بقلم : مجدي مغيرة

لو كنا نستطيع العيش بعيدا عن السياسة ومشاكلها لفعلنا ذلك ، فلو أردنا أن نبتعد عنها ما ابتعدت هي عنا ، فالسياسة هي التي  تحدد لنا – للأسف – هل سنعيش سعداء أم أشقياء ، أحرارا أم عبيدا ، أصحاب قرار في بلادنا أم عبيد المأمورين.

طبيعة الحياة  تحتم علينا أن يتأثر الشعب بأي قرار سياسي – صوابا كان أم خطأ -  تتخذه قيادة البلاد ، وتجبرنا على أن ندفع الثمن غاليا لو كان قرارا خاطئا ، وأن نسعد به لو كان قرارا صوابا .

ولذلك فالبعد عن السياسة ، والهرب من تبعاتها فإنما هو في الحقيقة قرار منك أن تكون مفعولا بك لا فاعلا  .

فالسياسيون في بلادنا هم من يحددون مناهج التعليم التي نربي عليها أولادنا ، وبالتالي ستحدد لنا السياسة  ما إن كانت مدارسنا وجامعاتنا تخرِّج احتياجاتنا الفعلية التي ترقى بالبلاد وتقضي على البطالة وتنهض بالاقتصاد والاجتماع والقانون والأخلاق  أم هي فقط مجرد ماكينة طحين تستهلك وقتا كبيرا من عمر الإنسان ، وبعد أن يتخرج في سن لا يقل عن سن الثالثة والعشرين لا يجد مجالا ليمارس فيه ما تعلَّمه ، بل يبحث عن لقمة عيش في مجال جديد عليه ، وتخصص لم يتهيأ له من قبل ، أو يحترف حرفة سبقه فيها المتسربون مبكرا من المدارس ، وصاروا فيها محترفين ، وأصبح هو يعمل عندهم كعامل مبتدئ يجب عليه الالتزام بما يوجهون إليه من أوامر وما يأخذون عليه من ملاحظات .

والسياسيون هم من يقررون طبيعة النشاط الاقتصادي في البلاد ، وهل سيكون اقتصادا قائما على إتاحة المجال للمنافسة الحرة الشريفة ، وتوفير الفرص للجميع بلا تمييز ، أم سيكون نشاطا احتكاريا لا تُتاح الفرصة فيه إلا لأصحاب الحظوة وأصحاب النفوذ المالي والسياسي والاجتماعي ، وهل سيكون نظام الضرائب والخدمات مناسبا للجميع أم سيكون هناك فريق يتمتع بالخدمات الممتازة دون أن يدفع الضرائب المقررة عليه ، وفريق آخر قد أثقلته الضرائب والالتزامات دون الحصول على الخدمات ( التعليمية والطبية وخدمات البنية التحتية .... إلخ )  التي تحفظ عليه آدميته وإنسانيته .

ما من مجال من مجالات الحياة إلا وكان للسياسة والسياسيين تأثير كبير عليه ، بما يعني أن فسادَ السياسة هو فسادٌ للجميع ، وصلاحَها هو صلاحٌ للجميع ، وبما يعني أيضا ضرورة المشاركة السياسية تحقيقا لمصالح الجميع وتجنبا للكوارث التي تحل على الجميع .

ولو افترضنا أننا نسينا مبادئنا ، ونسينا نخوتنا ، ونسينا إنسانيتنا وآدميتنا ، ونسينا عزتنا وكرامتنا ، ورضينا بما يقدمه لنا السياسيون دون اعتراض أو نقاش حتى ننجو من أذاهم ، ونفلت من سجونهم ؛ فلن ننجو من عقاب الله تعالى الذي خلقنا ، وفرض علينا أن نكون أقوياء أعزاء لا نرضى بالدنية في ديننا ولا دنيانا .

·        عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنَّهُ من كان قَبْلَكُمْ مِنْ بني إسرائيلَ إذا عَمِلَ فيهم العامِلُ الخطيئةَ فنَهَاهُ الناهِي تَعْذِيرًا فإذا كان من الغدِ جالَسَهُ ووَاكلَهُ وشارَبَهُ كأَنَّهُ لم يرَهُ على خَطِيئَةٍ بالأمْسِ فلمَّا رأَى اللهُ تعالى ذلِكَ منهم ضَرَبَ قلوبَ بعضِهم على بعضٍ على لسانِ داودَ وعيسى بنِ مريمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ والذي نفْسِي بيدِهِ لتأمرُنَّ بالمعروفِ ولتَنْهُنَّ عنِ المنكرِ ولتأخذُنَّ على أيدي المسيءِ ولتأطِرُنَّهُ على الحقِّ أطْرًا { تعيدونه إليه وتلزمونه بالسير عليه } أو ليضرِبَنَّ اللهُ بقلوبِ بعضِكم على بعضٍ ويلعنُكم كما لَعَنَهُمْ "  رواه الهيثمي في مجمع الزوائد  ورجاله رجال الصحيح .
·        وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والَّذي نَفسي بيدِه ، لتأمرنَّ بالمعروفِ ولتنهونَّ عنِ المنكرِ ، أو ليوشِكَنَّ اللَّهُ أن يبعثَ عليكم عقابًا من عندِهِ ، ثمَّ لتدعُنَّهُ فلا يَستجيبُ لَكُم " . حكم الشيخ أحمد شاكر رحمه الله بصحة الحديث في كتاب عمدة التفاسير .
·        وقال أبو بكرٍ رضي الله عنه ، بعد أن حمِد اللهَ وأثنَى عليه : " يا أيُّها النَّاسُ ، إنَّكم تقرءون هذه الآيةَ ، وتضعونها على غيرِ موضعِها { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } وإنَّا سمِعنا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : إنَّ النَّاسَ إذا رأَوُا الظَّالمَ فلم يأخُذوا على يدَيْه أوشك أن يعُمَّهم اللهُ بعقابٍ وإنِّي سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : ما من قومٍ يُعمَلُ فيهم بالمعاصي ، ثمَّ يقدِرون على أن يُغيِّروا ، ثمَّ لا يُغيِّروا إلَّا يوشِكُ أن يعُمَّهم اللهُ منه بعقابٍ " رواه أبو داود وصححه الألباني .
لابد من دفع ثمن العيش الكريم ، ولابد من التضحيات حتى نعيش أحرارا في بلادنا .
إن ثمن مقاومة الظالم والعيش في عزة  أقل من ثمن الرضا بظلمه والعيش بذلة .