أسامة جاويش:


قبل أيام، ذهب عبد الفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية حيث التقى بالملك سلمان بن عبد العزيز ونجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. جاءت الزيارة غير المجدولة في وقت حرج، حيث تمر مصر بأزمة اقتصادية وتضخم في الأسعار ونقص حاد في احتياطيات العملة، ما طرح العديد من الأسئلة عن أسباب ودوافع تلك الزيارة في هذا التوقيت تحديدا.


فلوسهم زي الرز، تلك العبارة الشهيرة التي وصف فيها السيسي دول الخليج وأموالها الطائلة في أحد التسريبات الصوتية التي أذعتها عام 2015، وكشفت عن رؤية السيسي للأنظمة الخليجية وتحديدا في السعودية والإمارات، فما هي إلا أكياس ممتلئة بالأموال أو بالرز كما وصفه السيسي..


أدى الغزو الروسي لأوكرانيا والرد الغربي بفرض عقوبات على موسكو إلى جعل سعر النفط يقترب من الرقم القياسي القياسي البالغ 150 دولاراً للبرميل. بصفتها مستورداً صافياً للنفط، بلغت واردات مصر من النفط والمشتقات البترولية في العام الماضي (2021) 5.3 مليار دولار مقابل 8.6 مليون طن، في حين تراوح سعر خام برنت بين 30 دولاراً و85 دولاراً للبرميل.


مع بداية الحرب الروسية ضد أوكرانيا بدأت مصر تستشعر الخطر الكبير فيما يتعلق بنقطتين؛ الأولى أن مصر تعد أكبر مستورد للحبوب في العالم، حيث يأتي 88 في المائة من واردات القمح من البلدين المتحاربين، روسيا وأوكرانيا. أما الخطر الآخر فيما يتعلق بأعداد السياح القادمين إلى مصر، حيث احتلت روسيا وأوكرانيا المرتبتين الأولى والثانية في عدد السياح..


خلال السنوات القليلة الماضية، اعتمدت مصر التي تعاني من ضائقة مالية على أذون الخزانة لتمويل ميزانيتها، وحافظت على سعر صرف ثابت تقريباً عند حوالي 15.7 جنيه مصرياً للدولار. بمجرد إعلان الحرب، تم توجيه المستثمرين لبيع سندات بقيمة حوالي 1.2 مليار دولار. في الوقت نفسه، توقع جي بي مورجان أن تخفض مصر سعر الجنيه إلى 17 جنيهاً للدولار.


ولكن يبدو أن مصائب قوم عند قوم فوائدهم، فهناك في الخليج تعيش كثير من الدول النفطية أسعد أيامها بسبب ارتفاع أسعار الغاز والنفط، ولأن الحرب أوقفت الاتفاق النووي الوشيك بين الغرب وإيران. ستمنح الشروط إيران، الخصم الرئيسي لأكبر دولة في الخليج؛ المملكة العربية السعودية، طفرة اقتصادية وتحسين صورتها الدولية كدولة مسالمة، وستتمتع دول الخليج بالازدهار المالي وستبقي خصمها تحت السيطرة القاسية للعقوبات.


تاريخياً، كان الخليج أحد المانحين الرئيسيين لمساعدة مصر على التعافي من مشاكلها المالية، ومع ذلك، كان هناك دائماً ثمن يجب دفعه مقابل هذا الدعم. كان على مصر التمسك بذيول الخليج فيما يتعلق بالسياسات الإقليمية مقابل الدعم المالي. وبلغ هذا الدعم الخليجي ذروته في عامي 2014 و2015 بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح السيسي فيه بأول تجربة ديمقراطية في البلاد، وبلغ إجمالي المساعدات الخليجية للنظام المصري ما يقارب أربعين مليار دولار في أقل من عام.


توترت العلاقة احيانا بين مصر والسعودية ثم عادت إلى ما كانت عليه بعد تنازل السيسي عن تيران وصنافير، ولكن الوضع بين مصر والإمارات لم يكن دوما على وفاق كبير..


التوتر الأخير بين القاهرة وأبو ظبي جاء على خلفية تجاهل الإمارات للمصالح الوطنية لمصر، بعد أن دعمت دولة الخليج رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في الخلاف على تشغيل سد النهضة الإثيوبي الكبير. وزاد التوتر بسبب اندفاع الإمارات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك بناء خط أنابيب بين الخليج وإسرائيل لتجاوز قناة السويس المصرية.


لا يبدو السيسي هو نفس الشخص الذي كان في 2014، هو الآن يملك مساحة للمناورة مع دول الخليج فيما يتعلق بدعمها في ملفات إقليمية ساخنة، كالحرب في اليمن والعلاقة مع إيران والموقف من نظام بشار الأسد، ولكن تطورات الأحداث مع بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا ومع ارتفاع الأسعار الجنوني في مصر وهروب الاستثمارات الاجنبي، باتت تمثل ضغطا داخليا كبيرا على نظام السيسي الذي يمسك بزمام الأمور بالحديد والنار.


وباتت الأسئلة المطروحة على لسان الجميع الآن بسيطة: هل تعود دول الخليج إلى منح مصر دعمها المالي غير المشروط؟ أم أنه من المحتمل ألا يتم تقديم المزيد من الدعم لحليف لم يعد يقدم لأنظمة الخليج ما تريده في الإقليم؟


نقلا عن: عربي21