بقلم: د. حسين شحاتة

إن من يفهم دين الإسلام فهمًا سليمًا، يوقن أنه منهج حياة، دين ودولة، عبادات ومعاملات، شعائر روحانية، وشرائع ربانية، يوازن بين المادة والروح في إطار متوازن، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، فالمادة غذاء للبدن؛ ليقوى على عبادة الله، ومن الخطأ ما يُفهم بأن الإسلام دين صلاة وتسبيح ودعاء فقط، أو ما يقال بأنه لا دخل للإسلام أو الإدارة أو الاقتصاد أو نحو ذلك من شئون الحياة، بل هو أساس كل ذلك.

فمن يتدبر فريضة الصوم يجدها تجمع بين المقاصد الروحية والخلقية والاجتماعية، كما أن لها جوانب اقتصادية، فهي تنمي عند المسلم القيم العقائدية، مثل عقيدة التوحيد، والامتثال والطاعة لأمر الله، واحتساب الأجر والثواب عند الله عز وجل، فقد ورد في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" (رواه البخاري)، كما أن الصوم يغرس وينمِّي لدى النفس الخصال الإسلامية، مثل الإخلاص، والصدق، والأمانة، والخشية، والجود، والكرم، والإيثار، والرّقابة الذاتية، كما يحقِّقُ الصوم كذلك كلَّ معاني التكافل الاجتماعي المتمثل في التراحم والتضامن والتكافل بين الناس جميعًا، ويكون ذلك من خلال الزكاة والصدقات ونحوها.

كما أن لشَعِيرة الصيام جوانب اقتصادية ومحاسَبية تتمثل في الأثر الاقتصادي لصدقة الفطر، وكفارة وفدية الصيام، حيث يسببوا قوةً اقتصاديةً لدى الفقراء، وهذه الجوانب الاقتصادية لها ضوابط شرعية وأسس محاسبية؛ حتى يمكن قياسها وحسابها وفق قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية، ويختص هذا البحث بتناول الجوانب الفقهية والاقتصادية والحسابية لزكاة الفطر وكفارة الصيام، في ضوء آراء الفقهاء واجتهادات العلماء المعتمدة...

الزكاة:

هي الجزء من المال الذي يُعطى للفقراء والمساكين وغيرهم على سبيل الفَرض والإلزام؛ تطهيرًا للنفس والمال؛ وتقوية لروابط التكافل الاجتماعي بين المسلمين وتعاطفهم وتراحمهم، ويُطلق عليها أحيانًا الصدقة، وهي نوعان: زكاة المال وزكاة الفطر.

زكاة الفطر:

هي الزكاة التي تجب بالفطر في رمضان، وهي واجبة على كل فرد مسلم، سواءٌ كان عبدًا أو حرًا، ذكرًا أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، وهي طهرةٌ للصائم من اللغو والرفث وطعمةٌ للمساكين، وهي تطهير للإنسان من عبادة المال، وتطهيرٌ للنَّفس من الشحِّ والبُخل، وهي أيضًا تطهيرٌ للمال؛ مما قد يشوبه من الخبائث، كما هي دواء للمرض، مصداقًا لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "داوو مرضاكم بالصدقة"، وقال: "ما نقص مال من صدقة".

شرعية وحكمة زكاة الفطر:

لقد فُرضت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة، وهي واجبة عند غالبية الفقهاء، وقال بعضهم إنها سنة مؤكدة.

ولقد وردت بشأنها أحاديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعن ابن عباس قال: "فرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طُهرةً للصائم من اللغو والرفث للمساكين، من أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"، كما ورد عنه كذلك "أغنوهم عن ذلّ السؤال هذا اليوم".

يستنبط من الأحاديث السابقة أن زكاة الفطر واجبة عند غالبية الفقهاء، والحكمة منها أنها تطهر الصائم من الكلام الذي لا فائدة منه، وكذلك من القول البذيء الفاحش، كما أنها تساهم في إغناء الفقراء والمساكين عن السؤال في يوم العيد.

