بقلم : مصري حر

 

أفرزت انتخابات الصحفيين التي أجريت مؤخرا، والتي فازت فيها قوى المعارضة بنصيب الأسد في منصب النقيب ومجلس النقابة، حالة من التطلع إلى التغيير السياسي في الأوساط المثقفة بمصر، خاصة بعد ما وصلت إليه البلاد من انهيار كبير في مختلف المجالات تحت حكم السيسي ونظامه العسكري الانقلابي.

توالى إعلان رموز سياسية من انتماءات فكرية مختلفة، عن نيتها خوض الانتخابات الرئاسية المزعومة والتي ستجري في منتصف 2024؛  فوجدنا أحمد طنطاوي رئيس حزب الكرامة، يعلن أنه سيعود إلى مصر في السادس من مايو المقبل لتقديم البديل المدني للحكم، ومن المعروف أنه كان مقيم في بيروت منذ أشهر عدة للدراسة الأكاديمية كما أعلن عند مغادرته البلاد، وكان قد غادرمصر فجأة وبلا مقدمات بعد بداية الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي  في "إفطار الأسرة" في رمضان 2022 رغم إعلانه قبول دعوة الحوار هو وحزبه،  ثم فاجأ الجميع بالخروج من مصر في أجواء ما زالت غامضة.

أكد المقربون من "طنطاوي" أن إعلانه العودة لمصر قبل الانتخابات بعام، يستهدف استغلال هذه المدة في التجوال في طول البلاد وعرضها ليحصل على التوكيلات اللازمة للترشح، حيث يحتاج الترشح لـ100 ألف توكيل من 15 محافظة مصرية على الأقل لقبول أوراق ترشحه .

رغم حالة الجدل التى صاحبت إعلان "طنطاوي" الترشح، حيث انقسمت الآراء ما بين مؤيد لهذه الخطوة ويراها أنها جاءت لتحرك الماء الراكد، وفريق يرى أن "طنطاوي" سيمارس دور الكومبارس الذي مارسه من قبله حمدين صباحي في 2014 وموسى مصطفى في 2018، ولكن لنكن منصفين، فللرجل الحق في إعلانه الترشح واتخاذ القرار الذي يناسبه، لكن الغريب أننا نجد كثيرين من قيادات الحركة المدنية تنفي علمها المسبق بخطوة طنطاوي نحو الترشح، خاصة أن إعلان "طنطاوي" عن عودته جاء  بعد بيان أصدره محمد أنور السادات منذ أسابيع عن توجه لدى القوى السياسية للتوافق على مرشح رئاسي واحد، فهل استهدف إعلان "طنطاوى" قطع الطريق على هذا المرشح المزمع التوافق عليه؟، كما أن توالي الأحداث بهذه الصورة يؤكد أن طنطاوي لم يستشر أحد فعليا في اتخاذ هذا القرار، وبالطبع له مطلق الحرية في اتخاذ ما يراه مناسبا له، لكن من حق المصريين أن يعلموا السبب الحقيقي لخروجه بشكل مفاجئ وقرار العودة بشكل مفاجئ أيضا، و عليه أن يطلع الشعب عن كواليس اتخاذ هذا القرار حتى تكون هناك شفافية كاملة حول موقفه .

وإحقاقا للحق دأب طنطاوي، خلال السنوات الخمس الماضية، على انتقاد سياسات النظام المصري، لا سيما فرض القيود على الحريات العامة وتوقيف معارضين وسياسيين وصحفيين، وطالب السيسي بالاستقالة، مُذكّراً إياه بوعده بألا يستمر في منصبه أكثر من الفترة الدستورية المحددة بـ4 سنوات، قبل أن يتم تعديل الدستور خصيصا لمنح السيسي الفرصة لحكم البلاد لفترات طويلة.

وقد اعتبر بعض السياسيين إعلان طنطاوي عن الترشح  للرئاسة، جاء ضمن صفقة أعلن عنها موقع "عربي21"، حيث نشر كواليس اجتماع "عباس كامل" غير المعلن، مع ممثلي الحركة المدنية والذي ناقش عددا من القضايا أهمها اختيار مرشحين "شكليين" لمنافسة السيسي في الانتخابات الرئاسية المزعومة العام المقبل، وأن "كامل" الساعد الأيمن للسيسي، طلب من ممثلي "الحركة المدنية" ترشيح 3 شخصيات "مدنية" لخوض انتخابات الرئاسة المزعومة العام المقبل، وتعهد "كامل"، وفقاً لمصادر خاصة "بالموقع "، بمساعدة المرشحين الثلاثة -حال الاتفاق عليهم- في جمع التوكيلات اللازمة للترشح، والسماح لهم بالظهور والتحدث في وسائل الإعلام التابعة للمخابرات، بل والسماح لهم بالحصول على نسبة من الأصوات الانتخابية قد تصل إلى 30 %، يتم توزيعها على الأسماء الثلاثة، ومن ثم يفوز السيسي بنسبة 70 % فقط، حتى تظهر العملية الانتخابية أمام الدول الغربية، وكأنها جرت بطريقة ديمقراطية، وقد نفت الحركة المدنية الديمقراطية، في منشور، عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، صحة ما نشرته "عربي21"، واتهمت الصحيفة بالكذب.

