عبد الناصر سلامة:

 

بمناسبة الحملة الممنهجة ضده حاليًّا، التي انتقلت من الداخل إلى الخارج، من خلال من تم استغلالها للتشهير به، الشيخ عبد الله رشدي، وهو إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة سابقًا، روى ذات يوم حوارًا دار مع شاب ملحد يمارس الجنس مع أُمه، قال خلاله الشاب: “نحن نحب بعض، ولا نضر أحدًا، والمجتمع لا يجب أن يكون له دخل بذلك، لأن هذه متعتنا الشخصية”، ونقل الشيخ عبد الله تغريدة على تويتر قال إنها لهذا الشاب جاء فيها: من المؤسف أن أصدقائي اللادينيين ما يزالون متمسكين بقيمهم ومقاييسهم الدينية البالية للأخلاق، نعم أنا أمارس الجنس الآمن مع أمي، فلا تحاكمني بقيمك المتخلفة.

 

 
وقد رد عليه زميله الملحد: وأنت من ستجلب لنا التقدم لأنك تنكح أمك؟! بسببك المسلمون سيكرهون اليوم الذي عرفوا فيه كلمة إلحاد، أنت فقط تريد تشويه سمعتنا وتعطي فرصة لأتباع الأديان ليجعلوا منا أضحوكة. ودافع عنه آخر قائلًا: لماذا تعتبر ممارسة الحب مع الأم تشويه سمعة، هذا بسبب تأثرك بالخلفية الدينية المتخلفة القذرة العفنة التي كنت تتبعها!!

 

 
ثلاثية استقطاب الشباب

 

 
بدا واضحًا أن الإلحاد أصبح عبارة عن ثلاثية ضمت إلى جانبه، الشذوذ ونكاح المحارم، لا يبدو أن بعضها ينفصل عن بعض، ذلك أن الإلحاد لا يعترف بالدين، كما لا يعترف بالفطرة باعتبارهما يحدان من الحرية، في وقت من الأوقات كان نكاح المحارم والشذوذ يرتبطان بالعشوائيات، بحُكم التكدس الأُسَري في أمتار قليلة، الآن اختلف الوضع، أصبحا يرتبطان بالطبقات الراقية، بالمدارس الأجنبية، بفرقة “مشروع ليلى” اللبنانية، و”الروك” اللبنانية أيضا، التي أسسها خمسة من الشواذ هناك، الهدف هو استقطاب كل الشباب غير الطبيعي، المضطرب، المعقد نفسيًّا، المدمن، ضحايا الخلافات الأُسرية، إلى آخر ذلك من كثيرين، ممن يعترفون ولا ينكرون، وقد استضافتهم بعض البرامج التلفزيونية على الهواء مباشرة.

 

 
ليس غريبًا إذن أن يشارك نحو ٢٠ ألف شاب في حفل، أُطلق عليه حفل الشواذ، أو حفل المثليين، كما يحلو لكل مجموعة أن تسميه، ذلك أن الحفل شهد رفع علم الشواذ المعروف دوليًّا، وسط أغان صاخبة خاصة بهم، ووسط أفعال تحرش منقطعة النظير، وخمور لا حصر لها، وجه عدم الغرابة هنا يأتي -حسبما أكدت الشواهد- من أن معظم هؤلاء الشباب من تلاميذ المدارس الدولية، التي اجتاحت المنطقة خلال السنوات الأخيرة، والتي أصبحت هي الأخرى في حاجة إلى ما يمكن تسميته “تجديد الخطاب المدرسي”!!

