ممدوح الولي:

 

في عام 2016 عندما قررت السلطات المصرية إلغاء العمل بالتوقيت الصيفي بعد عودته 2014 مع أزمة نقص الكهرباء، قالت السلطات إن التوقيت الصيفي لا يوفر كثيرا من الكهرباء ولهذا قررت إلغاءه، وهو نفس المبرر الذي ذكره الدكتور حسن يونس وزير الكهرباء المخضرم الذي ظل بمنصبه أكثر من عشر سنوات، حينما قررت حكومة الدكتور عصام شرف إلغاء التوقيت الصيفي عام 2011، إذ قال إنه غير مؤثر في توفير الكهرباء.

وخلال السنوات الأخيرة تعاني مصر من وجود فائض ضخم في إنتاج الكهرباء عجزت عن تسويقه محليا أو خارجيا، حيث تراجع الاستهلاك المحلي بسبب استمرار ارتفاع أسعار الكهرباء واستمرار الركود، كما اقتصر تصدير الكهرباء على كميات محدودة إلى كل من ليبيا والأردن والسودان.

ورغم ما سبق فقد أعلنت الحكومة المصرية الشهر الماضي عزمها العودة إلى نظام التوقيت الصيفي، من الجمعة الأخيرة من الشهر الحالي حتى أواخر أكتوبر/ تشرين الأول؛ مما دفع أنصار النظام إلى التساؤل عن مدى جدية مبرر توفير الكهرباء الذي سبق التصريح بأن التوقيت الصيفي لا يحققه، خاصة أن الفائض بالكهرباء قد زادت كميته حاليا عما كان عليه عام 2016، حتى اضطر الكثير من شركات إنتاج الكهرباء إلى تشغيل عدد من المحطات بالتناوب وذلك بتشغيل بعضها وتعطيل آخر، كما زادت اشتراطات الحكومة لإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة بسبب الفائض.

 

      اضطراب الساعة البيولوجية وزيادة الحوادث

وعندما ذكرت الحكومة أن التوقيت الصيفي يوفر 25 مليون دولار من استهلاك الغاز الطبيعي الذي يتجه لإنتاج الكهرباء، بدا هذا الرقم ضئيلا مقارنة بقيمة صادرات الغاز الطبيعي التي بلغت العام الماضي 10 مليارات دولار، كما رد وكيل مجلس النواب محمد أبو العينين بأن القيمة التي تم ذكرها للوفر الذي سيحققه التوقيت الصيفي، قد تم تحديدها عندما كانت أسعار الغاز العالمية مرتفعة، وقد انخفضت الأسعار العالمية للغاز حاليا بشكل كبير؛ مما يعني انخفاض القيمة المذكورة.

وقال إن تطبيق التوقيت الصيفي له مضاره سواء فيما يتعلق بالتأثير السلبي في الساعة البيولوجية للأفراد، أو في زيادة حوادث الطرق التي أثبتتها الإحصاءات، وأشار إلى أنه كان يتمنى أن يتم عمل دراسة علمية من قبل المتخصصين بالنواحي الطبية والعملية، حتى يتم بموجبها أخذ قرار العودة إلى التوقيت الصيفي.

ولولا أن الرجل يملك قناة فضائية عرضت رأيه ما عرف أحد ما قاله بمجلس النواب، الذي ذكر فيه عضو آخر أن التوقيت الصيفي له أضرار صحية خاصة فيما يتعلق بأمراض القلب، لكن المعتاد من المجلس منذ سنوات إقرار كل ما يأتي من قبل الحكومة من قوانين.

ويردد آخرون ما قاله مسؤولون حكوميون على لسان مسؤولين بالكهرباء لم يخرج منهم أحد إلى الجمهور لقول ذلك، وهو أن التوقيت الصيفي يوفر 147 مليون جنيه من استهلاك الكهرباء في السنة، وحتى لو كان هذا الرأي صحيحا فإن مقارنته بقيمة إيرادات الشركة القابضة للكهرباء في العام المالي 2020/ 2021 البالغة 164.4 مليار جنيه، يعني ضآلة الوفر المتحقق من التوقيت الصيفي، فما بالنا لو تمت مقارنته بالإيرادات الحالية التي زادت عن ذلك ولم تُعلَن بعد.

 

   وفر استهلاك الكهرباء لا يوازي الخسائر

كذلك عند مقارنة ذلك الرقم البالغ 147 مليون جنيه أي ما يوازي أقل من 5 ملايين دولار، بما يتسبب فيه التوقيت الصيفي من سلبيات، من اختلال في النواحي الاقتصادية والاجتماعية، واضطراب لمواعيد الطيران وحوادث مرورية، وارتباك أوقات العمل والمواصلات والصلاة، ومن تأثير سلبي في الساعة البيولوجية للأفراد، وازدياد حالات الكآبة حسب أطباء للصحة النفسية، وصعوبات تنظيم العمل عن بعد من خلال الإنترنت بعدة دول للشركات، خاصة أن توقيتات بداية ونهاية التوقيت الصيفي تكون معكوسة في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، فالتوقيت الصيفي في شيلي يبدأ من السبت الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول وينتهي في الأحد الثاني من مارس/ آذار.

