ممدوح الولي:


في عام 2020 بلغ عدد السفن المترددة على الموانئ المصرية 11 ألفا و392 سفينة، وتضمن التوزيع النسبي لنوعيات تلك السفن استحواذ سفن الحاويات على نسبة 38% من العدد الإجمالي، ثم جاءت 24% لسفن البضائع العامة التي تنقل الحاصلات الزراعية والورق والبلاستيك والسكر وغيرها، و14% لسفن الصب الجاف التي تنقل الخامات التعدينية والحبوب والفحم والأسمدة وغيرها، و8% لسفن الركاب، و7% لسفن الصب السائل التي تنقل البترول الخام ومشتقاته كالمازوت والغاز الطبيعي، و9% لأنواع السفن الأخرى.


ومع تصدر نصيب سفن الحاويات محليا ودوليا منذ سنوات، قامت الحكومة المصرية منذ عام 1984 بإنشاء شركات متخصصة في تداول الحاويات بالموانئ المصرية، تقوم بشحن وتفريغ سفن الحاويات، وذلك بإنشاء شركتي الإسكندرية لتداول الحاويات وبورسعيد لتداول الحاويات عام 1984، وشركة دمياط لتداول الحاويات عام 1986.


ومع إنشاء وزارة لشركات قطاع الأعمال العام أُتبعت شركات الحاويات الثلاث لقطاع الأعمال العام منذ عام 1991 وحتى الآن. وبتتبع أداء تلك الشركات من خلال صافي أرباحها بعد الضرائب طوال ثلاثين عاما، ممتدة بين العام المالي 1991/ 1992 والعام المالي الأخير 2020/ 2021، تبين استمرار ربح الشركات الثلاث طوال هذه المدة من دون انقطاع فى أي سنة من تلك العقود الثلاثة.


بل استمر الارتفاع التدريجي لأرباح تلك الشركات، ففي الإسكندرية للحاويات استمر الصعود للأرباح طوال 27 عاما فيما عدا تراجع قيمة الربح قليلا في عامين فقط خلال تلك السنوات، حيث بدأت بربح 27.5 مليون جنيه عام 91/ 92 حتى وصلت إلى 2.4 مليار جنيه في العام المالي 2017/ 2018.


وفي شركة دمياط بدأ الربح مع الانضمام إلى قطاع الأعمال العام بنحو 18 مليون جنيه واستمر حتى وصل إلى 1.158 مليار في العام المالي 17/ 18.


وفي شركة بورسعيد بدأ الربح بنحو 6.4 ملايين جنيه واستمر حتى وصل إلى 911 مليون جنيه في العام المالي 18/ 19.


  تمويل ذاتي للاستثمارات بالشركات الثلاث


وانعكست تلك الأرباح على قيام الشركات الثلاث بتمويل استثماراتها ذاتيا بشراء الأوناش والمعدات ونحو ذلك، دون الاقتراض من البنوك حيث خلت القوائم المالية للشركات الثلاث في العام المالي 2020/ 2021 من أيّ قروض طويلة الأجل من البنوك، بل إن شركة الإسكندرية أقرضت شركتين ملاحيتين.


وخلال الثلاثين عاما بلغ صافي أرباح شركة الإسكندرية للحاويات 15 مليار جنيه، وشركة دمياط 7.17 مليارات جنيه وشركة بورسعيد 6.15 مليارات جنيه، ليصل مجمل أرباح الشركات الثلاث إلى 28.3 مليار جنيه خلال الثلاثين عاما بمتوسط سنوي يبلغ 944 مليون جنيه، وجاء ارتفاع نصيب شركة الإسكندرية عن الشركتين الأخريين، بسبب عملها بميناءي الإسكندرية والدخيلة، وعدد أرصفة الحاويات التي تعمل بها في الميناءين البالغ 11 رصيفا بأطوال تصل إلى 2487 مترا، وبسبب النصيب الأكبر للميناءين من مجمل التجارة الخارجية المصرية.


أما شركة دمياط للحاويات فتعمل بميناء دمياط فقط من خلال أربعة أرصفة بأطوال 1050 مترا، وتعمل شركة بورسعيد للحاويات بميناء غرب بورسيعد فقط من خلال ثلاثة أرصفة بأطوال 350 مترا، علاوة على عملها في الميناء البري بالعاشر من رمضان.


