أشرف الشربيني

كاتب مصري وباحث سياسي

 

تكرارُ الأخطاء رغم فداحةِ الثمن،علامةٌ على اعتلال الفكر وقلة التوفيق، ذلكم هو أول ما يَرِد على الخاطر، عندما نقرأ لبعض المشتغلين بالسياسة في بلادنا، رافضين الدفاع عن مظلومين من غير فصيلهم السياسي، وهو ما سماه الدكتور محمد سيف الدولة "الطائفية السياسية في مصر".

فقد كشف الانقلاب العسكري في مصر منتصف 2013، عن تحالف وثيق وقديم بين بعض النخب العلمانية وبين الاستبداد العسكري، فرغم ادعاءات تلك النخب، بدعمها لمدنية الدولة والحريات العامة وحقوق الإنسان، إلا أنه فى لحظة الاختبار تسقط تلك المبادئ صريعة أمام مكاسب حزبية متوهمة!

فعندما كانت الثورة تخوض أعنف معاركها أمام الثورة المضادة، خذلت تلك القوى المدنية الثورة، لمجرد أن الرئيس المنتخب ينتمي للإخوان المسلمين!

حدث هذا عند محاولة إقتحام قصر الاتحادية ومحاولة الاعتداء على الرئيس محمد مرسي بعد أن تواطأت الشرطة وقوات حماية القصر مع المعتدين.. وظهر مرة أخرى عندما تم إحراق مقرات حزب الحرية والعدالة، ثم تبعه إحراق مقرات جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة لسياراتهم..

ثم تقدمت الثورة المضادة خطوة أخرى، عندما قطعت حركة (البلاك بلوك) الطرق وخطوط السكك الحديدية، فاستدعت تلك القوى المدنية الجيش من أجل التدخل الصريح، وبعض تلك القوى اجتمع سرا بناءً على أوامر وزير الدفاع وقتها! لكتابة عريضة تدعو الجيش للتدخل! وهو الاجتماع الذي فضحته الدكتورة منى مكرم عبيد..

وعندما تم الإعلان عن الانقلاب الصريح، ظهر بعضٌ من هذه النخبة خلف زعيم الانقلاب وهو يتلو بيان ذبح الثورة واغتيال الديمقراطية، ثم ارتضوا بأن يكونوا جزءً من أول حكومة بعد الانقلاب..

ثم انطلقت جنازير دبابات الانقلاب، مفجرةً شلالاً من دماء المصريين الذين عارضوا الانقلاب، بعدما فتحت له الطريقَ نخبةٌ علمانيةٌ بائسة، تصورت أن الجيش سينفذ انقلابه لصالحها، ثم تتابعت بعد ذلك مجازر الانقلاب في الشعب المصريين، ففي شهر يوليو 2013 فقط ارتكب الانقلاب أربعة مجازر! بداية من مجزرة الحرس الجمهوري بحصيلة 103 شهداء، ثم مجزرة رمسيس الأولى بحصيلة عشرة شهداء، تبعتها مجزرة المنصورة بحصيلة أحد عشرة، ثم مجزرة المنصة بحصيلة 130 شهيداً.. حدثت كل تلك المجازر دون أن تسحب تلك القوى "المدنية" تأييدها ودعمها لذلك الانقلاب.. ولم تدرك تلك القوى "المدنية" يومها، أن الدبابة التي داست على أصوات المصريين وفجرت بطلقاتها رؤوسهم، لن تفرق يوما بين من عارضها أو من أيدها، فبعد أن كانت (جبهة الإنقاذ) تعارض الرئيس مرسي وهى آمنة على نفسها، صار أفرادها في مرمى نيران الانقلاب! لمجرد أنهم تحدثوا في غير المسموح به! فقد تم اعتقال الدكتور حازم حسني والدكتور حسن نافعة والأستاذ خالد داوود، والأخير كان متحدثاً باسم جبهة الإنقاذ، وقد اعتقل في 2019 بتهمة الاشتراك مع جماعة "إرهابية" فى تنفيذ أهدافها! وتم إطلاق سراحه بعد عامين، وقد قيل وقتها أن الإفراج كان فى إطار صفقة لدعم ترشح ضياء رشوان نقيباً للصحفيين..

ومؤخراً كتب أ.خالد داوود مقالاً استنكر فيه دعوة المهندس يحيى حسين عبد الهادي للتيار المدني للمطالبة بالإفراج عن معتقلي الإخوان المسلمين، جنباً إلى جنب مع معتقليهم! غير أن أكثر ما لفت النظر فيه، اتهام كاتبه للإخوان بأنهم خانوا العهود وعقدوا الصفقات فضلا عن دعوتهم للدولة "الدينية" التي تقدس حاكمها..

برغم أن الرئيس مرسي وقادة الإخوان دفعوا ثمناً باهظاً للدفاع عن مدنية الدولة وديمقراطية نظامها، بعد أن انحاز كاتب المقال ورفاقه إلى الثورة المضادة ثم إلى الانقلاب العسكري الواضح والصريح..

لقد مثَّل الرئيس محمد مرسى لكثير من المصريين، أملاً كبيراً في إنقاذ  البلاد من تاريخ ديكتاتوري طويل، ورغم الشائعات التي روجها خصوم الإسلاميين، من أن مرسي سيعصف بالحريات ويقيم دولة اللحية والنقاب وينخرط فى حروب تعصف بالبلاد.. لكن مرسي فاجأ الجميع عندما أتاح الحرية لمعارضيه قبل مؤيديه، فلم يقصف قلماً، أو يفتح السجون للصحفيين فى عهده، كما سعى إلى بناء علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة، مكّنته من إعادة المكانة الدولية لمصر، حين استطاع أن يوقف القتال بين الكيان الصهيوني وحركة حماس في خريف عام 2012.

لكن كل هذه الآمال تحولت إلى كابوس مخيف، بسبب انقلاب 2013، الذي دعمته جبهة الإنقاذ!

كنا نتوقع بعد تسع سنوات من انقلاب 2013، أن تعلن تلك القوى "المدنية"، اعتذارها للشعب المصري، عما ارتكبته فى حقه بتأييد الانقلاب العسكري، لكن هذا للأسف لم يحدث، ولا زالوا من أيدوا الانقلاب يمنُّون أنفسهم بتمثيل (تيار ثالث) بين دعاة الدولة الدينية وبين دعاة الحكم العسكري!

التاريخ سيذكر من وقف بجوار الشعب المصرى وضحَّى في سبيل إسعاده ورفعته، بحياته وحريته، وسيذكر كذلك من أيدّ الانقلاب طمعاً في سلطة عجز أن يصل إليها بانتخابات حرة نزيهة.