وما ذكره أحد خبراء النقل من أن مترو الأنفاق تمتد ساعات عمله في ظل التوقيت الصيفي إلى 20 ساعة بدلا من 18 ساعة؛ مما يزيد استهلاكه للكهرباء أكثر مما كان قبل ذلك، وقال آخرون إنه إذا كان التوقيت الصيفي يؤجل أوقات الشروق والغروب، بما ينتج عنه تقليل استخدام الإضاءة الصناعية في المساء، فإنه يزيد استخدام الإضاءة الصناعية في الصباح، كذلك سهر المصريين إلى ساعات متأخرة من الليل خلال الصيف.

وكانت مبررات أنصار التوقيت الصيفي تتمثل في إتاحة وقت أطول من النهار للسياح لزيارة مناطق الآثار السياحية، وكذلك إتاحة وقت أطول لممارسة الرياضات المختلفة بالهواء الطلق مثل رياضة الغولف وغيرها.

 

   تضارب النتائج الدولية عن الفوائد

وتعود قصة التوقيت الصيفي عالميا بهدف الاستفادة من طول ساعات النهار صيفًا إلى الحرب العالمية الأولى، حين طبقته ألمانيا وحلفاؤها من دول المحور في أبريل/ نيسان 1916، لحفظ الفحم والغارات الجوية، وطبقته إنجلترا في الشهر التالي، ثم الولايات المتحدة عام 1919. ومع نهاية الحرب العالمية الأولى تخلى الجميع عنه، ثم عادت الولايات المتحدة إلى استخدامه في الحرب العالمية الثانية.

وفي الوقت الحالي لا يستخدمه غالب دول آسيا وأفريقيا، وكذلك لا تستخدمه العديد من الدول العربية، وقد قامت دول بإلغائه كما فعلت كازاخستان عام 2005 بمبرر تسببه في مضاعفات صحية، والبرازيل عام 2019، وإيران عام 2022.

والغريب أن الدراسات الدولية التي تحدثت عن فوائد التوقيت الصيفي قابلتها دراسات أخرى تتحدث عن مضاره بنفس الأمور، فإذا كانت هناك دراسات تتحدث عن توفيره للطاقة، فهناك دراسات تشير إلى تسببه في زيادة استخدام الطاقة وزيادة استخدام وقود السيارات، وذكر معارضوه أن صناعة الألبان تتضرر منه لأن الأبقار لديها حساسية في وقت حلبها!

ولهذا ذكر خبراء بأن تأثيره يختلف باختلاف ثقافة المجتمع، وشدة الضوء والموقع الجغرافي والمناخ، فالدول الواقعة قرب خط الاستواء التي يتساوى فيها وقت النهار صيفًا وشتاءً ليست بحاجة إليه.

وفي مصر اتُّبِع التوقيت الصيفي منتصف أبريل/ نيسان 1941 وقت الاحتلال الإنجليزي، ثم تم التخلي عنه عام 1945 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وعاد تنفيذه في عهد الرئيس عبد الناصر عام 1955 مدة عامين، ثم تمت العودة إليه حتى ألغاه الرئيس السادات عام 1975، ثم تمت العودة إليه في عهد الرئيس مبارك عام 1982 مدة ثلاث سنوات.

ثم عاد العمل بهذا التوقيت عام 1988 واستمر حتى تعديله عام 1995 باستثناء شهر رمضان منه، وظل ساريا حتى ألغي عام 2011 في عهد المجلس العسكري، ثم عاد في عام 2014 مع أزمة نقص الكهرباء، ثم أُلغي في العام التالي وما بعده حتى عودته حاليا.

وكان الحاكم المصري قد دعا عقب توليه في يونيو/ حزيران عام 2014، إلى بدء العمل بالمصالح الحكومية من الساعة السابعة صباحا، وهو ما أكد الالتزام به رئيس الوزراء حينذاك إبراهيم محلب، لكن الأمر تم نسيانه بعد ذلك بفترة قصيره، وكرر الجنرال دعوته إلى العمل من الساعة الخامسة والنصف صباحا حتى الثانية عشرة والنصف ظهرا، خلال زيارته لمحافظة دمياط في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول، لكن الأمر لم يُنفَّذ.

ويرى بعض الخبراء أن الأهم من التوقيت الصيفي، هو الاهتمام بالوقت وضرورة تنظيمه وحسن استغلاله، وأن المواطنين يربطون استخدامهم للطاقة بضوء الشمس وليس حسب ساعة معينة، وذكر أحدهم أن البعض يشتري ساعات باهظة الثمن من باب الزينة وليس من باب احترام الوقت، وذكر أن هيئة السكة الحديدية لا تتيح للراكب استرداد قيمة التذكرة في حالة تأخر القطار، إلا بعد مرور ساعة ونصف أي أنها تسمح بهامش تأخير ساعة ونصف!