لا زالت مصر تعاني أزمة كبيرة بسبب ندرة الموارد الدولارية، وهجرة رؤوس الأموال الأجنبية، واقتراب وقوعها في فخ تعثر سداد الديون، وصعوبات حصولها على القرض من صندوق النقد الدولي.

ويطوف بنا الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام في 10 مقترحات يمكن أن تنقذ مصر من الوقوع في فخ تعثر سداد الديون، كما جاء في مقاله بموقع "العربي الجديد".

وإلى نص المقال:

هل تفلت مصر من الوقوع في فخ الإفلاس الذي قد يقع أو يتحقق في حال عجز البلاد عن سداد ديونها الخارجية من أعباء وأصل الدين والأقساط؟

وما هي فرص النجاة بعيدًا عن الانزلاق نحو هذه المعضلة التي وقعت فيها بعض الدول، ومنها لبنان وسريلانكا، وقبلهما الأرجنتين وقبرص واليونان وغيرها؟

وعلامَ تراهن القاهرة في سداد الديون قصيرة الأجل المستحقة عليها في ظل توقف الحكومة عن الاقتراض الخارجي عبر طرح السندات السيادية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها الأسواق العالمية وزيادة سعر الفائدة على الدولار 4 مرات في العام الجاري، وفي ظلّ تلكؤ صندوق النقد الدولي في تمرير القرض المصري المطلوب، بل وخفض قيمته من نحو 15 مليار دولار إلى ما يتراوح بين 3 و5 مليارات دولار حسب توقعات بنك "بي إن بي باريبا" الفرنسي الأخيرة؟

هذه الأسئلة وغيرها باتت أسئلة الساعة ليس في مصر وحدها بل في دوائر صنع القرار الاقتصادي بالعديد من دول العالم، والأهم بين المقرضين الدوليين الذين يهمهم استرداد أموالهم المستحقة على مصر.

تنبع أهمية تلك الأسئلة من عدة اعتبارات، أبرزها الوضع الحرج لاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي والذي فقد نحو 8 مليارات من قيمته منذ نهاية فبراير الماضي على الرغم من تغذيته بسيولة خليجية طازجة قيمتها 16.3 مليار دولار ومنها 13 مليارا في صورة ودائع، وكذا مع استمرار تراجع إيرادات النقد الأجنبي من قطاعات واعدة مثل السياحة والأموال الساخنة والاستثمارات الأجنبية المباشرة.

كما تكشف الأرقام الأخيرة الصادرة عن المؤسسات الرسمية في مصر ومنها البنك المركزي، وعن المؤسسات الدولية أيضا، أن هناك مأزقا يواجه الدولة وهو ضخامة الديون الخارجية المطلوب سدادها على المدى القصير.

وحسب أحدث بيانات البنك المركزي، فإنّ مصر مطالبة بسداد نحو 83.8 مليار دولار هي خدمة الدين الخارجي خلال السنوات الخمس المقبلة، إضافة إلى 35 مليار دولار خلال العام المالي الحالي.

ووفق الأرقام الصادرة عن البنك المركزي فإن خدمة الدين الخارجي ارتفعت إلى 20 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2021 إلى مارس 2022، بزيادة 3.4 مليارات دولار عن العام المالي الأسبق. ومن المقرر أن تسدد مصر خلال العام المقبل 2023 نحو 17.6 مليار دولار، وأن تسدد خلال عام 2024 نحو 24.2 مليار دولار.

في ظل هذه الأرقام والالتزامات الضخمة المستحقة على مصر في القريب العاجل، ما هي فرص النجاة من الوقوع في حفرة التعثر المالي والإفلاس؟

الوضع معقد في ظل ندرة المواد الدولارية المتاحة وضيق الوقت والظرف الدولي الضاغط على موارد الدولة الدولارية، وزيادة كلفة الواردات، وتشديد البنوك المركزية العالمية السياسة النقدية عبر زيادة أسعار الفائدة، لكن هناك عدة مقترحات يمكن للحكومة العمل عليها في الفترة المقبلة إذا ما أرادت النجاة من هذا المأزق من أبرزها:

أولًا - تجميد الاقتراض الخارجي فورًا، وتجميد أيّ مشروع حكومي يمول بقروض دولارية ولا يدر عائدًا دولاريًا مثل القطار الكهربائي السريع والمفاعل النووي وناطحات السحاب في العاصمة الإدارية الجديدة.

