بقلم : مجدي مغيرة

الحقيقة التي غابت عنا سنين عديدة ، ومازالت غائبة عند البعض رغم وضوحها وضوح الشمس هي أن  كثيرا من قادة الانقلابات العسكرية – أو إن شئت فقل كلهم – في بلادنا العربية هم في حقيقتهم وكلاء عن الغرب الذي أعدهم لمثل هذه المهمة ، مهمة حكم الشعوب العربية لقهرها ، ولمنعها من الاستيقاظ من سباتها ؛ حتى يحققَ الغربُ أهدافَه ، وفي سبيل ذلك قدَّمَ الغرب لهؤلاء  الحكام المساعداتِ من جيبه أحيانا أو من جيب غيره أحيانا أكثر .

أما الأهداف فتتمثل في :

-         زرع دولة إسرائيل وحماية أمنها وتثبيت أقدامها في المنطقة  .

-         منع تلك الدول من التقدم والرقي في كل مناحي الحياة .

-          استغلال المواد الخام التي تذخر بها المنطقة كالمعادن التي تحتاجها صناعات الغرب ، والمعادن النفيسة ، والنفط ، وكذلك الاستفادة  من موقعها الجغرافي المتميز والمتحكم في أهم المعابر البحرية والمواقع الاستراتيجية .

حماية إسرائيل إذن وتوفير كل ما تحتاجه ، وإزالة كل العقبات التي تقف في طريقها أحد أهم الأهداف التي يسعى إليها العالمُ الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

فمن أجل إسرائيل تتم تهيئة الشعوب العربية أخلاقيا ودينيا وثقافيا واجتماعيا بقدر المستطاع  لأن تتقبل التعامل مع إسرائيل كأنها جزء لا يتجزأ من المنطقة ؛ بما يعني التعامل معها في جميع المجالات بما فيها التحالفات العسكرية ، ومع الوقت ، وباعتبارها جارا وفيا أمينا مخلصا ، لا مانع أن يتحالف معها طرفٌ عربيٌ أو إسلامي ٌ ضد طرف عربيٍ أو إسلاميٍ آخر ، وإن كانت الظروف غير مناسبة فليكن التحالف سريا حتى تتهيأ الأجواء ليتحول السريُّ إلى علنيٍّ .

ومن أجل تحقيق هذا الهدف تم الوصول إلى الاتفاقية المعروفة باسم ( سايكس -  بيكو )  ما بين نوفمبر من عام 1915 ومايو من عام 1916 بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس لتمزيق العالم العربي تمهيدا لزرع الكيان الإسرائيلي في فلسطين .

ومن أجل تحقيق هذا الهدف أيضا تم صدور وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917م ( وهو الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد - أحد كبار قادة اليهود في ذلك الوقت وأحد أكبر أغنيائهم -  يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين )،  وحين صدر الوعد كان تعداد اليهود في فلسطين لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان ، وقد أُرسِلَت الرسالة قبل شهر من احتلال الجيش البريطاني لفلسطين تنفيذا لاتفاقية سايكس بيكو المشار إليها سابقا .

ولأن أكثر قادة وحكومات الدول العربية كانت خاضعة في ذلك الوقت طوعا أو كرها لمشيئة الغرب ؛ فقد وجدنا كيف أن كثيرا من تلك الدول منعت المجاهدين والفدائيين من استخدام أراضيها لتكون منطلقا لعمليات عسكرية ضد إسرائيل بحجج كثيرة استطاع الإعلامُ المضلل ُ إقناعَ الشعوب العربية بها.

 بل وجدنا كيف تمت المذابح الرهيبة للمقاومة الفلسطينية في الأردن وفي لبنان وفي سوريا دون أن تكون هناك تحركات حقيقية لمنعها ، لكنْ وجدنا فقط إداناتٍ لفظية  وتصريحاتٍ عنترية لاتسمن ولا تغني من جوع .

ومن أجل إسرائيل رأينا الهجوم المستمر على الإخوان المسلمين  .

