أوضحت صحيفة "أسوشيتد برس" الأمريكية أن السوريين الذين يعيشون على جانبي خطوط المعركة التي تقسم بلادهم يراقبون التطبيع المتسارع للعلاقات بين حكومة بشار الأسد وجيران سوريا من عدسات متباينة.
وقالت الصحيفة في تقرير كتبته "آبي سيويل": "في سوريا التي تسيطر عليها الحكومة، يأمل السكان الذين يعانون من تضخم متزايد ونقص الوقود والكهرباء أن يجلب التقارب المزيد من التجارة والاستثمار ويخفف من أزمة اقتصادية خانقة".
وأضافت: "في الوقت نفسه، في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال، يشعر السوريون الذين رأوا السعودية ودولًا عربية أخرى كحلفاء في معركتهم ضد حكم الأسد بالعزلة والتخلي عنهم بشكل متزايد".
وأجرت تركيا، التي كانت داعما رئيسيا للمعارضة المسلحة للأسد، محادثات مع دمشق منذ أشهر - كان آخرها يوم الثلاثاء، عندما التقى وزراء دفاع تركيا وروسيا وإيران وسوريا في موسكو.

 

بين الأمل والخذلان
وقال "أبو شادي"، وهو خياط يبلغ من العمر 49 عامًا في دمشق، إنه يأمل أن يؤدي إصلاح العلاقات بين سوريا والسعودية إلى تحسين الاقتصاد وبدء إعادة الإعمار في البلد الذي مزقته الحرب.
وأضاف في حديثه لأسوشيتد برس: "لقد سئمنا من الحروب - لقد عانينا منذ 12 عامًا. إن شاء الله ستتحسن العلاقات ليس فقط مع السعودية ولكن مع جميع دول الخليج وستستفيد شعوب الجانبين. سيكون هناك مزيد من الحركة والمزيد من الأمن وسيكون كل شيء أفضل إن شاء الله".
بينما في شمال غرب البلاد الذي تسيطر عليه المعارضة، يعد التقارب سببًا للخوف؛ حيث لجأ نشطاء المعارضة إلى وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام هاشتاج "التطبيع مع الأسد خيانة"، وتظاهر المئات في الاحتجاجات على مدار الأسبوعين الماضيين ضد خطوة الدول العربية لإعادة العلاقات مع الأسد.
وقال "خالد الخطيب"، 27 عامًا، وهو عامل في منظمة غير حكومية في شمال غرب سوريا، لأسوشيتد برس إنه يخشى أن "تستعيد الحكومة سيطرتها على ما تبقى من أراضي المعارضة".
وأضاف: "منذ اليوم الأول الذي شاركت فيه في مظاهرة سلمية حتى اليوم، أتعرض لخطر القتل أو الإصابة أو الاختطاف أو الضرب بالقصف الجوي". 
وتابع: "رؤية الدفء الإقليمي للعلاقات مع دمشق أمر مؤلم للغاية ومخزي ومحبط لتطلعات السوريين".
وقال "رشيد حمزاوي محمود"، الذي انضم إلى احتجاج في إدلب في وقت سابق هذا الشهر، إن الخطوة السعودية كانت الأحدث في سلسلة خيبات الأمل للمعارضة السورية.
وتابع: "لقد خذلنا مجلس الأمن - وكذلك الدول العربية وجماعات حقوق الإنسان والجماعات الإسلامية".

 

