في الوقت الذي قالت فيه منظمة العفو الدولية، إن السلطات المصرية ألقت القبض على مئات الأشخاص خلال الأسبوعين الماضيين وحدهما، فيما يتصل بدعوات للتظاهر خلال انعقاد المؤتمر السنوي لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ "كوب 27" (مؤتمر المناخ)، سمح السيسي بتنظيم عدد من نشطاء المناخ وقفة احتجاجية تحت شعار «أوقفوا قتل الحيوانات النظام النباتي هو الحل» أمام قاعة المؤتمرات بمدينة شرم الشيخ؛ لمطالبة العالم بالتوقف عن قتل الحيوانات لاستخدامها كغذاء.

 

وقفة لحقوق الحيوان في الوقت الذي يهان فيه الإنسان

وشهدت مدينة شرم الشيخ التي حولها النظام إلى ثكنة عسكرية تظاهرة لمطالبة بحقوق الحيوان في الوقت الذي يهان فيه الإنسان، وصفها مراقبين بأنها محاولة لتليميع ملف السيسي الحقوقي، والتغطية على دعوات التظاهر المقرر اندلاعها يوم الجمعة المقبلة، حيث تجمع عدد من المهتمين بقضايا المناخ على مستوى العالم، أمام قاعة المؤتمرات الخاصة بـ Cop 27.

وطالب المحتجون وهم من أصحاب النظام النباتي في الغذاء بالتوقف عن أكل اللحوم لما لها من أضرار كبيرة على المناخ.

ورفعوا عدداً من اللافتات باللغة الإنجليزية كتبوا عليها: “love is the only solution”، (الحب هو الحل الوحيد) و “please don’t eat me” (نرجوكم لا تأكلوا اللحوم) في إشارة إلى مختلف الحيوانات،

 

مسارات لقمع التظاهر

وتأتي خطوة السماح للمطالبين بحقوق الحيوان، في الوقت الذي يكرس نظام الانقلاب الخائن جميع أجهزته من أجل قمع التظاهرات ومحاولة إجهاض دعوات النزول المقرر خروجها بعد أيام قليلة، التي أصبحت تعرف باسم "مظاهرات 11/11، والتي دعت لها قوى سياسية معارضة في الخارج وتتزامن مع استضافة البلاد قمة المناخ العالمية التي ستعقد في منتجع شرم الشيخ. رفعت السلطات  حالة التأهب الأمني إلى أعلى مستوى، ولجأت الأجهزة الأمنية إلى ثلاثة مسارات لمحاولة، وهي:
المسار الأول، شن حملات اعتقال موسعة في عموم البلاد بواسطة الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا)، طالت نشطاء سابقين وحاليين ومعتقلين سابقين أفرجت عنهم السلطات في وقت سابق، واحتجازهم في مراكز شرطية، والتحقيق معهم.

المسار الثاني، نشر قوات أمنية ومخبرين سريين في لباس مدني وسط العاصمة القاهرة وعواصم المحافظات والمدن، وتوقيف عشوائي للمارة في الشوارع، خاصة من الشباب، وتفتيش هواتفهم المحمولة دون إذن قضائي، واحتجاز بعضهم واستجوابهم، واعتقال البعض الآخر.

المسار الثالث، مراقبة شبكات التواصل ورواد مواقع السوشيال ميديا، وتتبع حساباتهم، وملاحقتهم، والقبض على أصحاب تلك الحسابات، كما حدث مع رئيسة تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون منال عجرمة، والعضوة في نقابة الصحفيين المصريين على خلفية الكتابة على صفحتها الشخصية وانتقاد الأوضاع الاقتصادية المزرية في البلاد.

 

قلق أممي

هذه المسارات الثلاثة أيدتها التقارير الحقوقية التي صدرت عن منظمات محلية ودولية، حيث أثار تقرير "العفو الدولية" غضب العديد من نشطاء حقوق الإنسان في مصر، خاصة مع السماح لبعض النشطاء بتنظيم احتجاجات للرفق بالحيوان في الوقت الذي كانت تحقق فيه نيابة أمن الدولة مع ما لا يقل عن 151 شخصا للتحقيق، بينما تعرَّض مئات آخرون للاحتجاز والاستجواب لفترات أقصر.

