بعد عامين من الإغلاق وإجراءات قاسية فرضتها السلطات الإيطالية بسبب جائحة فيروس كورونا، يطل شهر رمضان هذا العام وسط انفراجة كبيرة في القيود، وعودة الحياة إلى طبيعتها، وهو ما يشير إلى أن المسلمين في جميع المدن الإيطالية، وتحديداً في القسم الشمالي من البلاد، سيودعون الاحتفالات عن بعد التي لازمتهم لعامين.


في السنوات الماضية، كانت معظم الاحتفالات تتم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، إذ دعا أئمة المساجد إلى إقامة الصلوات والاحتفالات من خلال المشاركة في التطبيقات الإلكترونية، ولكن هذا العام سيتمكن المسلمون من الاستمتاع بإحياء شعائر رمضان، وحضور المناسبات الاجتماعية.


ويعيش في إيطاليا ما يقدر بنحو 4 ملايين مسلم، وفي مدينة ميلانو، أكبر المدن الإيطالية، يقدر عدد المسلمين بنحو 150 ألفاً، يتحدرون من جنسيات مختلفة، وهو ما يشكل فرصة لكل من يزور البلاد للاستمتاع بالأجواء الرمضانية.


يستعد المسلمون في إيطاليا لشهر الصوم قبل قدومه بفترة، حيث تقوم بعض الهيئات والمراكز والجمعيات الإسلامية بدعوة علماء وشيوخ من مختلف البلدان العربية لإحياء هذا الشهر، من خلال الاستماع إلى تجويد القرآن بمختلف المقامات الصوتية.


وهذا العام، وبحسب ما نشره المركز الثقافي الإسلامي في إيطاليا على موقع "فيسبوك"، فقد تمت دعوة نحو 60 إماماً من مختلف الدول الإسلامية. إضافة إلى ذلك، يُعد الإفطار الجماعي بين الجاليات المسلمة في روما ملمحاً بارزاً بهذا الشهر، إذ يحرص المسلمون هناك في هذه المناسبة على الالتقاء والتعارف لتوطيد العلاقات بينهم، وعادة ما تنظم الموائد الجماعية خلال عطلة نهاية الأسبوع.


ومع بدء فصل الربيع في أوروبا، تسعى العائلات إلى التجمع في الحدائق العامة، وتناول وجبات الإفطار معاً، لذا لا تفوتوا زيارة الحدائق العامة عند موعد الإفطار لمشاهدة الطقوس الخاصة بالجاليات العربية، الآسيوية، والأفريقية.


دليل السائح الصائم في أميركا: مساجد وقائمة للأطعمة الحلال
أكثر من ذلك، تقوم بعض المراكز الإسلامية، على غرار المركز الثقافي الإسلامي، بتخصيص يوم لاستقبال الإيطاليين من كل الطبقات والفئات ودعوتهم للإفطار والتحدث معهم والإجابة عن استفساراتهم، ويسمى هذا اليوم بالباب المفتوح.


يتميز شهر رمضان في إيطاليا بطقوسه وعاداته وتقاليده التي تتباين من مجتمع مسلم لآخر، مع الاحتفاظ بعامل مشترك بين كل المسلمين، وهو الجانب الروحي والإيماني وصلاة الجماعة والتراويح، فإن كنتم في زيارة إلى إيطاليا، من المؤكد أنكم ستكتشفون شكلاً جديداً للحياة الرمضانية.


في أحياء ميلانو، كـ"ساماراتي" و"كانوتيلا"، تمتد عربات وأكشاك صغيرة للمأكولات التقليدية، خاصة المأكولات المصرية، على طول الشوارع، حيث سمحت السلطات منذ أعوام ببيع المأكولات عبر عربات الشارع، وهو ما سمح للعديد من أفراد الجاليات العربية بتأسيس مطاعم بسيطة للمأكولات الشعبية.


أما في شارع العرب، المتاخم لمنطقة "دومو" أو وسط البلد، فمئات المطاعم العربية تفتح أبوابها عند الساعة السابعة وحتى منتصف الليل، المطبخ العراقي، اللبناني، والفلسطيني، من المطابخ الحاضرة بقوة هناك.


ما يميز ميلانو عموماً أن جميع المطاعم تقريباً تفتح أبوابها عند الساعة السابعة تقريباً، ويمكن للصائم حتى تذوق الأطعمة الإيطالية عند موعد الإفطار.


نشر التقاليد

كثيرة هي الأحياء الشعبية التي تحتضن مئات العائلات العربية والإسلامية سواء في روما أو ميلانو، والتي تحتفل بقدوم الشهر الأهم عند المسلمين.


صحيح أن الاحتفالات تقتصر فقط على تنوع الأطعمة الرمضانية، ولا تتجاوزها إلى تزيين الأحياء الشعبية، إلا في بعض المناطق، وأبرزها "تورين"، إلا أن محاولات السكان إحياء هذا الشهر تدخل الفرح إلى قلوب الزائرين والسياح، وخاصة أن العديد من اللجان الشعبية في هذه الأحياء سعت إلى إدخال بعض المفاهيم الخاصة برمضان إلى الثقافة الأوروبية، وإن بشكل مختلف.


فعلى سبيل المثال، يمر الطبال في الشوارع عند الغروب دون استخدام طبلته، فقط يتجول بثيابه التقليدية، ويوزع بعض السكاكر على الأطفال. إضافة إلى ذلك، نقل العرب بعض العادات من بلادهم، فعلى سبيل المثال، تقوم السيدات بإرسال طبق من فطورهن إلى الأصدقاء والجيران من مختلف الجنسيات لتعريفهم إلى ثقافتهن وتقاليدهن.


أماكن للصلاة

تتنوع أماكن الصلاة في إيطاليا، على اعتبار أن المساجد منتشرة بشكل كبير في أرجاء البلاد، ولكن إن كنتم تحديداً في روما، فلا بد من زيارة المسجد الكبير، ليس لأداء الصلاة فقط، بل أيضاً لاكتشاف الوجه الآخر للمسجد.


يعد الأخير تحفة فنية، وقد تم تصميمه بالاشتراك ما بين معماريين عراقيين وإيطاليين، ما جعله يبدو تحفة فنية، تجمع ثقافة بلاد الرافدين والفن الباروكي الإيطالي القديم. المسجد يقدم سلسلة من الاحتفالات الخاصة بالشهر الكريم، خاصة للأطفال.


إذ يسعى إلى تنويع النشاطات الترفيهية، وإقامة مسابقات في الفن والرسم، وتوزيع العديد من الجوائز. اللافت أن هذا المسجد بات مقصداً للعديد من الزوار، وحتى للسكان المحليين، للانخراط في العديد من الفعاليات.


هذا العام، وبحسب ما نشرته صحف إيطالية محلية، فقد هنأت الحكومة المسلمين بحلول شهر رمضان، وقامت العديد من المؤسسات الخيرية بالتعاون مع المراكز الثقافية الإسلامية بتوزيع وجبات مجانية على الصائمين خلال الأيام الأولى من الشهر.