات فاشية استبدادية فاشلة، لا تصب إلا في مصلحة أعداء مصر من الصهاينة، وأتباعهم من حكام العرب المتصهينين، فوجب على المخلصين في هذه المؤسسة الوطنية تصحيح المسار، وإعادة الأمور إلى نصابها.