فالإخوان المسلمون هم الذين تصدوا للهجمة الصهيونية بكشف حقيقتها للشعوب العربية والإسلامية ،

وقدموا مساعدات كبيرة للثورة الفلسطينية عام 1936م بقيادة الشيخ عز الدين القسام ،

وهم الذين حملوا ضدها السلاح في حرب 1948م وكادوا يقضون عليها لولا التآمر عليهم واغتيال مرشدهم .

 وهم الذين عارضوا بقوة معاهدات السلام  مع إسرائيل بدءا من معاهدة السادات في مصر عام 1977م ، وانتهاء بمعاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل المعروفة بمعاهدة وادي عربة في 26 أكتوبر 1994م .

وهم الذين أنشئوا منظمة حماس في فلسطين في ديسمبر 1987م بهدف تحرير فلسطين من النهر إلى البحر  ، وقد أعلنت حماس في ميثاقها الصادر في أغسطس عام 1988م  أنها جناح من أجنحة الإخوان المسلمين في فلسطين .

وبعد نجاح الثورة في إسقاط حسني مبارك وإجراء الانتخابات الرئاسية ، وفي انتخابات الإعادة بين الدكتور محمد مرسي أحد قادة الإخوان المسلمين ، ومرشح الفلول أحمد شفيق  صرَّح مستشرق إسرائيلي، يدعى شاؤول بيلو، في تلك الأثناء بقوله: "على الغرب البحث عن طرق (إبداعية) لمساعدة شفيق في الفوز بمقعد الرئاسة".

وعندما وصل وهو الدكتور محمد مرسي  إلى كرسي الحكم في مصر أبدت إسرائيل قلقا بالغا منه ، وبدأت الاستعداد لإعادة تكوين اللواء الجنوبي مرة أخرى ليكون على الحدود الواقعة بين مصر وإسرائيل ،

 وما إن بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2012 حتى اتخذ الدكتور محمد مرسي موقفًا واضحًا ، وقال إن مصر "لن تصمت إزاء أي اعتداء على غزة ، أوقفوا هذه المهزلة فورا ، وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبدا أن تقفوا أمامها ، غضبة شعب وقيادة".

ولذلك صرَّح هنري كيسنجر في المؤتمر السنوي لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي في نيويورك في مارس 2013 م { قبل الانقلاب العسكري بثلاثة أشهر }  أن المخرج في مصر هو مواجهة مسلحة بين الجيش المصرى و"الإخوان المسلمين"، لإزالة آثار ثورة يناير التي أصابته بالحزن على سقوط حسني مبارك .

وبعد الانقلاب ؛ فاحت رائحة المشاركة الإسرائيلية في الانقلاب على الدكتور محمد مرسي .

وبعد أن تولى عبد الفتاح السيسي قيادة البلاد أخذ الإعلام الإسرائيلي يكيل المديح لقائد الانقلاب ، ويعلن حاخاماته أنهم يُصَلُّون من أجله ، ويقدمون له النصائح حفاظا على حياته .

وفي المقابل يصرح قائد الانقلاب في حواره مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية في 24 نوفمبر 2014م أنه يضمن أمن إسرائيل .

وفي 11/2/2016 يصرح السيسي أمام  قادة تنظيمات يهودية أمريكية أن " "نتنياهو قائد ذو قدرات قيادية عظيمة ، لا تؤهله فقط لقيادة دولته وشعبه ، بل هي كفيلة بأن تضمن تطور المنطقة وتقدم العالم بأسره". أي أنه يطلب أن يكون نتن ياهو قائدا للمنطقة العربية كلها وليس فقط إسرائيل ، بل والعالم !

إن وجود إسرائيل في المنطقة هو سبب رئيس لكثير من المشكلات التي يعانيها العرب ، وعلى رأس تلك المشكلات قادة العسكر الذين يحكمون البلاد بالحديد والنار ، بينما هم كالنعامة مع إسرائيل .