عرف فضيلة الدكتور القرضاوي (رحمه الله) بنصرته للحق، وبالوقوف إلى جانب الشعوب العربية التي كانت ولا تزال ترزح تحت الفساد والظلم والبطش، وتعاني من ظلم حكامها ومن بطش طغاتها، وكتب في ذلك كتابًا أسماه: "الناس والحق".

وتعرض الدكتور القرضاوي في حياته للابتلاءات والمحن، كما يتعرض لها الدعاة والمصلحون في كل زمان، كما يقول صاحب كتاب: "القرضاوي.. الإمام الثائر" إن الشيخ "قد عانى من السجون وعذاباتها منذ عام 1949م في عهد الملكية، ثم دخل عهد الجمهورية فلم ينجُ منها في فترة الخمسينيات والستينيات، فسجن مرتين في عام 1954م، ثم مرة عام 1962م (حوالي 18 شهرًا)، وكانت الأخيرة حبسًا انفراديًّا، وكان مجموع أيام سجنه نحوًا من ثلاث سنوات".

ولقد وقف الشيخ (رحمه الله) في وجه الطغاة من رؤساء الدول، ودعّم ثورات الربيع العربي ضد حكامها، فأيد ثورة تونس، ومصر، وليبيا، وسوريا، وكأنه يرسل بذلك رسالة أن الإسلام لا يؤمن بالنظريات والدعاوى وحسب، بل لا بد وجود دليل عملي على تأكيدها والعمل بها، والوقوف الفعلي بالتأييد والنصرة لكافة الشعوب الباحثة عن الحق والعز والحرية.

ومن أبرز معالم منهج الدكتور القرضاوي في إصلاح الفساد السياسي:

وجوب الإصلاح والتغيير

اهتم الدكتور القرضاوي (رحمه الله) بمقاومة التخلف والفساد الذي استشرى في جسد الأمة وهو أول عائق للتقدم نحو الإصلاح الحقيقي.

ويرى (رحمه الله) أن "مدخل كل إصلاح هو إصلاح الأنظمة السياسية المستبدة التي تحكم شعوبنا، وتتحكم في مصائرها، وتخرس كل لسان حر، وتكسر كل قلم حر، وتسجن كل داعية حر، وتزوّر الانتخابات، وتقهر الخصوم بقوانين أحكام الطوارئ، والمحاكم العسكرية. فلا علاج لهذا الفساد إلا بتغيير جذري، يأتي بحكام يختارهم الشعب بكل حريته، ويستطيع أن يحاسبهم ويسائلهم، ويقوّمهم ويعزلهم إذا تمادوا في السوء. وأساس كل تغيير هو تغيير الإنسان من داخله، فهو يقاد من باطنه لا من ظاهره، ومن عقله وضميره لا من أذنه أو رقبته، وشعار الإصلاح هنا: قوله تعالى: ".. إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ..".

التحذير من السلبية

وكان من منهجه (رحمه الله) تحذير الناس من الركون إلى السلبية والرضا بالواقع، أو ظنهم أن التغيير مطلب مستحيل، فكان يرد على كل مظان الناس السيئة ويفندها في كتبه ومقالاته ومحاضراته وأحاديثه التلفزيونية وخطبه في المساجد.

وكان يبين للناس منهج القرآن والسنة في السكوت عن الظلم والطغيان ويسوق لهم قول الله تعالى: "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" (المائدة 78- 79).

وقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" (رواه مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري).

الفساد السياسي منكر يجب تغييره

والمنهجية الثالثة التي انطلق منها الشيخ (رحمه الله) هي إدخاله الفساد السياسي ضمن المنكر الذي يجب إزالته وتغييره، فيقول: "ومن الخطأ الظن بأن المنكر ينحصر في الزنا وشرب الخمر وما في معناهما".

