أثار زعيم حزب "سترام كورس" اليميني المتشدد الدنماركي راسموس بالودان، بحرقه نسخة من القرآن في لينشوبينغ (جنوب البلاد) السبت الماضي، غضب المسلمين حول العالم، وأشعل موجة من الاحتجاجات والعنف في مملكة السويد الهادئة.

كما أعلنت حركة "سترام كورس" (الخط المتشدد) خطة إحراق نسخ من القرآن في مدينة مالمو، وتطورت الأمور بدخول العديد من الدول العربية والإسلامية على خط التنديد واعتبار ما حدث "إساءة متعمدة للقرآن، واستفزازاً وتحريضاً على المسلمين".

وتعود ظاهرة حرق نسخ من القرآن، وفق ما يقول مراقبون، إلى "تصاعد المخاوف من تنامي خطر إرهاب اليمين المتطرف بأوروبا في ضوء التوترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستمرة"، الأمر الذي "يزيد حدة الاستقطاب داخل المجتمعات الأوروبية"، وفق ما يقول موقع "ستراتفور" المتخصص في الشؤون الجيوسياسية والاستخباراتية.

جدلية مستمرة

والمتابع لأنشطة اليمين المتطرف في أوروبا، يمكنه أن يدرك بسهولة، أن تلك الجدلية المستمرة، بين دعاوى حرية التعبير من جانب، والاتهامات بازدراء المقدسات الدينية من جانب آخر، ما تلبث أن تهدأ في بقعة أوروبية حتى تندلع في بقعة أخرى، وفقًا لـ"BBC".

حدث ذلك عندما أعادت مجلة (شارلي إيبدو)، الفرنسية الساخرة، نشر رسومها الكاريكاتورية، المسيئة للنبي محمد في سبتمبر من عام 2020، وقد أدى في ذلك الوقت إلى احتجاجات عنيفة من قبل متظاهرين مسلمين في أنحاء العالم.

وحدث أيضا في إبريل من العام ،2021 عندما نشر السياسي اليميني الهولندي المتطرف، "خيرت فيلدرز"، زعيم حزب الحريات اليميني، مقطع فيديو على حسابه على"تويتر" عنون له بعبارة "لا للإسلام لا لرمضان..حرية ، لا للإسلام ".، وهو الفيديو الذي أغضب الجالية المسلمة في أنحاء أوروبا كما أغضب ملايين المسلمين في أنحاء العالم.

ويبدو أن الدنماركي السويدي راسموس بالودان، زعيم حزب "سترام كوكس" أو " الخط الصلب" اليميني المتطرف، يمضي على خطى كل زعماء التيار ذاته في أوروبا، الذين يعتبرون أن العداء للإسلام وللمهاجرين المسلمين، ورقة رابحة لكسب الشعبية في أية انتخابات يخوضونها.

فما الذي نعرفه عن تطور الأحداث في السويد وجذورها؟

عودة إحراق المصاحف

منذ السبت الماضي، وتشهد العديد من المدن السويدية، خروج تظاهرات احتجاجاً على جولة الناشط اليميني المتطرف راسموس بالودان الذي يعتزم الترشح للانتخابات التشريعية السويدية في سبتمبر (لم ينجح بعد في جمع التوقيعات اللازمة)، في السويد حيث يزور الأحياء التي تقطنها نسبة عالية من المسلمين لإحراق نسخ من المصحف فيها.

وقبيل جولته، كانت الشرطة السويدية قد سمحت بتظاهرة بعد ظهر الخميس الماضي، للناشط راسموس بالودان وحزبه المعروف باستفزازاته المناهضة للإسلام، وذلك بعد أن تقدم بطلب مكتوب للحصول على رخصة للتظاهر في خمس مناطق بالعاصمة ستوكهولم لإحراق القرآن في كل منطقة. وفي منشور له على حسابه على "فيسبوك" قال السياسي المتطرف إن "الغرض من التظاهرة السخرية من الإسلام وإهانة النبي محمد".

ووفق ما نقلت وكالة "يورونيوز" الأوروبية، "فإن اختيار راسموس بالودان، المناطق في العاصمة السويدية، لم يكن بشكل عشوائي، بل تركز على الأحياء الفقيرة التي يقطنها عدد كبير من المواطنين ذوي الأصول الأجنبية والمسلمين". ونقلت الوكالة عن راسموس، قوله "نريد أن يستيقظ السويديون. إحدى الطرق لفعل ذلك هي إظهار رد فعل بعض الناس عند إحراق القرآن، يبدو أن الحكومة السويدية تقول للسكان إن الإسلام دين السلام. حسناً، في هذه الحالة، من العدل أن نمنح المسلمين السويديين فرصة لإثبات ذلك".