الأصناف الواجب إخراجها وما ينوب عنها:

تنوعت آراء الفقهاء في الأصناف الواجب إخراجها كزكاة الفطر:

يقول الحنابلة: الواجب منها خمسة أصناف "التمر والزبيب والبر والشعير والأقط"، وعن الإمام أحمد أنه قال كذلك يجزئ كل حب وتمر يُقتات، ولو لم يُعد من الخمسة،

ويقول الشافعية والمالكية: يخرج أي قوت كان، على أن يكون غالب قوت البلد أو غالب قوت المزكي، ويقول الأحناف: يجوز إخراج القيمة وهو الأفضل.

ولقد تعرض ابن القيم لاختلاف الفقهاء السابقين وخلص إلى أن النبي- صلى الله عليه وسلم- فرض صدقة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير أو صاعًا من أقط، وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة، وأهل البلاد الأخرى إنما عليهم صاع من قوتهم، كمن قوتُهم الذرة أو الأرز أو التين أو غير ذلك من الحبوب فإن كان قوتهم من غير الحبوب كاللبن واللحم والأسماك أخرجوا فطرتهم من قوتهم، كائنًا ما كان، هذا قول جمهور العلماء، وهو الصواب الذي لا يقال بغيره، "إذ المقصود سدّ خلَّة المساكين يوم العيد، ومواساتهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم".

جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر:

اختلف الفقهاء في جواز إخراج القيمة بدل الزكاة العينية على النحو التالي:

قال مالك والشافعي وأحمد: لا يجوز إخراج القيمة، بل الواجب إخراج العين التي وجبت في المال، وقال أبو حنيفة: هو في الاختيار في إخراج العين الواجبة أو قيمتها، وقال ابن تيمية: الزكاة تابعة لمصلحة المعطي صاحب المال ومصلحة الفقير ونفعه، ولا نكلف أحدهما فوق طاقته؛ حتى لا تنتفي السهولة واليسر عن الشريعة، وينتهي بالقول إلى أنْ تقع الزكاة في موضعها اللائق، وتنفق في نفع وسد حاجة المستحقين.

أدلة رأي الأحناف في إخراج القيمة في زكاة الفطر:

ورد عن بعض فقهاء الأحناف أن المعتبر هو الأكثر منفعة للفقير..

فقد ورد في المبسوط: أن إعطاءَ قيمة (الحنطة) جاز عندنا؛ لأن المعتبر حصول الغنى، وذلك يحصل بالقيمة كما يحصل بالحنطة، ويقول أبو جعفر الطحاوي: أداء القيمة أفضل؛ لأنه أقرب إلى منفعة الفقير، فإنه يشتري به للحال ما يحتاج إليه والتنصيص على (الحنطة) و(الشعير) كان لأنها هي المبيعات في ذلك الوقت بالمدينة، فأما في ديارنا فالمبيعات تجري بالنقود وهي أعزُّ الأموال، فالأداء منها أفضل.

وورد في حاشية ابن عابدين: "ودفع القيمة- أي الدراهم- أفضل العين على المذهب، والعلة في أفضلية القيمة كونها أعون على دفع حاجة الفقير؛ لاحتمال أنه يحتاج إلى غير (الحنطة) مثلاً من ثياب ونحوها، ويقول أبو يوسف: "إعطاء الدقيق أولى من (الحنطة)؛ لأنه أعجل بالمنفعة، والقيمة والدراهم أحبُّ إليَّ من الدقيق، وكل ما عجلت منفعته في هذه البلاد فهو أحب إلي، والفتوى على أن دفع القيمة أفضل؛ لأنه أدفع لحاجة الفقير وأكثر نفعًا له".

وخلاصة القول من آراء الأحناف هو اتباع ما هو أنفع لحاجة الفقير، وهذا يختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ولمزيد من التفصيل يُرجع إلى كتاب (فطرة رمضان وجواز إخراج القيمة) للأستاذ "مصطفى فوزي غزال" (من مطبوعات دار السلام للطباعة والنشر)، ولقد أيد رأي الأحناف العديدُ من الفقهاء المعاصرين مثل الشيخ "شلتوت" و"الغزالي" و"القرضاوي" وغيرهم.