ويعدد (رحمه الله) أوجه المنكر التي يجب إزالتها "إن الاستهانة بكرامة الشعب منكر أي منكر وتزوير الانتخابات منكر أي منكر، والقعود عن الإدلاء بالشهادة في الانتخابات منكر أي منكر لأنه كتمان للشهادة. وتوسيد الأمر إلى غير أهله منكر أي منكر، وسرقة المال العام منكر أي منكر، واحتكار السلع التي يحتاج إليها الناس لصالح فرد أو فئة منكر أي منكر، واعتقال الناس بغير جريمة حكم بها القضاء العادل منكر أي منكر، وتعذيب الناس داخل السجون والمعتقلات منكر أي منكر، ودفع الرشوة وقبولها والتوسط فيها منكر أي منكر، وتملق الحكام بالباطل وإحراق البخور بين أيديهم وموالاة أعداء الله وأعداء الأمة من دون المؤمنين منكر أي منكر".

وجوب التغيير من الأفراد

أما المنهجية الرابعة فتكون بيد الناس وقدراتهم، فلا بد لهم من البذل والعمل والتضحية، والشيخ لا يريد للناس أن يقفوا صامتين أو مجرد مشاهدين للمنكر من حولهم، طلبًا للسلامة أو خوفًا من الإيذاء، من دون أن يسعوا إلى تغييره واستبداله، فيقول: "إن مثل هذه الروح إن شاعت في الأمة فقد انتهت رسالتها وحُكم عليها بالفناء لأنها غدت أمة أخرى غير الأمة التي وصفها الله بقوله: " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" (آل عمران 110).

ولا عجب أن نسمع هذا النذير النبوي للأمة في هذا الموقف إذ يقول: "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم فقد تودع منهم" (رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن عمرو) أي فقدوا أهلية الحياة.

وهو يرى أن الضغط المتوالي من الشعوب سيكون مولدًا للاحتجاجات والثورات كما حدث في ثورات الربيع العربي، حيث تم في بعضها تغيير للأنظمة والحكومات، ولو كان إلى حين أو إلى أجل مسمى، فإن توالي الضغط لا بد أن يولد الانفجار سنة الله في خلقه.

المسئولية تشمل الأمة كلها

ولا تقف المسئولية عند الأفراد وحسب، بل إنها تشمل الأمة كلها، وهذي هي المنهجية الخامسة عند الشيخ (رحمه الله)، "فقد يعجز الفرد وحده عن مقاومة المنكر وخصوصًا إذا انتشر شراره واشتد أواره وقوي فاعلوه، أو كان المنكر من قبل الأمراء الذين يفترض فيهم أن يكونوا هم أول المحاربين له لا أصحابه وحراسه، وهنا يكون الأمر كما قال المثل: حاميها حراميها أو كما قال الشاعر:

وراعي الشاة يحمي الذئب عنها      فكيف إذا الرعاة لها ذئاب؟

وهنا يكون التعاون على تغيير المنكر واجبًا لا ريب فيه لأنه تعاون على البر والتقوى ويكون العمل الجماعي عن طريق الجمعيات أو الأحزاب وغيرها من القنوات المتاحة فريضة أوجبها الدين كما أنه ضرورة يحتمها الواقع".

الثقة في نصر الله ولو طال الزمان

وينطلق الشيخ (رحمه الله) مذكرًا بالمنهجية السادسة وهي الثقة في نصر الله تعالى، لأن الله تعالى قد وعد بذلك في كتابه، فقال: "إن الله وحده هو الذي يملك القوة، وإن الشعوب لا يمكن أن تُهزَم، وستنتصر حتما؛ لأنها تعبر عن كلمة الحق بلسانها وأفعالها وعزائمها وتضحياتها".

وشدد (رحمه الله) على أن "عدل الله يأبى أن ينتصر الباطل على الحق، وأن يؤيد الظلم على العدل يقول الله عز وجل: "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا" (الإسراء: 81)، وقوله: "إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" (المجادلة: 20: 21).

وذكر أن التاريخ علمنا "أن الدول تضعف سنوات قد تطول ثم تحيا بعد ممات وسبات، وها هو موقف أمتنا، التي علّمتِ العالم: أنها حية لن تموت، ومشتعلة لن تنطفئ أبدا، "وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" (التوبة: 32).

يقول في إحدى تغريداته على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي (تويتر): " كم رأينا مِن فاسدين صَلَحوا، ومن منحرفين استقاموا، ومن عصاة وعتاة تابوا، ومن مجترئين على الله رجعوا إلى ربهم وقالوا: "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (الأعراف: 23).