ذاكرة الشعوب هي قلعة أمانها وسدادها، ففيها تُختزن التجارب وتتراكم الخبرات وتُستنبت الأفكار وتُستلهم الدروس والعبر، فالحاضر إمتداد للماضى وصدىً له، والمستقبل أثر عن الحاضر وتخطيط منه، لذلك فتزوير التاريخ وتزييف وقائعه جريمة لا يكفرها أو يبررها محاولة ستر العيوب أو إخفاء العلل، فالأمم تتعلم من أخطائها أكثر مما تتعلم من صوابها.

ونحن على أعتاب مرور خمسين عام من ذكرى حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر، نستذكر خمس حقائق لا ينبغي أن تغيب عن ذاكرة شعبنا:

1) المقاتل المصرى هو من صنع الله به الانتصار

فالمقاتل المصرى عندما عادت له هويته وكرامته ، أبدع في ميدان القتال. فقد كانت زيارات السادة العلماء للمقاتلين في الجبهة، ومنهم الشيخ عبد الحليم محمود والشيخ الغزالى والشيخ الشعراوى والشيخ سيد سابق وغيرهم، سبباً ودافعاًللصمود والاستبسال والاستشهاد. وكذلك فعلت المعاملة الكريمة للجنود من قادتهم.. فانهار الساتر الترابى المنيع، وانهارت دفاعات إسرائيل، أمام جسارة وعزيمة المقاتل المصرى، فكان العبور الذى أذهل إسرائيل ومن ورائها.

2) (الثغرة) هي من أنقذت إسرائيل

لكن قراراً فردياً من السادت لم يستمع فيها للقادة العسكريينأحدث الانتكاسة، وذلك حين حدثت ثغرة بين الجيشين الثانى والثالث على الضفة الغربية للقناة، حيث رصدتها أقمار التجسس الامريكية، وأخبرت بها اسرائيل التي تسللت إليها، متخدذةً منها نقطة إرتكاز لعملياتها، وتسببت في حصار الجيش الثالث ومدينة السويس لمدة شهرين، وصار الجيش الاسرائيلى بها على بعد 100 كم فقط من القاهرة! وقد أدى ذلك الى تنازلات مؤلمة أثناء مفاوضات الكيلو 101 على طريق القاهرة السويس. وقد تحدث عن هذه الثغرة وأحداثها العديد من القادة العسكريين، منهم الفريق سعد الدين الشاذلى قائد أركان الجيش المصرى وقتها، والفريق محمد الجمسى قائد العمليات.

3) لماذا تم التنكيل بأبطال حرب أكتوبر؟! 

فسعد الدين الشاذلى (مهندس خطة العبور)، تم عزله ثم محاكمته وسجنه، ولم يُنصفه سوى الرئيس الشهيد محمد مرسى عندما كرَّمه بقلادة النيل في أكتوبر 2012.

والمشير أحمد بدوى قادة الجيش الثالث ووزير الحربية بعد ذلك، تم اسقاط طائرة كان يستقلها مع ثلاثة عشر من القادة العسكريين في مارس 1981، وتم تصوير الامر على أنه حادثة! ولم يتم تحقيق فيها جاد الى الآن! (1)

وأخيرا المشير محمد الجمسى والذى كانت تسميه جولدا مائير(النحيف المخيف)، يضيق به الحال بعد إقالته، فيذهب الى حسب الله الكفراوى (وزير الإسكان ساعتها) يسأله المساعدة في إيجاد عمل، وعندما نقل الكفراوى ذلك الى مبارك، يتم ضرب المشير الجمسى في بيته! ذكر هذه الرواية الكفراوى نفسه في حوار مع جريدة الشرق الأوسط بعد ثورة يناير 2011 (2)

4) الجيش جهة خدمة لا جهة سيادة

فشرف العسكرية المصرية، في حماية الوطن والدفاع عن مصالحه الذود عن حياضه، وانخراط الجيش فى (البزنس) ومقاولات الطرق والكبارى وتجارة الخضار والسمك والجمبرى، كل ذلك أدى الى إسقاط هيبته واحترافه وجهوزيته، فعجز عن إنهاء العمل المسلح في سيناء، بل عجز حتى عن حماية أبنائنا من الجنود والضباط من الاستهداف على أرض سيناء التي حررها أبطال الامس بدمائهم!

5) إسرائيل كانت وستظل العدو

وهذه هي الحقيقة التي يفرضها التاريخ وتحتمها الجغرافيا، فبعد اتفاقية (سلام) مزعوم في عام 1979، تحول العدو الى حليف! وتحول الأخ الحليف الى عدو! لتخترق بذلك اسرئيل (العدو) بلادنا من خلال قطار التطبيع الاثيم..

تلك هي الحقائق التي يجب أن نعلمها لأبنائنا، أبطالنا حققوا الانتصارات، وانما كان السقوط من مغامرين لم يعرفوا قيمة هذا الوطن ولا هذه الدماء.

.........

المصادر:

(1) ذكر ذلك علوى حافظ أحد الضباط الاحرار، وأحد ابرز المعارضين في حديثه للصحفى محمود فوزى.

(2) حسب الله الكفراوي: نهايات وزراء الدفاع في عهد الرئيس السابق كانت مؤسفة