التقارب السعودي السوري مغير لقواعد اللعبة
ونبذت الحكومات العربية سوريا بسبب حملة الأسد الوحشية على المتظاهرين في انتفاضة 2011 التي انزلقت إلى حرب أهلية. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، مع تعزيز الأسد للسيطرة على معظم البلاد، بدأ جيران سوريا في اتخاذ خطوات نحو التقارب.
وتسارعت وتيرة المبادرات منذ الزلزال المميت الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من فبراير، وإعادة العلاقات التي توسطت فيها الصين بين السعودية وإيران، التي دعمت أطرافًا متعارضة في الصراع.
وقال "جوزيف ضاهر"، وهو باحث سويسري سوري وأستاذ في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، لأسوشيتد برس، إن التقارب السعودي السوري هو "مغير لقواعد اللعبة" بالنسبة للأسد.
 ونقلت "أسوشيتيد برس" عن مسؤولون حكوميون وشخصيات موالية للحكومة في سوريا قولهم إن "استعادة العلاقات الثنائية أهم في الواقع من العودة إلى جامعة الدول العربية".
وأوضح "طارق الأحمد"، عضو المكتب السياسي للحزب الوطني السوري الأقلية، لوكالة أسوشيتيد برس إن "لجامعة الدول العربية دور رمزي في هذا الشأن. إنه ليس الدور الحاسم حقًا".
وقال "جورج جبور"، الأكاديمي والدبلوماسي السابق في دمشق، إن السوريين يأملون في "وظائف سعودية ... بعد عودة العلاقات الطبيعية بين سوريا والسعودية".
قبل عام 2011، كانت السعودية واحدة من أهم الشركاء التجاريين لسوريا، حيث وصلت التجارة بين الدولتين إلى 1.3 مليار دولار في عام 2010. وبينما لم تتوقف الحركة الاقتصادية تمامًا مع إغلاق السفارات، فقد تراجعت بشكل كبير.
ومع ذلك، حتى قبل دفء العلاقات الدبلوماسية، كانت التجارة في تصاعد، لا سيما بعد إعادة فتح الحدود بين سوريا والأردن عام 2018، والتي تعمل كطريق للبضائع المتجهة من وإلى السعودية.
وأفاد موقع "سيريا ريبورت"، الذي يتتبع اقتصاد البلاد، أن التجارة السورية السعودية زادت من 92.35 مليون دولار في عام 2017 إلى 396.90 مليون دولار في عام 2021.
وقال إن استعادة الرحلات المباشرة والخدمات القنصلية في أعقاب التقارب السعودي السوري الحالي قد يؤدي إلى مزيد من الزيادة في التجارة.
لكن السوريين الذين يتطلعون إلى السعودية على أنها "ممول سواء من خلال الاستثمار المباشر في الاقتصاد السوري أو من خلال تمويل مشاريع مختلفة، وخاصة القروض الميسرة لمشاريع البنية التحتية"، قد يخيب أملهم؛ حيث ستكون هذه الاستثمارات محظورة إلى حد كبير في الوقت الحالي بسبب العقوبات الأمريكية والأوروبية على سوريا، حسبما ذكر "جهاد يازجي"، رئيس تحرير موقع "سيريا ريبورت". 

 

لا أحد يدافع عن الأرض إلا شعبها
 وفي المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، استقبل البعض التطبيع باستهزاء.
وقال "عبد الوهاب عليوي"، الناشط السياسي في إدلب، إنه فوجئ بالتغيير السعودي في الموقف، لكن "على الأرض لن يتغير شيء ... لأن الدول العربية ليس لها نفوذ داخل سوريا على عكس تركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة - لهم قوات في أجزاء مختلفة من البلاد.
وأضاف، أنه لا يعتقد أن دمشق ستكون قادرة على تلبية شروط العودة إلى الجامعة العربية أو أن تركيا وسوريا ستتوصلان بسهولة إلى اتفاق.
وقال "محمد شكيب الخالد"، رئيس الحركة الوطنية الديمقراطية السورية المعارضة لأسوشيتد برس، إن الدول العربية لم تكن أبدًا حليفة لـ "الحركات المدنية الديمقراطية الليبرالية" في الانتفاضة السورية، لكنها قدمت دعمها وراء "الفصائل التي اتخذت نهجًا إسلاميًا متطرفًا".
ومن ناحية أخرى، قال إن الحكومة السورية لديها "حلفاء حقيقيون دافعوا عنها"، في إشارة إلى تدخل روسيا وإيران الذي قلب مجرى الحرب.
لكنه في النهاية أوضح: "لا أحد يدافع عن الأرض إلا شعبها".

https://apnews.com/article/syria-saudi-arab-league-rapprochement-economy-22103a17cc6540dc7787413d8eeec602