عامر شماخ


اجتمع المستبدون والطائفيون والعلمانيون والشهوانيون على كراهية كل ما يمتُّ للمشروع الإسلامى بصلة، وهذه الكراهية تدفعهم -بحمق عجيب- إلى إعلان رغبتهم فى استئصال أتباع هذا المشروع، وهم غالبية الشعب؛ ظنًّا أن ذلك يخلى لهم الجو، متناسين أن ذلك وعد الشيطان وأمنيته، وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا.. وقد سبقهم آباؤهم الروحانيون فى هذا الطريق، فهلكوا ولم يحققوا ما أرادوا بعدما انقلب السحر على الساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى..


أقول قولى هذا بعد حفلات الشماتة التى تلت رحيل بعض من طالبوا باجتثاث مواطنيهم، ضاربين بكل القيم الإنسانية عُرض الحائط، فاستحقوا هذه الشماتة، بعدما خالف فعلهم قولهم ولم يردعهم عُرفٌ أو دينٌ أو قانون، وقد تمنوا لو اختفى الإعلام الموازى ووسائل التواصل الاجتماعى حتى ينكِّلوا بخصومهم ما استطاعوا..


ونحن لا نتجنى على أحد، وقد صار كل شىء مسطورًا لا ينفك عن قائله ولو تبرأ منه سبعين مرة، ولعل تجربة الحكم فى 2012 هى ما غاظت هؤلاء الموتورين فأخرجوا خبيئتهم وأعلنوا حقيقتهم، ونظرة سريعة على بعض ما قالوا عقب هذه التجربة تؤكد ما ذهبنا إليه؛ فالإعلامى حسين عبد الغنى يقول: (كثرة الاستدلال بآيات القرآن سبب تخلف مصر)، «خالد يوسف»: (أنا أختلف مع أى أحد يطالب بتطبيق الشريعة أو مرجعيتها؛ لأن الشريعة تدمر الفن وتدخلنا فى دائرة الحلال والحرام)، «عادل حمودة»: (نصحنا بعدم أحقية مصر ولا دبلوماسييها ولا أجهزتها الرسمية بالدفاع عن النبى عندما أساءت إليه وسائل إعلام غربية؛ لأن النبى ليس مصريًّا حتى يحق لوزارة الخارجية أن تدافع عنه)، «حازم عبد العظيم»: (لن نكتفى بالإخوان، وسننهى على الشىء اللى اسمه الإسلام السياسى فى مصر)، «علاء عبد الفتاح»: (يوم 30 يونية يوم سقوط ابن تيمية)، «محمد العدل»: (لن نحذف المشاهد الإباحية من الأفلام، ولو أجبرونا فلا بديل عن حمل السلاح).


وهؤلاء وغيرهم ربائب العسكر وحملة سيوفهم ولسان حالهم، وهم من دعموهم وهيئوا لهم الساحة؛ لأنهم -أى العسكر- رعاة هذه الكراهية وأول من استنَّ خطط الاستئصال وطرق الاجتثاث، والتاريخ واع لا يغيب عنه هفوة، وتحت أيدينا خطة من هذه الخطط، من عهد «عبد الناصر»، جاءت فى نحو عشرين صفحة، ووضعتها الأجهزة السيادية فى حينها، وسُميت «خطة استئصال طويلة المدى» شملت: غسل مخ الإخوان من أفكارهم، منع (عدوى) أفكارهم من الانتقال لغيرهم. وتطلَّب ذلك: محو فكرة ارتباط السياسة بالدين الإسلامى، إبادة تدريجية بطيئة، مادية ومعنوية وفكرية، للجيل القائم من معتنقى الفكرة..


وطالبت الخطة بإدخالهم فى سلسلة متصلة من المتاعب تبدأ بالاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم ويتبع ذلك اعتقالهم. وأثناء اعتقالهم يُستعمل معهم أشد أنواع الإهانة والعنف والتعذيب على مستوى فردى وبشكل دورى حتى يصيب الجميع الدور، ثم يُعاد وهكذا. وفى نفس الوقت لا يتوقف التكدير الجماعى بل يكون ملازمًا للتأديب الفردى. وهذه المرحلة لو نُفذت بدقة ستؤدى إلى ما يأتى: اهتزاز المُثل والأفكار فى عقولهم، وانتشار الاضطرابات العصبية والنفسية والعاهات والأمراض بينهم..


وتستطرد الخطة: وبالنسبة لنسائهم سواء كنّ زوجات أو أخوات أو بنات فسوف يتحررن ويتمردن بغياب عائلهن، وحاجتهن المادية قد تؤدى إلى انزلاقهن. وبالنسبة للأولاد تضطر العائلات لغياب عائلها وحاجتها المادية إلى توقيف الأولاد عن الدراسة وتوجيههم للحرف والمهن، وبذلك يخلو جيل الموجهين المتعلم ممن فى نفوسهم حقد أو ثأر أو آثار من أفكار آبائهم. وفى مرحلة أخرى: إعدام كل من يُنظر إليه بينهم كداعية، ومن تظهر عليه الصلابة سواء داخل السجون أو بالمحاكمات.


وللأسف فإن هذا الفكر الاستئصالى خطر على الدول والجماعات، ومن مهددات الأمن القومى والسلم المجتمعى، وكل تجارب هذا الفكر خلَّفت خسائر باهظة من العنف والانقسام بل الحرب الأهلية، وقد قصّرت عمر الدول وقزمتها بعدما أججت الصراعات وزعزعت الاستقرار. وليتهم يتعظون بمن سبقهم؛ لكن الظالم لا يتعظ وقد أخذته العزة بالإثم، أما التاريخ فيؤكد أنه ما فعل أحدٌ فعلهم إلا حصد ما جنت يداه، أو «على نفسها جنت براقش».


إن فى بلدى الآن نارًا تحت الرماد، وهناك تارات وخصومة، وتوترات لن يطفئها إلا سيف العدالة الذى يقيم المعوج ويرد المظالم لأصحابها، ويفشى السلام بين الناس، ولو لم نفعل لازداد الحال سوءًا ولطلبنا الأمن فلا نجده؛ ذلك أن هذه الأفكار العنصرية لا تجدها فى أى مكوِّن إنسانىٍّ سوىٍّ، فالإسلام يدعو إلى السلام، وينهى عن التنازع والخلاف، وحتى «المواطنة العصرية» فإنها تدعو إلى: الحرية والمساواة والمشاركة.. لكنهم لا يقتنعون إلا بمصالحهم وإن أرغمتهم تلك المصالح على القتل والتنكيل.