وساهمت تلك الأرباح في وجود استثمارات بتلك الشركات، حيث تساهم شركة الإسكندرية للحاويات بنسبة 44% من رأسمال ثلاث شركات للتوكيلات الملاحية هي: ممفيس، وأمون، وأبو سنبل وطيبة، بالإضافة إلى ثلاث شركات أخرى، كما ساهمت شركة دمياط بالمصرية للمشروعات المتكاملة، وترجمان جروب. كذلك تساهم شركة بورسعيد في شركة ترجمان جروب ودمياط للحاويات والملاحة الوطنية، علاوة على شراء الشركات للسندات الحكومية.


 عروض للمشاركة بالشركات من 2006


ومع هذه الأرباح المستمرة والمتزايدة قدمت أربع شركات عالمية عروضا للمشاركة في هذه الشركات من خلال زيادة رؤوس أموالها عام 2006، لكن الأمر لم يتم، وظلت الشركات تتبع قطاع الأعمال العام ومملوكة لجهات حكومية ما عدا نسبة 5% من رأسمال الإسكندرية للحاويات مع دخولها للبورصة عام 1995 خلال موجة الخصخصة حينذاك، واستمر ذلك الحال حتى الربع الأول من عام 2018 حين أدرجت الحكومة شركات الحاويات الثلاث ضمن برنامج طرح شركات حكومية بالبورصة.


ودار الحديث وقتها عن طرح نسبة 15% من شركة الإسكندرية للحاويات ثم تم رفعها إلى 20%، وسافر فريق الترويج لذلك الطرح إلى عدة دول منها إنجلترا والإمارات مع الإعلان عن زيادة النسبة المطروحة إلى 30% عام 2019، لكن اللجنة الوزارية المسؤولة عن برنامج الطروحات قامت فى فبراير 2021 باستبعاد الشركة من برنامج الطروحات، حتى كان بيع نسبة 30% من أسهم الشركة لأحد الصناديق السيادية بأبوظبي في أبريل الماضي بقيمة 159 مليون دولار.


وجاء إعلان كامل الوزير وزير النقل خلال شهر مايو الماضي عن طرح شركات الحاويات الثلاث بالبورصة، وهو ما يقتضي التعرف على خريطة المساهمين بتلك الشركات حاليا، فشركة الإسكندرية مملوكة للشركة القابضة للنقل البحري والبري بنسبة 55% من رأسمالها، والشركة القابضة بأبوظبي بـ30% وهيئة ميناء الإسكندرية بحوالي 10%، بعد تنازلها عن نسبة الثلاثين التي اشترتها الشركة الإماراتية، والتداول الحر بالبورصة بـ5%.


وفي شركة دمياط للحاويات تمتلك الشركة القابضة للنقل البحري نسبة 42% من الأسهم، وهيئة ميناء دمياط 25%، وشركة القناة للتوكيلات الملاحية 20%، وشركة دمياط للملاحة والأعمال البحرية حوالي 5% وشركة بورسعيد للحاويات 3%، ويملك آخرون من القطاع الخاص 5%.


أما شركة بورسعيد للحاويات فتمتلك الشركة القابضة للنقل نسبة 41% من أسهمها، وهيئة المنطقة الاقتصادية لإقليم قناة السويس 38.5%، وشركة القناة للتوكيلات الملاحية 20.4%، ويملك أفراد 1%.


 منافسة محلية وإقليمية قللت الإيرادات


ويثير توقيت اعتزام بيع أسهم شركات الحاويات بعض التساؤلات، في ظل تراجع إيرادات الشركات الثلاث خلال السنوات المالية الثلاث الأخيرة، حيث انخفضت إيرادات شركة الإسكندرية من أكثر من 3 مليارات جنيه في العام المالي 2017/ 2018، تدريجيا خلال السنوات المالية التالية حتى بلغت 2.4 مليار جنيه في العام المالي الأخير.


وهو ما أثر في تراجع صافي أرباحها من 2.4 مليار جنيه في العام المالي 2017/ 2018 تدريجيا، حتى بلغ 1.4 مليار في العام المالي الأخير، وإن كانت أرقام أرباحها خلال الشهور التسعة الأولى من العام المالي الحالي، تشير إلى توقع زيادة أرباحها على 1.6 مليار جنيه في العام المالي الحالي.


وفي شركة دمياط تراجعت الإيرادات من 1.6 مليار جنيه في العام المالي 2018/ 2019 تدريجيا، لتصل إلى 1.2 مليار في العام المالي الأخير وهو ما انعكس على تراجع صافي أرباحها من 1.157 مليار جنيه في العام المالي 2017/ 2018 تدريجيا، حتى بلغ 528.5 مليون جنيه في العام الأخير.