وقال فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن "القبض على مئات الأشخاص لمجرد الاشتباه في أنهم يؤيدون الدعوة إلى التظاهر السلمي يثير قلقًا عميقًا بشأن الطريقة التي سوف تتصدى بها السلطات للأشخاص الراغبين في التظاهر خلال مؤتمر المناخ، حيث أصبحت مثل هذه المظاهرات ملمحًا أساسيًا لجميع مؤتمرات المناخ التي تنظمها الأمم المتحدة".

وشدد لوثر على أنه "ينبغي على السلطات المصرية أن تسمح للمتظاهرين السلميين بالتجمع بحرية، وأن تكف عن استخدام القوة غير المشروعة أو الاعتقالات التعسفية لمنع المظاهرات".

 

منتجع مبهر لخداع قادة العالم

وأضاف لوثر: "يجب على قادة العالم المشاركين في مؤتمر المناخ في مدينة شرم الشيخ ألا ينخدعوا بحملة العلاقات العامة التي تروِّجها السلطات المصرية. فبعيدًا عن الفنادق المبهرة في المدينة، التي تمثل منتجعًا، لا يزال آلاف الأشخاص، وبينهم مدافعون عن حقوق الإنسان وصحفيون ومتظاهرون سلميون وأعضاء في المعارضة السياسية، يتعرضون للاعتقال ظُلمًا".

وأكد مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، أنه "يجب على هؤلاء القادة أن يحثُّوا عبد الفتاح السيسي على الإفراج عن جميع المحتجزين تعسفيًا بسبب ممارستهم لحقوقهم الإنسانية. ويجب أن يشمل ذلك، على وجه السرعة، الإفراج عن الناشط السجين علاء عبد الفتاح، الذي بدأ تصعيد إضرابه عن الطعام بالتوقف عن شرب المياه".

 

وعود زائفة واعتقالات متصاعدة

وفي بيان لمنظمة العفو الدولية صدر الأحد الماضي وصف دعوة عبدالفتاح السيسي للحوار الوطني بالوعود الزائفة، ففي الوقت الذي أفرجت فيه السلطات المصرية عن 766 سجينًا، منذ إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، في إبريل 2022. إلا أن منظمة العفو الدولية وثَّقت خلال الفترة نفسها إلقاء القبض على ضعف ذلك العدد، حيث خضع 1540 شخصًا للتحقيق بسبب ممارستهم لحقهم في حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها.

وقالت "العفو الدولية" إنها في غضون الشهور الستة الماضية، جمعت معلومات من عشرات المحامين الذين يحضرون بصفة منتظمة جلسات التحقيقات وجلسات تجديد أمر الحبس، كما راجعت قرارات صادرة عن المحاكم ووثائق أخرى رسمية، وأجرت مقابلات مع بعض السجناء السابقين وأقارب المحبوسين.

وأضافت أنه خلال الأسابيع الأخيرة، قبضت قوات الأمن على مئات الأشخاص واحتجزتهم، وذلك من وسط مدينة القاهرة ومن الميادين الرئيسية في عدة مدن مصرية بسبب محتويات على هواتفهم النقالة، و"هو أسلوب كثيرًا ما تستخدمه الشرطة قبيل أي احتجاجات متوقَّعة".

ولفتت إلى أنه "رغم الإفراج عن معظمهم خلال ساعات أو أيام، فقد أُحيل آخرون إلى النيابة، بينما لا يزال آخرون رهن الاختفاء القسري، وفقًا لما ذكره 11 محاميًا في محافظات القاهرة والإسكندرية والشرقية والدقهلية".

 

القضاء أداة للتنكيل بالمعارضين

وقال بيان العفو الدولية إنه "لا تزال أجهزة الأمن المصرية تستخدم صلاحيات خارج نطاق القانون بمعاونة القضاء لتحديد السجناء الذين يُفرج عنهم، كما منعت الإفراج عن آلاف السجناء المحتجزين تعسفيًا دونما سبب سوى ممارستهم لحقوقهم الإنسانية".