وكان بالودان حاول دخول السويد في عطلة نهاية الأسبوع التي شهدت تظاهرة مالمو، لكنه أوقِف عند الحدود، وقالت السلطات "إنه منع من دخول البلاد لأنه يشكل تهديداً للمصالح الأساسية للمجتمع".

وبعد دخوله، أحرق راسموس نسخة من القرآن في لينشوبينغ (جنوب البلاد)، بعد أن أحرقت حركته المتشددة نسخة أخرى في مالمو، لتشهد ليلة الأحد إلى الاثنين الماضيين اضطرابات كانت الثانية على التوالي مع اندلاع حريق في إحدى المدارس.

وشهدت العاصمة السويدية ستوكهولم وعدد من المدن السويدية الأخرى اشتباكات عنيفة، على خلفية الموضوع نفسه. ووقعت تظاهرات مماثلة في مالمو، ثالث أكبر مدينة في البلاد، حيث اشتعلت النيران في حافلة وممتلكات أخرى.

وفق إحصاء للشرطة السويدية، يوم الاثنين 18 أبريل، فإن 26 شخصاً من عناصرها أصيبوا و14 مدنياً في الأيام الأخيرة خلال صدامات عنيفة مع متظاهرين احتجوا على تجمعات حركة (سترام كورس).

"راسموس"... قصة تطرف

لم تكن الأحداث الأخيرة في السويد الأولى التي يثيرها راسموس بالودان، المولود عام 1982 لأسرة تحمل الجنسيتين الدنماركية والسويدية، أحد أكثر الشخصيات السياسية الأوروبية المثيرة للجدل، عبر آرائه المتطرفة الشاذة المناهضة للإسلام والمسلمين.

ففي عام 2019، أحرق، بالودان، الذي ينشر تسجيلات على موقع التواصل الاجتماعي "يوتيوب"، مصحفاً ملفوفاً في لحم خنزير مقدد، ما أحدث صداماً بين الجالية المسلمة والشرطة السويدية، وذلك في وقت حظر فيه "فيسبوك" حسابه لمدة شهر بعد أن نشر صورة تربط بين الهجرة والجريمة.

وبعد أيام من منحه جنسية السويد في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، اعتقل بالودان بفرنسا في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته وسجن لمدة شهر ثم تم ترحيله. كما اعتقل خمسة نشطاء آخرين في بلجيكا بعيد ذلك بتهمة السعي إلى "نشر الكراهية" إثر إحراقهم مصحفاً في بروكسل. وحاول بالودان التخطيط لإحراق مماثل للمصحف في دول أوروبية أخرى، بما في ذلك فرنسا وبلجيكا.

وبحسب وكالة الأنباء الرسمية بالسويد، قال بالودان، بعد منحه الجنسية السويدية، إنه "يأمل أن يكون قادراً على تنفيذ كثير من الأنشطة في المملكة الأوروبية الهادئة".

وفي نهاية أغسطس من العام الماضي، كان بالودان وراء إحراق نسخة من المصحف في مدينة مالمو السويدية، ما أدى إلى اضطرابات عنيفة في المدينة أعقاب قرار كانت اتخذته ستوكهولم بإيقافه على الحدود ومنعه من دخول البلاد لمدة عامين.

وتقول شبكة "سي أن أن" الأميركية، "إن الأفكار المتطرفة والشاذة لـ(بالودان) كانت دوماً محل جدل في السويد، فبعد إحراقه القرآن في عام 2020 حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، بتهمة الترويج لآراء عنصرية، كما تعرض المتطرف اليميني إلى محاولات اغتيال، كان أبرزها محاولة للطعن بسكين في يونيو (حزيران) 2020، ما جعله تحت حراسة مستمرة من الشرطة". ويقول مراقبون، إن تزايد ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في السويد خلال السنوات الأخيرة "بات يهدد التعايش في المملكة الأوروبية الهادئة".

وأدين بالودان قبل نحو عامين بنشر مقاطع فيديو معادية للإسلام على وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لحزبه (الخط المتشدد)، كما واجه 14 تهمة منها العنصرية والتشهير والقيادة الخطرة.

وفي عام 2019 كذلك، كان بالودان قد فُصل لمدة ثلاث سنوات كمحام جنائي ومُنع من القيادة لمدة عام. وفي العام ذاته لم يتمكن حزبه من دخول البرلمان الدنماركي في الانتخابات الوطنية عام 2019، إذ حصل على نسبة 1.8 في المئة من الأصوات وهو أقل بقليل من عتبة اثنين في المئة اللازمة لدخول البرلمان.