 

 
إبعاد التلاميذ أو الأجيال الجديدة عن الدين من خلال تلك المدارس وغيرها، ليس حلًّا لمواجهة الإرهاب، بل العكس هو الصحيح، ذلك أن ما يجري هو بمثابة ضياع، استهداف الشباب في دينه وثقافته وهويته أصبح أمرًا واضحًا لا لبس فيه، وإذا علمنا أن معظم تذاكر هذا الحفل تم توزيعها مجانًا أدركنا ذلك، وإذا علمنا أن ما تم إنفاقه على إعلانات الحفل كان ملايين الجنيهات أدركنا ذلك، وإذا علمنا أن أربع فرق موسيقية شاركت في إحيائه أدركنا ذلك، وإذا علمنا أنهم يحصلون على تصاريح رسمية بإقامة مثل هذه الحفلات أدركنا ذلك أيضا، وأدركنا أن الأمر أكبر بكثير من مجرد شباب ضائع، أو أكبر من سيدة لبنانية لا ندري ما إذا كان قد تم الإمساك بها أو تكريمها، مع الوضع في الاعتبار أنه تم منعها من قبل في الأردن من إقامة مثل هذا الحفل، وكان قرار المنع يستند إلى أنه يتعارض مع القيم الأردنية.

 

 
المنظمات الصهيونية وفرقة الروك

 

 
المشكلة لا أراها في الحفل الذي نحن بصدده، ذلك أنه وجد استنكارًا شعبيًّا منقطع النظير وقت إقامته، كما لا أراها في حجم الشباب المشارك، ذلك أن معظمهم ليسوا كذلك، هم وجدوا أنفسهم وسط هذا الوباء، كما لا أراها في المجتمع كله، لأننا لسنا أبدًا أمام ظاهرة، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن فيمن يدافعون عن ذلك الذي جرى ويجري، تكمن في هذه الأقلام التي تُروّج للإلحاد على مدار الساعة بزعم مواجهة الإرهاب، تكمن فيمن يرون أن ذلك حرية شخصية، دون أن يضعوا في الاعتبار أن الهدف هو تسطيح هذا المجتمع أو ذاك، وضربه في أعز ما يملك، وهو الشرف والفضيلة والأخلاق، ولن نقول الدين، ذلك أن الدين أصبح يمثل أرتكاريا أو فوبيا لدى البعض من مناصري ذلك الضياع.

 

 
أعتقد أن قرارات رسمية بفتح تحقيق في مثل هذه الممارسات، تمثل انتصارًا للقيم، تمثل رسالة بأن الأنظمة الرسمية ترفض ذلك، تمثل رسالة للخارج بأنه لن يُسمح بذلك أبدًا، وخاصة أن أصابع الاتهام في الأردن أشارت إلى أن الموساد الإسرائيلي ومنظمات صهيونية هي التي تقف خلف فرقة “الروك” تحديدًا التي تشارك في هذه الحفلات، لذا فإن التحقيقات الرسمية من المفترض أن تتوصل إلى الكثير في هذا الشأن، ليس فيما يتعلق بالفرق الموسيقية فقط، أو الشذوذ فقط، فهما مجرد بداية، وإنما فيما يتعلق بالإلحاد، تلك الظاهرة الآخذة في التنامي، في غياب منظومة دينية وإعلامية قادرة على المواجهة.

 

 
ربما من خلال هذه القضية فقط، ندرك أن الشيخ عبد الله رشدي دخل عش الدبابير، ذلك العش الدولي الماسوني الخطير، ومن ثم فإن استهدافه يصبح أمرًا طبيعيًّا كان يجب أن يتوقعه هو شخصيًّا، ونتوقعه نحن أيضًا، إلا أن ما يدعو إلى الطمأنينة هو حالة الوعي التي أبداها الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي استغل فيه المرجفون والأغبياء الموقف للتشهير بالرجل حسبما اعتادوا في مثل هذه المواقف، وهو أمر اعتاد عليه الرأي العام أيضًا، إلا أن ثلاثية استقطاب الشباب سوف تظل تمثل خطرًا كبيرًا على المنطقة في ظل تلك التوجهات -المضطربة دينيًّا- الحاصلة الآن، بما يجعل الأزمة أكبر من رجال الدين.
 
نقلا عن: الجزيرة مباشر