بلغة فصيحة، كتبت سلمى أحمد مرثية تدرس بين النثر والشعر بحق والدها الشهيد الحر المهندس المعتقل أحمد محمود إبراهيم الأمين العام لحزب الحرية والعدالة بمحافظة السويس، الذي توفي الأربعاء 16 نوفمبر 2022، بمستشفى السادات نتيجة الإهمال الطبي بسجون السيسي عبر حسابها (Salma Ahmed) على "فيسبوك" تنعى فيه والدها حبيبها إلى الجنة واصفة زهده وعبادته وربانيته.
وقالت سلمى :
ودعت فجر اليوم حبيبي الأول الذي ما نهرني في يومٍ قط
وطيلة سنين حياتي لم يعبث في وجهي مرة كان بَشوشًا، خلوقًا وحافظ للقرآن
منذ الصغر عاملني كملكة وأميرة يأتي لي بالهدايا وينظم لي الأشعار
وعند الكبر عاملني كصديقة حميمة يرشدني ويناقشني ومشغول البال دائما بي
أتى للدنيا ضيفًا خفيفًا ورحل خفيفًا لا تثقل كاهله الخطايا والذنوب أشهد أنه كان من الصابرين المتقين المخلصين
كان زاهدًا في الدنيا أشهد أنه لم يسعى إلا للخير وفي الخير قبل معرفتي بخبر وفاته بأقل من ساعة أتى إلى بالي
تذكرته وتذكرت حبه الكبير لإبنته الصغيرة
عله وقتها كان يودع الدنيا ويتذكرني لآخر مرة في وقت حالت الظروف فيه أن يراني
عله سأل ربه أن يقرئني السلام
عله أستودعني الله وقتها فما كان إلا أن تهيأ لي في عقلي يحادثني.
انتقل من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة
انتقل ولكنه باقٍ
باقي في أخلاقي وسمتي
باقي في كلامي وأسلوبي وطريقتي
باقي في تسامحي وصدقي وعفويتي
باقي في طمعي في الآخرة وزهدي في الدنيا
باقي في تلاوة قرآني، ترديد أذكاري وأدعيتي
باقي في صبري ويقيني وإيماني
أليس هو من رباني؟ أليس هو من اختار لي أعظم إمرأة لتكون أمي
أليس أنا أثره في الدنيا؟
بابا حبيبي مكانك ليس في دنيا
الدنيا لا تليق بقلبك النقي ومبادءك وقيمك العظمي اللاتي عشت بهم لآخر وقت.
الدنيا لا تليق بك يا حبيبي.
الجنة مستقرك ومكانك وبيتك الأبدي وقصرك الذي بنيت أليس من يبني مسجدًا لله بني الله له بيتًا في الجنة وقد فعلت يا حبيبي.
بابا رغم غيابك عنا طوال حياتي ولم أنعم بالقرب منك إلا قليلا ولكننا كنا دومًا على موعد.
ألم تحدثني في أشعارك وتقول:
إلى الأميرة سلمى
كما تعود الطيور إلى أوكارها
سوف أعود
وكما تفرح النوارس
بمعانقة رمال الشطآن
وقت الأصيل
سوف نفرح ولن أحيد
وحينما يعود قطار الزمن
ويتوقف على رصيف الحياة
فسأجدكم فى الانتظار
وأنتى ترتدين معطفًا أبيضًا
والأرض غارقة فى المياة
ومرام وميسون يشيرون بأيديهم
إلى الجد الذى لم يشهد يوم مولدهم
حين إنشق ضياه
وأنظر إلى محياكى يا رمز النقاء
من نافذة القطار
وإنى لأرجو حين اللقاء
أن أحتفى بكى أيُما إحتفاء
وأن أقدم لكى
أطباق منّ وأطباق سلوى
وفاكهة من خط الإستواء
وأصنع لكى خفين من زهر الكِستناء
وأقيم على شرف حضورك
حفل شواء
أو أعد لقدومك
وليمة من أعشاب البحر
وأشدو لِرَكبِك أعذب حُداء
وحينما أرنو ببصرى على البعد
ألمح فى جبينك
لمعة شمس الشتاء
حين تطل علينا
من بين السحاب على إستحياء
أستفيق من غفواتى
وأرسل نظراتى
إلى سقف الزنزانة
وتخرج تنهداتى وزفراتى
لتعبر عن إشتياقى
وصوتٌ يتردد فى أعماقى
آه لو كنت طائرا طليقا
أو حتى نسمة هواء
آه لو أستطيع الوصول
إلى منافى سيبريا
فأصطاد دبًا أبيضًا
لأقدم لكى أثمن فراء
آه لو عرفت الطريق
إلى مناجم إفريقيا
لأحضرت لكى ماسة زرقاء
آه لو أن لى مكوكا أو سفينة
لأصطحبتك فى نزهة إلى الفضاء
ولأهديتك نجمة
ثم إذا صادفنا القمر
نستريح قليلا من أثر العناء
آه لو إنى أقرض الشعر ولى موهبة
لنظمت لكى قصيدة كشعر أبى نواس
أو بشار بن برد أو أبى العلاء
أميراتى سلمى ومرام وميسون
غدا ألقاكم فى يوم عيد
حيث الكل عائد بفرحة تطل مشرقة
من الشفاة والعيون
بابا سأنتظرك مرتدية ذلك المعطف الأبيض وسنتعانق معًا ونتسامر فى الحفل الذى ستقيمه ورائحة الشواء تتخلل أنفى وأنا أتحسس بأناملى على رقبتى تلك الماسة الزرقاء التى أهديتنى إياها ، وأخطو بحذائي هذا المصنوع من الكستناء وأنا أطرب لسماع ذلك الصوت العذب الذى يحدو من أجلى، ثم أنظر بعيدا فى السماء فأشعر وكأننا جالسين على سطح القمر وبجانبنا تلك السفينة التى أحضرتنا معا!
رسائلك محفوظة وموعدنا جنة
وغدا ألقاك
بابا
أحمد محمود
اسألكم الدعاء
و داخل مستشفى السادات لقي المهندس أحمد محمود ربه بعد سنوات من المعاناة والإهمال الطبى بسجن وادي النطرون 440.
حيث أصيب داخل السجن؛ بالفشل الكلوي وكان يعاني من مرض بالقلب وأنيميا البحر المتوسط.
وهو الشهيد هوثالث حالة وفاة خلال الـ 48 ساعة الماضية والحالة الرابعة منذ مطلع شهر نوفمبر الجاري والحالة رقم 34 منذ مطلع العام والحالة 1144 منذ عام 2013 عقب الانقلاب العسكري على إرادة الشعب المصري.
ولم يحصل الشهيد على حقه في الرعاية الطبية اللازمة لحالته، وهو ما يعد جريمة قتل بالبطىء بمنعه من تلقي العلاج المناسب في وقته، بحسب الشهاب لحقوق الإنسان.
وحمل "الشهاب" وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب مسئولية الوفاة، وطالب بالتحقيق في ظروفها، كما طالب بالإفراج عن المعتقلين.