حالة من الغموض تغلف الاستعدادات التي أعلنت عنها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مصر المملوكة للمخابرات تمهيدًا لإطلاق قنوات القاهرة الإخبارية وهي عبارة عن 3 قنوات إخبارية دولية وإقليمية في نوفمبر المقبل، تضم قناة إخبارية دولية وأخرى اقليمية بجانب إطلاق قناة إكسترا الحدث وتطوير قناة CBC إكسترا الإخبارية التي تبث منذ سنوات.
وتشير مصادر من داخل الشركة – رفضت الإفصاح عن هويتها - أن هناك تعليمات عليا من كبار المسؤولين في الشركة بعدم الإفصاح عن أي تفاصيل تخص القنوات الجديدة في الوقت الحالي، مع التنبيه على وسائل الإعلام المحلية بعدم نشر أي شيء يخص القناة إلا البيانات الرسمية، وتقارير مؤيدة لإنشائها، وأن تجري الاستعدادات لافتتاحها المرتقب في سرية كاملة بعيدًا عن أعين وسائل الإعلام بما فيها الوسائل الحكومية، مثل المؤسسات الصحفية القومية التابعة للدولة وكذلك التليفزيون الحكومي، فضلًا عن القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية المملوكة للشركة المتحدة نفسها.
وكانت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أعلنت في مؤتمر صحفي عقدته في السادس من يوليو الحالي عن إطلاق قناة إخبارية جديدة بهدف الارتقاء بمستوى المحتوى الإعلامي في جميع المجالات الإعلامية، وعلى رأسها المجال الإخباري، كما أعلنت الشركة عن تدشين قطاع أخبار المتحدة، وهو أحد أكبر القطاعات الإخبارية في الشرق الأوسط، ويضم قناة أخبار دولية يجري الإعداد لإطلاقها بالتزامن مع انعقاد مؤتمر المناخ، الذي تستضيفه مصر في نوفمبر المقبل، وأوضحت أن القطاع يضم أيضًا قناة أخبار إقليمية يجري التحضير لها بالتعاون مع كبرى بيوت الخبرة العالمية، فضلًا عن تطوير شامل لقناة إكسترا نيوز، والبناء على النجاحات التي حققتها في الفترة الماضية، وإطلاق قناة إكسترا الحدث.
وذكرت تقارير صحفية أن قناة الأخبار المقصودة كان مخططًا إطلاقها في الربع الأول من العام الجاري 2022، لكن تم إيقاف العمل بها قبل فترة من موعد الإطلاق لاعتبارات تمويلية، قبل أن تعود للظهور بعد زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للقاهرة، في 20 يونيو الماضي، حيث عقد اتفاقًا على هامش الزيارة يقضي بتعاون الشركة المتحدة مع فريق من المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام في إطلاق القناة، حيث تضع الأخيرة خطة إنتاجها وتتكفل بنظام التشغيل وتكنولوجيا البث بتقنيات عالية الجودة وتدريب أطقم العمل، على أن تتحمل الشركة المتحدة الهيكلة المالية الجديدة للعمالة، ويفعل الاتفاق في أغسطس المقبل بعد اكتمال الإنشاءات داخل "المبني 19" المخصص للقنوات الإخبارية داخل مدينة الإنتاج الإعلامي.
لكن مصادر داخل الشركة المتحدة قالت إن التعاون مع الجانب السعودي في إطلاق القناة لم يدخل حيز التنفيذ وليس لديهم معلومات حول شكل هذا التعاون وحدوده، مؤكدين أن كوادر الشركة المتحدة هي التي تتولى بمفردها التجهيز للقنوات الثلاث، كما أن ميزانية المشروع التي تسربت إليهم تتحملها المتحدة للخدمات الإعلامية وحدها ولا ذكر لتمويل سعودي، وفقًا لـ"عربي بوست".
