رد علماء مغاربة على الهجوم الذي شنه علي جمعة مفتي الدماء على الإمام الشاطبي، معتبرا إياه صحفيا وليس عالما دينيا.

وبينما اكتفى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين العالم المقاصدي الدكتور أحمد الريسوني بنشر جواب مسجل له في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحدث فيه عن عناصر التجديد في اجتهادات الإمام الشاطبي، وفضله في تجميع اجتهادات من سبقه من العلماء وتأطيرها وترسيخها، فقد كتب عدد من العلماء مقالات تنتصر للإمام الشاطبي وتؤكد فضله على الأمة.

وشن المحقق المغربي الدكتور الحسين آيت سعيد هجوما لاذعا على من هاجم الإمام الشاطبي، معتبرا ذلك جزءا من مخطط متكامل هدفه نزع هيبة العلماء من صدور الأمة حتى لايبقي لهم في قلوبهم تقديرا ولا احتراما.

وقال آيت سعيد في مقال له نشره موقع حركة التوحيد والإصلاح المغربية: "في الأيام النكدة هذه كثر الطعن في العلماء والتنقيص من أقدارهم والغمز واللمز لأشخاصهم وتبخيس أعمالهم، ويقع هذا من أدعياء العلم والمعرفة ومن سدنة الباطل ونصرائه ممن حشروا في سلك العلماء وليسوا منهم".

وأضاف: "لم يسلم من ألسنة هؤلاء الشاطبي على جلالة قدره ولا ابن تيمية على علو كعبه واتساع دائرة علمه وفقهه وفهمه ولا العز بن عبد السلام الذي هو سلطان العلماء، وإمام الأئمة ولا العلماء المعاصرون ولا الأحياء ولا الأموات… واللائحة تطول".

وتساءل آيت سعيد عن سبب هذا الهجوم العنيف الذي لا هوادة فيه على هؤلاء الأعلام بالخصوص وليس على مغمورين ولا على علماء من ملل أخرى، وقال: "السبب بالنسبة للمتتبع العارف لا يخفى؛ ذلك أن هؤلاء المتطاولين يخدمون أجندة خاصة لجهات وظفتهم لهذا الغرض ودفعت لهم الأجر مسبوقا، وقد كانوا يخدمون قبل في الخفاء ويظهرون بزي العلماء واليوم خرجوا من الخفاء إلى العلن بإذن من أسيادهم الذين يدفعون لهم دريهمات معدودة".

وأضاف: "قصدهم أمور ثلاثة: أولها إشغال المسلمين بمن مات من علمائهم وأفضي إلى ربه وبمن بقي حيا منهم، وثانيها نزع هيبة العلماء من صدور الأمة حتى لا يبقي لهم في قلوبهم تقديرا ولا احتراما فيسهل عليهم أن يوهموهم أنه لا قدوة لكم ولا أسوة وغرضهم أن هؤلاء الذين تأتمون بهم هذه مثالبهم، وثالثها وهي نتيجة الثانية إسقاط الثقة بالعلماء المعاصرين بالخصوص المخلصين لدينهم وأمتهم الذي لا يزالون في ميدان الدعوة إلى الإسلام ورفع رايته وتوسيع دائرته وتحكيم شريعته"، وفق تعبيره.

من جهته رد الباحث المغربي في الشئون الإسلامية الدكتور رشيد بنكيران على قول علي جمعة بأن الشاطبي كان صحفيا بالقول: "أما من قال عن الشاطبي إنه صحفي شأنه كشأن من يكتب في الإسلاميات على جرائد اليوم فلا ينبغي أن يلتفت إليه، فأصغر طالب علم اليوم في الجامعات يعرف تفاهة هذا الكلام وسفاهة قائله وكذبه. واذا كان الأمر كذلك فالعقلاء لا يردون على الحمقى والسفهاء ومن سقطت عدالته، وخصوصا أن القائل لم يذكر شبهة قوية يخشى على طلبة العلم منها، بل كلامه كان مرسلا مثل زبانية إعلاميي السيسي المعروفين".