على أي حال من حق أي مصري أن يخوض أى انتخابات، والقرار يكون لصناديق الاقتراع، لكن الانخراط في صفقات مشبوهة تستهدف "مسرحية هزلية" تفرض مشاهدتها على الشعب، يعد خيانة للوطن، ومحاولة خبيثة للإبقاء على نظام أفسد البلاد وأضر بها أشد الضرر.  

فى الإطار نفسه، وجدنا السياسي المخضرم أيمن نور، رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية المعارض في الخارج، يعلن أيضا نيته خوض الانتخابات، وطالب ب10 ضمانات يجب أن تتوفر لاتخاذ خطوة الترشح للرئاسة، وهى من وجهة نظره "مستحيلة في ظل سيطرة نظام السيسي على المشهد السياسي بمصر"، لافتا إلى أنه من المتوقع أن يعلن قراره في هذا الإطار خلال النصف الثاني من العام الجاري.

 وأكد " نور" أن هناك مسارا آخر يقضي بالتوافق على مرشح يمثل المعارضة المصرية بالخارج لمنافسة السيسي، مشيرا إلى أنه يدرس في الوقت الراهن مع قوى ورموز وطنية في الداخل والخارج، التوافق على هذا المرشح.

في ظل هذا الجدل الدائر، علينا أن نؤكد على مجموعة من الحقائق، وفى إطار تطلع بعض السياسيين لتدوال السلطة عبر صناديق الاقتراع ومنها مايلي :