حساب مقدار زكاة الفطر:

يقول الفقهاء: إن مقدارَ زكاة الفطر عن الفرد الواحد صاعٌ من طعام أو صاعٌ من أقط أو صاعٌ من شعير أو صاعٌ من تمر أو صاعٌ من زَبيب.. فقد قال أبو سعيد الخدري "كنا إذا كان فينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نُخرج زكاة الفطر عن كل صغير وكبير، وحر ومملوك، صاعًا من طعام، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب.. فلم نزل نُخرجه حتى قدِم معاويةُ حاجًا فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم الناس به أنه قال: "إني أرى أن مُدَّين من سمراء الشام (القمح) تعدل صاعًا من تمر، فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: "فأما أنا فلا أزال أخرجه أبدًا ما عشت".

قياس زكاة الفطر بالمكاييل والموازين المعاصرة:

وإذا قِيس الصاع بالمكاييل المعاصرة يساوي

صاع= أربعة من أحفن الرجل المعتدل

صاع= قدحان بالكيل المصري

صاع= سدس كيلة

وإذا وُزن الصاع بالموازين المعاصرة فإنه يختلف حسب الشيء الموزون، على سبيل المثال يساوي ما يلي:

الصاع من القمح يزِن: 2.176 كيلو جرام تقريبًا.

الصاع من الأرز يزِن: 2.520 كيلو جرام تقريبًا.

الصاع من العدس يزِن: 2.185 كيلو جرام تقريبًا.

الصاع من الفول يزن: 2.250 كيلو جرام تقريبًا.

أي في المتوسط من أغلب الأقوات حوالي2.250 كيلو جرام، والأحوط 2.500 كيلو جرام، وتؤدى زكاة الفطر عينًا من الأصناف المذكورة في الحديث السابق، أو من أغلب قوت الناس في البلد التي يقيم فيه المزكِّي، فعلى سبيل المثال إذا كان أغلب قوت الناس هو الأرز، ففي هذه الحالة يكال الصاع من الأرز ويوزن، فلو فُرض أنه يساوي2.5 كيلو ففي هذه الحالة يقوم المسلم بإخراج 2.5 كيلو من الأرز عن كل فرد، وإذا فرض أنه ليس عنده أرز يستطيع أن يشتريه بماله النقدي ثم يخرجه حسب القيمة.

ولقد سبق أن أوضحنا أن بعض الفقهاء "الأحناف" قد أجازوا أن تؤدى نقدًا، إذا كان ذلك في مصلحة الفقراء والمساكين، ففي هذه الحالة تكون قيمة الصاع من أغلب قوت الناس، وتخرج الزكاة بما يعادل القيمة نقدًا.

على مَن تجب زكاة الفطر؟

تجب زكاة الفطر على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، ويخرجها المسلم عن نفسه، وعمن تلزمه نفقتهم مثل الزوجة والأولاد والخادم وكذلك الوالدين، وهي واجبة عن كل فرد غربت عليه شمس آخر يوم من رمضان، وعلى ذلك من توفي خلال رمضان قبل غروب الشمس آخر يوم في رمضان فليس عليه زكاة الفطر، وكذلك من ولد له مولود في آخر يوم من رمضان فعليه أن يؤدي عنه زكاة الفطر.

شروط وميقات إخراج زكاة الفطر:

من شروط إخراج زكاة الفطر ما يلي:

1- أن يكون المزكي مسلمًا؛ لأنها مرتبطة بالإسلام، وهي عبادة مالية، ومن ثمَّ ليس على الكافر صدقة الفطر.

2- أن يكون لدى المزكِّي قوتُه وقوت من تلزمه نفقتهم ليلة العيد ويومه.

3- تسري على من أدرك آخر يوم من رمضان.