وحول من قال إن الشاطبي كان مقلدا، فكتب بنكيران على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قائلا: "أما من قال عن الشاطبي إنه مقلد فإن كان يحكي عما أخبر به الشاطبي واختاره لنفسه في زمانه لمصلحة شرعية ترجحت لديه ـ وهي خشية انحلال عرى المذهب المالكي بل جميع المذاهب، وبالتبع الدين كله، وقد سبقه إلى ذلك الإمام المازري ـ قلت: فهذه مجرد حكاية من القائل وليس حكما على الشاطبي بأنه من أهل التقليد حقيقة ومرتبة".

وأضاف: "وإن كان القائل يطلعنا على رأيه في المستوى العلمي للشاطبي وأن علمه لا يخرجه عن دائرة المقلدة فنحن أمام مقالة تضعنا أمام جهل مركب وواقع مختل. فأما الجهل المركب فيتعلق  بتحديد من هم المقلدة، وبالمكانة العلمية للإمام الشاطبي، وأما الواقع المختل فيتجسد في أن علماء هذا العصر قد اجتمعوا على تنظير مقلد ليصنعوا من نظريته تجديدا ونهضة".

وأنهى تدوينته قائلا: "باختصار: إذا لم يكن الشاطبي من أهل الاجتهاد فهل يوجد مجتهد في هذا العصر!؟"، وفق تعبيره.

وكان رواد مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا فيديو، ظهر فيه على جمعة مفتى الانقلاب الدموي مهاجما الإمام الشاطبي بالقول:  "الشاطبى مثل الصحفى الذي يكتب في الإسلاميات.. ده زى الصحفيين بتوعنا، هو ليس مثل العلماء الراسخين كالقرافى والزركشى وابن رشد.. ده كان واحد صحفى ، ولذلك عمر الكتب بتاعته ما ادرست، لكن في الزمن الاغبر ده عملوا حاجة اسمها فقه المقاصد ووصول المقاصد.. حاجة لاتضحك منه الثكلى وتسقط منه الحبلى.. ده مالوش دعوة بالأئمة بتوعنا مثل الرافعى والنووى والزركشى القرافى ارجع لدول مش لحد معتمد"، وفق تعبيره.

والاسم الكامل للإمام الشاطبي هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي، من علماء الأندلس، (ولد بغرناطة).. تتلمذ على يد عدد من العلماء من أبرزهم أبو عبد الله محمد بن فخار البيري، أبو جعفر أحمد الشقوري: الفقيه النحوي الفرضي، وأبو سعيد فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي مفتي غرناطة وخطيب جامعها والمدرس بمدرستها النصرية، وأبو عبد الله محمد بن علي البلنسي الأوسي مؤلف تفسير كتاب (في مبهمات القرآن)، أبو عبد الله محمد بن أبي الحجاج يوسف بن عبد الله بن محمد اليحصبي المعروف باللوشي، وأبو عبد الله الشريف التلمساني: الإمام المحقق أعلم أهل وقته، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المقري (الجد) المعروف بالمقري الكبير، وآخرين.

وقد تتلمذ على يد الإمام الشاطبي الكثير من العلماء الأجلاء الذين شُهد لهم بالفضل في العلم وقد تنوعت علومهم وإبداعاتهم في جوانب شتى من العلم وقد ذكر منهم التنبكتي ثلاثة وهم: أبو يحيى بن عاصم، العلامة الشهيد في ساحة المعركة يوصف بأنه (صاحب الإمام الشاطبي ووارث طريقته)، أخوه القاضي الفقيه أبو بكر بن عاصم صاحب المنظومة الفقهية الشهيرة (تحفة الحكام)، والشيخ الفقيه أبو عبد الله البياني، إضافة إلى أبو جعفر القصار، وأبو عبد الله المجاري.

وقد حظي الإمام الشاطبي، وهو مالكي المذهب، بمكانة علمية رفيعة، وترك مؤلفات كثيرة في مختلف علوم العربية والشرعية، كالنحو والصرف والاشتقاق والأدب والشعر وعلوم الحديث وفقهه والفقه وأصوله التصوف والبدع إلى غير ذلك من علوم.