وفي شركة بورسعيد تراجعت الإيرادات من 1.4 مليار في العام المالي 2018/ 2019 تدريجيا، حتى بلغت مليار جنيه في العام المالي الأخير، وهو ما أدى إلى تراجع صافي أرباحها من 911 مليون جنيه في العام المالي 2018/ 2019 تدريجيا، حتى بلغ 475 مليون جنيه في العام المالي الأخير.


وتتعدد الأسباب المحلية والخارجية لتراجع عدد الحاويات التي قامت الشركات الثلاث بتداولها، مما أثر في إيراداتها وأرباحها، ومنها المنافسة بين شركات الحاويات العاملة بالموانئ المصرية، ففي مينائي الإسكندرية والدخيلة تعمل أيضا شركة الإسكندرية للمحطات الدولية، وهي شركة غير حكومية تعمل منذ عام 2006 وتحوز حوالي نصف حاويات الميناءين.


مع وجود 6 شركات حاويات، 4 قادمة


وفى ميناء شرق بورسعيد تعمل شركة قناة السويس المملوك غالب أسهمها لشركتين هولندية وصينية وتعمل منذ عام 2004، وهو الميناء الذي تصل طاقته التصميمية إلى 5.4 ملايين حاوية، أي نصف طاقة الحاويات بكل الموانئ المصرية، وهناك كذلك شركة موانئ دبي التي تدير محطة الحاويات بميناء السخنة.


وفي العام المالي 2020/ 2021 بلغ عدد الحاويات المتداولة بالشركات الثلاث 2.435 مليون حاوية، أي حوالي ثلث الحاويات المتداولة بالموانئ المصرية، موزعة بين مليون و88 ألف حاوية بشركة دمياط و839 ألف حاوية بشركة الإسكندرية و508 آلاف حاوية بشركة بورسعيد.


وهكذا نجد أنه بينما تصل طاقة الموانئ المصرية الستة التي بها محطات للحاويات 11 مليون حاوية، فإن عدد الحاويات التي تم تداولها في الصادر والوارد معا بتلك الموانئ هو 7.2 ملايين حاوية في العام الماضي أي نسبة 66% من مجمل الطاقة المتاحة، مما أوجد منافسة في رسوم تداول الحاويات.


حيث تقل الرسوم بميناء السخنة كثيرا عن باقي الموانئ، والنتيجة تكدس للحاويات بالسخنة وتدني التشغيل بميناء غرب بورسعيد، وأيضا اتجاه الحكومة لخفض الواردات مع نقص الموارد الدولارية، وارتفاع الرسوم الجمركية، وآثار فيروس كورونا على حركة التجارة، واضطراب سلاسل التوريد العالمية وبقاء كثير من سفن الحاويات عالقا خارج الموانئ المزدحمة بالعالم.


وهو ما أدى إلى نقص وروود الحاويات إلى الموانئ المصرية منذ فترة، حيث بلغ خلال العام الحالي نسبا تتراوح  بين 25 و50%، وهي الحاويات التي يتم استخدامها في التصدير، مما أوجد مشكلة لدى مصدري المحاصيل الزراعية بسبب نقص الحاويات المبردة.


هذا علاوة على المنافسة من موانئ شرق وجنوب البحر المتوسط خاصة في حاويات الترانزيت، مع رخص رسوم ميناء بيريه اليوناني مقارنة برسوم الموانئ المصرية، مما دفع خطوطا ملاحية دولية للانتقال من ميناء شرق بورسعيد إلى ذلك الميناء، ومجيء موانئ حاويات عربية بالسعودية وقطر والإمارات وسلطنة عُمان في مراكز متقدمة بمؤشر أداء موانئ الحاويات بالعالم الذي يعده البنك الدولي بينما تأخر ترتيب موانئ الحاويات المصرية.


ورغم تلك المنافسة المحلية تسعى الحكومة لإدخال ثلاث أو أربع شركات حاويات أخرى خلال الفترة القادمة، حيث يجري التفاوض مع شركات دولية لاختيار إحداها لإدارة محطة الحاويات الثانية بميناء شرق بورسعيد، ويتم حاليا إنشاء محطة حاويات ثانية بميناء السخنة، كما تم تأسيس شركة دمياط أليانس لمحطات الحاويات، مع تحالف من خمس شركات لتشغيل محطة الحاويات الثانية بميناء دمياط، ويجري التفاوض مع شركة موانئ أبوظبي لإنشاء محطة متعددة الأغراض بميناء سفاجا.


نقلا عن: الجزيرة مباشر