خلافات داخلية
حالة التكتم المفروضة بتعليمات عليا، أرجعتها المصادر إلى خلافات عميقة وعنيفة -بحسب وصفها- بين أجنحة داخل جهاز المخابرات حول السيطرة على القنوات الجديدة، التي خصص لها بحسب نفس المصادر ميزانية مبدئية قدرت بملياري دولار أمريكي (38 مليار جنيه مصري) مع توقعات بأن تصل الميزانية إلى عشرة مليارات دولار خلال الشهور الأولى بعد إطلاق القناة الدولية التي يعول عليها لتكون منافسًا قويًا لقناة الجزيرة القطرية التي تعتبرها المخابرات المصرية وسيلة الإعلام العربية الأكثر إزعاجًا لمصر منذ ظهورها منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
وذكرت المصادر أن المشروع الإخباري الجديد المتمثل في القنوات الثلاث وإنشاء قطاع ضخم للأخبار يعد - بحسب ما أعلن - هو الأضخم في الوطن العربي، لا يمثل جوهر الخلاف بين الأجنحة داخل المخابرات العامة، ولكنه مجرد حلقة جديدة في مسلسل الصراع المستمر منذ سنوات، بين ما يطلق عليهم جبهة اللواء عباس كامل (رئيس جهاز المخابرات الحالي) ومحمود السيسي نجل الرئيس المصري، وبين الحرس القديم من وكلاء ومسؤولي الجهاز الذين لا يدينون بولاء لكامل والسيسي الابن كونهما من خارج الجهاز من الأصل، بسبب محاولات الاثنين المستمرة لتهميش من يوصفون بالحرس القديم والعمل على إحلال مسؤولين جدد بدلًا منهم من خارج الجهاز ممن يدينون بالولاء لهما.
وأشارت المصادر إلى أن استمرار الصراع وارتفاع حدته في بعض الأحيان هو السبب وراء التغييرات المستمرة في قيادات وسياسات الشركة المتحدة للإعلام، بإقصاء أشخاص مقربين من جناح بعينه وتعيين آخرين محسوبين على جناح آخر، وهو ما حدث في أكثر من مرة سابقة، بداية من سحب الشركة من مالكها الأول رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة الذي كان محسوبًا على رئيس المخابرات السابق اللواء خالد فوزي، وتمت الإطاحة به من الشركة وقت أن كانت تحمل اسم إعلام المصريين، ما اعتبره كثيرون داخل الجهاز في ذلك الوقت إشارة إلى تراجع نفوذ فوزي لصالح الجناح الذي كان مدعومًا من نجل السيسي، وكان آخر ضحايا هذا الصراع المنتج تامر مرسي الذي أقيل من رئاسة مجلس إدارة الشركة المتحدة صيف العام الماضي 2021 بدعوى الإنفاق الضخم غير المبرر على الإنتاج الدرامي، رغم أن هذا كان يتم تحت سمع وبصر وبرضا المسؤولين في المخابرات!
أما بخصوص الصراع على مشروع القناة الإخبارية، فقد ظهر في تبني بعض وسائل الإعلام خطابًا هجوميًا على المشروع دون تفاصيل ودون أسماء، أو الهجوم على أشخاص غير مدعومين من الأجهزة السيادية بحجة أنهم يدعون لإنشاء مثل هذه القناة.
وأشارت المصادر في هذا الصدد إلى مقال رأي نشرته جريدة الأخبار التي يرأسها خالد ميري، وهو أحد المحسوبين على جهاز المخابرات العامة، يهاجم دعوة عميد كلية الإعلام السابق سامي عبد العزيز لإنشاء قناة مصرية إخبارية دولية، وتهكم المقال الذي لم يحمل اسم كاتبه في مفارقة غريبة ولافتة على تخصيص مليارات الجنيهات لإنشاء قناة إخبارية في وقت تحتاج فيه الدولة تلك الأموال لدعم اقتصادها وتدبير السلع الغذائية التي يحتاجها الشعب، والمثير أن المقال المجهل من اسم صاحبه تم سحبه من الموقع الإلكتروني للجريدة بتعليمات عليا.