وأضافت: "كما لا تزال صحة عبد المنعم أبو الفتوح، وهو مرشح رئاسي سابق وزعيم أحد الأحزاب السياسية، عُرضةً للخطر في ظل الاحتجاز. ولا تزال المحامية هدى عبد المنعم والمحامي محمد الباقر رهن الاعتقال التعسفي دونما سبب سوى عملهما في الدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. واستبعدت السلطات من نطاق العفو الرئاسي كل من يُعتقد أنه من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أو المنتسبين إليها".

 

 تلفيق قضايا وتدوير المعتقلين

وتابعت "العفو الدولية" في تقريرها أن السلطات المصرية واصلت أيضًا تجاهل قرارات صادرة بالإفراج عن بعض المعتقلين، فيما يُعرف باسم أسلوب "التدوير، مشيرة إلى أنه منذ أبريل 2022، رفضت أجهزة الأمن المصرية تنفيذ أوامر قضائية بالإفراج عن 60 شخصا على الأقل. وبدلًا من ذلك، كان ضباط قطاع الأمن الوطني يقتادون أولئك المحبوسين من السجون دون إبلاغ ذويهم. وتعرَّض كثيرون منهم للاختفاء القسري أيام، ظل مصيرهم ومكانهم خلالها في طي المجهول، ثم أُحيلوا للنيابة ليواجهوا تهمًا ملفقة بالإرهاب أو غيرها من التهم المتعلقة بالأمن القومي.

وأكد البيان أنه "لا يزال معظم الذين أُفرج عنهم بعد إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي يواجهون قيودًا على حريتهم وحقهم في التعبير"، لافتة أنه في مقابلات مع منظمة العفو الدولية، ذكر سبعة ممن أُفرج عنهم مؤخرًا أن قطاع الأمن الوطني أمرهم بحذف مواد انتقادية كانوا قد نشروها على وسائل التواصل الاجتماعي، أو هدَّدهم بالقبض عليهم بعد اختتام مؤتمر المناخ. وأُعيد القبض بالفعل على بعض الذين لم يلتزموا بتلك التعليمات، ومن بينهم شريف الروبي، الذي أُفرج عنه في يونيو 2022 وأُعيد القبض عليه في سبتمبر 2022، بعدما أدلى بحديث لوسائل إعلام عن الصعوبات التي واجهها سجناء سابقون. ولا يزال آخرون من المُفرج عنهم حديثًا يخضعون لمراقبة الشرطة، بينما يُمنع كثيرون بشكل تعسفي من السفر للخارج.

 

رصيد السيسي نفد

وبحسب مراقبين فإن نظام السيسي يعلم قبل غيره أنه استولى على السلطة بالقوة، على خلاف الدستور والقانون، وارتكب في سبيل ذلك جرائم ضد الإنسانية، استعدى بها قطاعات لا يستهان بها من الشعب، كما يعلم قبل غيره أيضا أن رصيده قد نفد لدى معظم مؤيديه، الذين يعانون كما يعاني المصريون من انهيار الجنيه أمام الدولار، وفحش الأسعار، وتدهور أوضاعهم الاجتماعية جرَّاء ذلك".

وحول محاولة النظام المستميتة لقمع التظاهرات، أكد المراقبين الأجهزة الأمنية في مصر مصممه بالأساس لحفظ النظام السياسي القائم على القمع والإذلال، طبقا لمكانتك الاجتماعية، وطبقا لقرار أصحاب السلطة، والقوانين أيضا مصممة على مشروعية القمع للشعب، وإذا عجز النظام عن إصدار قانون يتوافق مع تشريع القمع يتجاوز للأجهزة الأمنية عن خطاياها بحق الشعب، والكلمة الشهيرة لقائد الانقلاب العسكري بأنه لن يحاسب أحدا من الضباط هي منهج وسلوك النظام الأمني".

وأكدوا أنه من الطبيعي أن تنشط الأجهزة الأمنية في ظل حالة الغضب الذي لا يمكن إنكاره من الشعب المصري ضد السياسات المدمرة خلال السنوات السابقة، والتي أفقرته، وأدخلت مصر في حالة من السقوط الحر على المستوى الاقتصادي"، فيما  تتراجع الأجهزة الأمنية تكتيكيا عند إحساسها بعدم قدرتها على مواجهة الحشود الكبيرة.