ميقات إخراج زكاة الفطر:

لا يجوز تأخير زكاة الفطر عن يوم العيد، بمعنى أن المسلم يجب أن يُخرجها قبل صلاة العيد، ودليل ذلك قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"، ولقد ورد عن الفقهاء ما يلي:

قال الشافعي: يجوز دفعها في أي يوم من رمضان حتى قبل صلاة العيد.

وقال أبو حنيفة: يجوز تقديمها حتى قبل شهر رمضان وحتى قبل صلاة العيد ما دامت النية عن إخراجها كانت متعلقة بزكاة الفطر.

ويرى ابن حزم: أنها لا تقبل إلا بعد فجر العيد وقبل صلاة العيد.

والرأي الأرجح هو قول الشافعي بحيث إنه إذا دفعت خلال شهر رمضان يستطيع الفقير أو المسكين أن يشتري بها حاجاته الأصلية، ومنها ما يحتاجه يوم العيد من مأكل ومشرب وملبس، وأن يدخل السرور على أولاده، حتى يتمكنوا من أن يفرحوا بالعيد مثل بقية الأولاد، ويجوز إعطاؤها للجمعيات الخيرية الإسلامية لتتولى هي- بما لديها من معلومات عن الفقراء والمساكين- أن تدفعها نيابةً عن المزكِّي.

ولقد ورد عن الصحابة- رضوان الله عليهم- أنهم كانوا يخرجونها في النصف الأخير من شهر رمضان، وكان بعضهم يخرجها قبل العيد بيوم أو يومين، وهي لا تسقط بالتأخير، بل تصبح دينًا في الذمة، وإذا مات يجب على ورثته دفعها من الميراث قبل توزيعه عليهم.

لمن تعطى زكاة الفطر؟

يرى الفقهاء أن مصارف زكاة الفطر هي نفس مصارف زكاة المال، والتي حددها الله- سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم بقوله عز وجل: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة:60).

وتأسيسًا على ذلك يكون من بين مستحقي زكاة الفطر الفقراء والمساكين، الذين هم دون حد الكفاف والكفاية، وكذلك يجوز إخراجها لفئة المؤلفة قلوبهم الذين دخلوا الإسلام حديثًا أو يرجى دخولهم، وكذلك للمساهمة في تحرير العبيد وفك الأسرى، أو إنفاقها على أسرهم، كما يجوز إرسالها عند الحاجة الشديدة إلى المجاهدين وإلى أطفالهم والأرامل وما في حكمهم، والأولى والأفضل أن تنفَق في المكان الذي يقيم فيه المزكِّي، ولكن أجاز فريق من الفقهاء نقلها إلى مكان آخر إذا لم يوجد فقير أو مسكين أو مستحق للزكاة في ذلك المكان أو لصلة رحم من مستحقي الزكاة.

ومما يلاحَظ في هذا المقام أن الفقير الذي عنده قوت ليلة العيد ويومه- هو ومن يعول- يقوم بإخراج زكاة الفطر، كما أنه يأخذها، وبذلك يظهر معنى التكافل بين الأغنياء والفقراء، وكذلك بين الفقراء مع بعضهم أيضًا.

نموذج حساب زكاة الفطر عينًا ونقدًا:

أولاً: بالمكيال:

صاع عن كل فرد، وهو يعادل قدحين من الأرز أو القمح أو الشعير أو الذرة، أو أغلب قوت الناس.

ثانيًا: الميزان:

ما يعادل تقريبًا 2.5 كيلو جرام من الأصناف المذكورة بعاليه أو خمسة أرطال ونصف.

ثالثًا: بالنقد:

إذا لم يتمكن المزكي أن يؤدي زكاة الفطر عينًا- كيلاً أو ميزانًا- فيمكن تقويمها بالنقد على أساس الأسعار خلال شهر رمضان...، مثال رقمي:

إذا حسبت زكاة الفطر على أساس الأرز فرضًا، وكان متوسط سعر الكيلو جرام 1.5جنيه، فإن مقدار الزكاة نقدًا للفرد 3.75 جنيه تقريبًا (2.5 كيلو×1.5).