السيسي أبدى انزعاجه من عدم وجود قناة مصرية دولية
مسؤول سابق في المتحدة للإعلام قال إن مشروع القنوات الإخبارية الذي يجري الحديث عنه موجود منذ سنوات، وتحديدًا منذ انتقال ملكية الشركة المتحدة إلى جهاز المخابرات بشكل مباشر عام 2016، لكن الكلام وقتها كان يدور حول إنشاء قناة إخبارية دولية تكون بمثابة صوت مصر في الفضاء العربي، وتصبح ندًا لقناة الجزيرة وقنوات الإخوان التي كانت تبث من تركيا، لكن المشروع تعثر أكثر من مرة بسبب ضعف احترافية القائمين على الشركة المتحدة من عناصر المخابرات، ووجود صراعات مستمرة بين الأجنحة داخل المخابرات، فضلًا عن مقاومة الجهاز ككل محاولات العقيد أحمد شعبان الذي كان مديرًا لمكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي وصديقًا مقربًا لنجله محمود السيطرة على الشركة كجزء من سيطرته على ملف الإعلام في مصر بشكل عام.
وأضاف قائلًا أن مشروع إطلاق قناة إخبارية دولية كان استجابة لرغبة متكررة من "قائد الانقلاب" عبد الفتاح السيسي الذي عبَّر في أكثر من مناسبة عن انزعاجه مما تبثه قناة الجزيرة القطرية وقنوات الإخوان التي تبث من تركيا في ذلك الوقت ضد مصر، بينما لا تملك القاهرة منبرًا إعلاميًا واحدًا يمكنه أن ينقل وجهة نظر النظام المصري إلى المشاهدين العرب ويرد على ما "تفتريه القنوات المعادية لمصر"، حسب زعمه، مما دفع الجهاز بالتعاون مع جهة سيادية أخرى لإنشاء قناة إخبارية تحت مسمى "دي إم سي"، عام 2015 كان يفترض بها أن تكون دولية، لكن ما حدث أن القناة لم ترَ النور رغم أنها استمرت في التشغيل التجريبي ما يقرب من 4 سنوات بفريق عمل كامل تحت قيادة إعلامية معروفة من قطاع الأخبار في التليفزيون المصري، وتكلفت كما تردد ما يقرب من مليار جنيه مصري متمثلة في رواتب أطقم العمل طوال هذه السنوات، قبل أن يتقرر بشكل نهائي تصفيتها لأسباب غير معلومة.
أما بخصوص القناة المزمع إطلاقها قبل نهاية العام الحالي، فقال المسؤول السابق إن كل ما يتردد حول هذا الأمر سابق لأوانه، مشيرًا إلى أنه يملك معلومات شبه مؤكدة من داخل الشركة بأن موعد إطلاق القناة وهيكلتها الإدارية لا يزالان خاضعين للجدال أو لنقُل الصراع بين قوى مؤثرة داخل الشركة وكذلك داخل أجهزة سيادية مهمة، وأن الصور التي تنشر عن التجهيزات الفنية التي تجري على قدم وساق في مدينة الإنتاج الإعلامي مبالغ فيها، وهي جزء من حملة إعلامية يشرف عليها أحد الأجنحة المتصارعة لكسب الرأي العام في معركته للضغط على الأطراف الراغبة في تأجيل الإطلاق لحين الاتفاق على كافة تفاصيل المشروع، ومنها إبعاد الصحفي أحمد الطاهري الذي تم تعيينه رئيسًا لقطاع الأخبار في المتحدة للإعلام ومشرفًا على القنوات الجديدة.
يُذكر أن قائد الانقلاب السيسي اعتاد على انتقاد الأداء الإعلامي في العديد من المناسبات، آخرها في السادس من يوليو الحالي؛ حين انتقد في تصريحات متلفزة خلال افتتاح عدد من المشروعات الرقمية تقاعس القنوات المصرية العامة والخاصة عن متابعة المشروعات التي تقوم بها الدولة، واكتفاء تلك القنوات ببرامج الطبخ متسائلًا في استنكار: "هو إحنا مستنيين حد يعلمنا إزاي ناكل؟"، وفي نفس اليوم أعلنت الشركة المتحدة عن إطلاق مشروع القطاع الإخباري والقنوات الإخبارية الثلاث.