ثانيًا - طمأنة أصحاب المدخرات الدولارية الذين سحبوا أموالهم من البنوك مع انتشار شائعات الإفلاس، وهذه المدخرات تمثل سيولة مهمة للقطاع المصرفي، وتساعدها في تمويل التجارة وفتح الاعتمادات المستندية، وبالتالي تخفيف العبء عن احتياطي البنك المركزي.

ثالثًا - حث المصريين العاملين في الخارج على زيادة تحويلاتهم إلى مصر، مع طمأنة شريحة من هؤلاء الذين لم يحولوا أموالًا منذ سنوات خوفًا من المصادرة أو صعوبة استرداها من البنوك بنفس العملة المودعة بها مثل الدولار. هذه شريحة لا يجب تجاهلها والتقليل من عددها.

رابعًا - إقناع دول الخليج بسرعة تحويل دفعات جديدة من الودائع الدولارية لتغذية الاحتياطي الأجنبي، مع زيادة جرعة الاستثمارات المباشرة خلال الفترة المقبلة. وكذا الوصول لتفاهمات مع هذه الدول لتأجيل سداد ديونها المستحقة، علمًا بأنّ هذه الدول تمتلك 25.1% من ديون مصر الخارجية، بينما يمتلك صندوق النقد الدولي نحو 15% منها.

خامسًا - فتح قنوات اتصال مع دول عربية لديها فوائض مالية ناتجة عن قفزات أسعار النفط الأخيرة وذلك للحصول منها على ودائع مساندة للاحتياطي الأجنبي يمكن أن تتحول إلى استثمارات مباشرة في وقت لاحق، ومن أبرز هذه الدول العراق وليبيا.

سادسًا - الاستفادة من أزمة الطاقة الأوروبية وخروج غاز روسيا من اوروبا وزيادة صادرات الغاز المصري لتلك الأسواق المتعطشة.

سابعًا - فتح قنوات اتصال مع مستثمرين دوليين لإعادة ضخ استثمارات في مصر، مع منحهم مزايا استثمارية وضريبية، وهذا يتطلب تحرك جاد من الحكومة للتغلب على المشاكل التي تواجه الاستثمار الأجنبي في مصر ومنها أزمات العملة والطاقة وارتفاع كلفة الانتاج والفساد والبيروقراطية والاحتكار ومزاحمة المؤسسات السيادية للقطاع الخاص سواء المحلي أو الأجنبي.

ثامنًا - استمرار فرض القيود على واردات السلع الكمالية من سيارات فارهة وأجهزة محمول وأكسسوارات وأطعمة القطط والكلاب، على أن يتم التركيز في فتح الاعتمادات المستندية على واردات قطاع الصناعة والإنتاج من سلع وسيطة ومواد خام.

تاسعًا - بيع بعض الأصول التي لا تمثل أهمية للاقتصاد والدولة مثل الطائرة الرئاسية والقصور والفنادق التي تم تأسيسها في السنوات الأخيرة، على أن تباع هذه الأصول بالدولار أو لمستثمرين عرب وأجانب.

عاشرًا - توسع الدولة في مشروعات بعقود "البناء، التشغيل ونقل الملكية" (BOT) التي تخفف العبء عن موازنة الدولة، حيث يقوم القطاع الخاص سواء المحلي أو الأجنبي بإقامة مشروعات ضخمة، طرق، أنفاق، مترو، مطارات، على أن تؤول إلى الدولة في سنوات لاحقة.