حساب كفارة الصيام:

يرى جمهور الفقهاء أن من أفطر في نهار رمضان بجماع متعمدًا فالواجب عليه القضاء والكفارة، ودليل ذلك ما ثبت في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رجلاً جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال هلكت يا رسول الله، قال ما أهلكك؟، قال وقعت على امرأتي في رمضان..! فقال: هل تجد ما تعتق به رقبة؟ قال: لا.. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا.. قال: فهل تجد ما  تطعم به ستين مسكينًا؟ قال: لا.. ثم جلس فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- بعرق (ما يعادل 16 رطلاً) فيه تمر فقال: تصدق بهذا. فقال: أفقر منا..؟ فما بين لابَّتيهًا أهل بيت أحوج إليه منَّا! فضحك النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، ثم قال اذهب فأطعمه أهلك.

من هذا الحديث الشريف استنبط الفقهاء أن كفارة الجماع عمدًا في نهار رمضان تتمثل في القضاء وكذلك: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينًا، والكفارة التي وردت في هذا الحديث الشريف هي مرتبة فالعتق أولاً، فإن لم يجد فعليه بالصوم، فإن لم يستطع فعليه الإطعام، وهناك من الفقهاء من يرى أنها على التخيير، واختلاف آراء الفقهاء رحمة، وأيسر هذه الآراء هو التخيير.

ويرى المالكية والأحناف أن على المفطر عمدًا- بدون أي عذر- القضاء والكفارة، بينما يرى جمهور الفقهاء أن عليه القضاء.

ومقدار الكفارة في حالة الإطعام عند جمهور الفقهاء هو إعطاء كل مسكين مدّ، وعند الأحناف مُدَّان، ويعادل المُدّ بالكيل المصري نصف قدح ويعادل القدح في متوسط أغلب أقوات الناس من البقول ما وزنه 1.25 كيلو جرام، وبذلك يعدل المدّ تقريبًا كيلو جرام وربعًا.

وتأسيسًا على ذلك في حالة اتباع رأي جمهور الفقهاء- وهو مد عن كل مسكين- يكون مقدار الكفارة (وهي إطعام 60 مسكينًا) ما يلي:

بالكيل المصري نصف قدح لكل مسكين، أي 19.25 كيلو جرامًا من الحبوب، فإذا أراد صائم أن يكفر فعليه أن يشتري ما يعادل 19.25 كيلو جرامًا من الأرز أو القمح أو الفول أو العدس أو الذرة أو الشعير ويوزعها على الفقراء، وهذا في حالة رأي جمهور الفقهاء، أما في حالة اتباع رأي الأحناف يكون 37.5 كيلو جرامًا.

حساب فدية الصيام:

والفدية على المريض الذي لا يُرجى شفاؤه، وكذلك على الشيخ الكبير والعجوز اللذين يجهدهما الصوم، يلزمهم الفدية على أصح القولين، والثاني لا يلزمهما، وتقدر الفدية عن الذين يرون ذلك بإطعام مسكين عن كل يوم بمقدار مدّ (نصف قدح= كيلو جرام وربعًا تقريبًا) من طعام عند الشافعية، والأحناف يرون أنها مدَّان، أي قدح وهو ما يعادل 2.5 كيلو جرام.

ويرى بعض الفقهاء المعاصرين- د/ يوسف القرضاوي- أن المكاييل والموازين السابقة تعادل بما يوازي طعام مسكين وجبتين مشبعتين من متوسط قوت البلد، فإذا فرض أن تكلفة الوجبة خمسة جنيهات فيقوم المفدي بشراء طعام بما يعادل عشرة جنيهات، ويعطيها للفقراء والمساكين، ويجوز سداد ذلك نقدًا عند بعض الفقهاء، ولكن رأي الجمهور هو الإطعام.

--------
* أستاذ المحاسبة بجامعة الأزهر الشريف