  • الوضع في مصر الأن مهيأ بالفعل لإحداث تغيير، لتطلع الشعب بكل فئاته للتخلص من حقبة تاريخية سطرها السيسي ونظامه العسكري الفاشي، تعد الأسوء على الإطلاق في التاريخ المصري، ومن يعيش بالداخل المصري يلاحظ أن حالة الغليان وصلت إلى منتهاها، وأن صب اللعنات على هذا النظام ورأسه يخيم على الجلسات الخاصة والعامة، وأن الانهيار الذي يشهده الوطن دفع حتى مؤيدي السيسي للكفر به.
  • أى محاولة جادة لتحريك المياه السياسية الراكدة في مصر، لابد أن تقابل بالترحيب، فأي جهد وطني مخلص يستهدف إخراج مصر من التيه الذي تعيشه، لابد أن يكون مقدرا ويتم تشجيعه، ولكن على السياسيين الذين يطرحون المبادرات أن يكونوا على وعى كامل بعدم استخدام النظام لهم، من أجل تحقيق أجواء ديمقراطية تصب في مصلحته دون إحداث تغيير حقيقي في السياسات العامة.
  • من الواضح أن نظام السيسي يستشعر مدي خطورة الأوضاع في مصر، وهو يلهث الآن لإيجاد مخرج من أزمته، التي جعلت مستقبله السياسي على حافة الهاوية، كما أنه يسعي بكل قوة لتمرير الانتخابات الرئاسية القادمة المزعومة بأقل الخسائر، وتسخير كل الوسائل لإخراج مشهدها بشكل ديمقراطي ديكوري، وليس لديه مانع من استخدام كل الوسائل القذرة لتحقيق هذا الهدف، وليس من المستبعد اللجوء لكل الوسائل الخشنة والاستبدادية في حالة خروج الأوضاع عن السيطرة  .
  •  يسعى السيسي ونظامه بكل قوة لكسب ود داعميه الإقليميين خلال المرحلة المقبلة، والذين أصبحوا ينظرون له بأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويستغلون حاجاته لكسب المزيد من المال والصفقات التى تستنزف ثروات وممتلكات مصر والمصريين .
  • ما حدث من نتائج في انتخابات الصحفيين مؤخرا، يعد  مؤشرا قويا على حراك سياسي يشهده المجتمع المصري، ولكن علينا أن نعلم أن الوضع يختلف بشكل كامل بالنسبة للانتخابات الرئاسية المزعومة في العام المقبل، فتعامل النظام مع كيان من مؤسسات المجتمع المدني، بشكل ديمقراطي هو مجبر عليه في الأصل، سيختلف اختلافاً كلياً في التعامل مع انتخابات من الممكن أن تلقى بالسيسي في مزبلة التاريخ .  
  • توجيه السيسي مؤخرا لدراسة مقترح “مجلس أمناء الحوار الوطني”، باستمرار الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات والاستفتاءات والمقرر انتهاؤه في 17 يناير 2024″، لايعنى شيئا على أرض الواقع، فقد أجريت الانتخابات في عهده تحت هذه السلطة التي أصبحت راضخة بشكل كامل للسلطة التنفيذية، وجاءت النتائج كما يعلم الجميع مزورة ومفصلة حسب ما خطط له والسيسي ونظامه، ولكنها محاولة لتجميل وجه النظام القبيح، ولن تفلح في تغيير الصورة الذهنية عن هذا النظام الفاشي .
  • واهم من يتخيل أن السيسي ونظامه الفاشي الدموي، الذي انقلب على المسار الديمقراطي في 3 يوليو 2013، وقتل الآلاف من معارضيه، وسجن أكثر من 70 ألف معارض من مختلف القوى السياسية، سوف يسمح بتداول السلطة من خلال صناديق الاقتراع، أو يترك الرئاسة الذي أكد في لقاءاته العلنية أنه لن يتركها لأحد ما دام يتنفس.
  • لخص أحد العسكريين المقربين من السيسي وهو "اللواء أحمد وصفي "- في رواية ليس هناك ما يؤكدها أو ينفيها- موقف هذا الجنرال المنقلب من الرئاسة في جلساته الخاصة، بقوله: "عندما طالبت السيسي بعدم الترشح في 2014 وترك الفرصة للمدنيين أجاب بعبارات فاصلة:  "عاوزنى بعد الإطاحة بأفضل وأطيب رئيس جاء لمصر، وبعد ذبح  الآلاف في الميادين، أسلم الرئاسة ورقبتي لمدني يحاكمنى.. أنت مجنون !"، ثم أطاح السيسي به من كل المناصب بالجيش.
  • لن تنجح أي تجربة ديمقراطية في مصر في ظل حكم السيسي ونظامه، إلا إذا شهد الشارع المصري حراكا شعبيا كبيرا يهز أركان هذا النظام، وتتضافر معه ضغوط دولية وتنسيق مع المخلصين من أبناء الجيش المصري، ليتكرر سيناريو ثورة يناير من جديد .
  • فكرة إصلاح النظام من الداخل عصية على التحقيق، في ظل شبكة المصالح والفساد الذي خيم على كل مؤسسات الدولة، وتورط كثير من جنرالات الجيش في "بيزنس" كبير يحيط به الفساد غيرالمسبوق، وقد راهن الرئيس الشهيد د. مرسي، رحمه الله، على فكرة الإصلاح من الداخل لكنه غُدر به.
  • تشرذم قوى المعارضة بمختلف اتجاهاتها يعد الرئة التي يتنفس منها النظام الحالي، وإذا أرادت المعارضة المصرية بالداخل والخارج إحداث تغيير سياسي، فعليها الإعداد لمشروع إنقاذ وطني حقيقي شامل، تنصهر فيه كل القوى السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، دون أى إقصاء، والإعلان عنه أمام العالم والسعي لتنفيذه بكل سلمية، مع استعدادهم لدفع فاتورته، فنحن أمام نظام غير مسبوق في فساده وفاشيته، ولن يترك "غنيمة مصر" إلا تحت ضغوط شديدة يمارسها الشعب والمعارضة معا، فإذا ما تمكن الشعب من هذا فسوف يستجيب له العالم بإذن الله ، ويكتب لثورته النجاح .

هذه بعض الحقائق التى أردت أن أُجليها ، حتى لا نعيش في وهم الأحلام الوردية، أو نغرق في وحل الأماني، التيلا تسنتند لمشروع إنقاذ وطني يلامس بقدميه حقيقة الواقع المصري.

رغم قتامة الصورة، فالأمل في التغيير كبير وقريب، لكن على مثقفي وسياسيي مصر أن يتجردوا من كل الأهواء ويخلصوا النوايا، ويدرسوا الواقع على حقيقته، ويضعوا الخطط التي تتعامل مع هذا الواقع المتأزم، ولا يتغافلوا عن جدار الخوف الذي نجح نظام السيسي في بنائه في نفوس المصريين على مدار 10 سنوات، حتى ينجحوا في إزاحة الغمة عن شعب يتعطش الآن للتغيير، ويتطلع لإنقاذه من عصابة تنهش عظامه، وتسرق ثرواته.... المهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة .