عزت النمر :

في مقاله بعنوان "استجواب صار ضرورياً" ــ المنشور اليوم الأحد 31 يناير 2016 في جريدة السبيل الأردنية ــ تناول الأستاذ فهمي هويدي حادثة سأنقلها كما رواها وأُعلق عليها وعلى تناول الأستاذ لها . وهي كما يلي :
[ أمين شرطة ذهب في الصباح الباكر إلى المستشفى بإصابة بسيطة في جبهته، حسب تقرير الطبيب الجراح الذى استقبله، إلا أن صاحبنا طلب منه شهادة تتضمن معلومات مُزوَّرة عن الإصابة. وحين رفض الطبيب ذلك بحضور زميله ومساعديه فإنه تعرض للإهانة والسباب من قبل أمين الشرطة، الذى استدعى زميلاً له في سيارة تابعة لقسم المطرية مع بعض الأمناء الآخرين. وهؤلاء قيدوه وأرادوا اصطحابه إلى القسم، وحين رفض انهالوا عليه بالضرب وسحلوه وجرُّوه حتى أدخلوه في سيارتهم وبعدما حملوه وأهانوه هو وزميله وأبقوهما في القسم بعض الوقت؛ طلب أحد الضباط إعادتهما إلى المستشفي مرة ثانية، حيث حررا محضرا بالواقعة سجلا فيه ما تعرضا له.
ما حدث بعد ذلك لا يقل سوءا وربما كان أخطر في دلالته. ذلك أن أمين الشرطة الذى اعتدى على الطبيب وزميله حرر بعد عدة ساعات محضرا في قسم الشرطة ضد الطبيب، اتهم الجراح فيه بالاعتداء عليه بالضرب وأيَّد ذلك بشهادة حملت اسم طبيب عظام وتحمل ختم مستشفى هليوبوليس (في مصر الجديدة) أفادت بأنه أصيب بكسر مضاعف بساقه اليمنى من جراء الاعتداء المزعوم. إزاء ذلك نسيت الواقعة الأولى التي تمثلت في ضرب وسحل الطبيب والاعتداء عليه بكعب «الطبنجة». وفتح تحقيق مع الطبيب المجني عليه الذى أصبح مُتَّهما بالاعتداء على أمين الشرطة. وأثناء ذلك أُبْلِغ بأنه وزميله يمكن أن يُحتجزا في قسم شرطة المطرية لمدة أربعة أيام لاستكمال التحقيق. ومورست على الاثنين ضغوط عدة من جانب ضباط الداخلية ورجال الأمن الوطني للتنازل عن المحضر الأول.
 إزاء ذلك فإنهما أصبحا مخيرين بين الاستجابة للضغوط والقيام بالتنازل أو التمسك بالمحضر والقبول بالاحتجاز في قسم المطرية لمدة أربعة أيام على ذمة المحضر الثاني. فاختارا التنازل وعاد كل منهما إلى بيته ذليلا ومنكسرا].
إلى هنا انتهت رواية الأستاذ فهمي هويدي للحدث وهي رواية صدَّقها كلُّ من تناول الحدث الجلل من قريب أو من بعيد وكذا ما كتبه الطبيب على صفحته.
وللحق فإنني إذ أُقَدِّم هذا العتاب للأستاذ فهمي هويدي فإنني أشهد له بالاستقلالية والنزاهة , ويشهد له تاريخه الفخم وأمانته وسوابقه المشهودة في الدفاع عن قضايا الوطن والمواطن والدفاع عما يراه حقاً وعدم المهادنة أو الممالأة فيه ..  
لكن ما دفعني للكتابة في الأمر وتوجيه هذه الرسالة الأسيفة له .. أنه مع فاجعة كهذه ومع كل رسائل القهر والذلة والهوان والصغار فيما حدث , أجد الأستاذ يخرج من هذا كله بنتيجة هزيلة وتوصية أشد هزالاً ..
للأسف كانت النتيجة التى وصل اليها الأستاذ هي : أن ثمة ثغرات وسلوكيات خطيرة لابد أن تصحح في جهاز الشرطة الذي يحتاج إلى مراجعة جذرية وإعادة هيكلة شاملة.
أما التوصية التي أوردها الأستاذ تعليقاً على الحدث أنه يستحق استجواباً في مجلس النواب , ودعم توصيته برجاء أن يحمل هذا الاستجواب أحد من الذين يسعون إلى دعم الدولة في مجلس النواب.
لا أدري أي رسالة وأي كلمات يلزمها الموقف عليَّ أن أخاطب بها الأستاذ فهمي هويدي بعد التوصيف الهزيل الذي ذهب اليه والتوصية الخجولة التي انتهى اليها .
عفواً يا أستاذ فهمي ..
هل توصيف ما حدث فعلاً أنه فقط يمثل مجرد "ثغرات" في جهاز الشرطة ؟! ..
لا أدري أهذا تبسيط مخل لحادثة أهانت كرامة الوطن وأعلى شرائحه ــ العلمية على الأقل ــ من أسوأ من فيه ؟
هل بعد ما حدث يمكن أن نسميه وطناً أو نسمى هؤلاء مواطنين ؟!
أي اسم ــ يا سيدي ــ يمكن أن تطلقه على هكذا "وطن" ؟!
هل يمكن أن نسميه دولة سيادة "الأمين" ؟!.. أقصد أمين الشرطة طبعاً ..
بماذا يمكنك أن تصف هذا الطبيب وزميله ؟!.. هل مازلت تطلق عليهما مواطنين أم رعايا أم ماذا؟! .. في هذا الوطن المكذوب المسلوب ؟!
طبعاً غني عن الذكر أن ما حدث مع الطبيبين أخف وأهون مما حدث ويحدث مع كل شرائح الشعب يوميا في كل نواحي وأقبية ذلك الوطن المزعوم.
عفواً يا أستاذ فهمي .. في النفس آلاف الأسئلة من هذه النوعية ومن غيرها يمنعني من كتابتها حِرصي على وقتك الثمين ووقتي تعليقاً على توصيفك لمشهد كهذا وتبسيطك له .
يا أستاذ فهمي ..
قاصمة الظهر تجلت في توصيتك بعد فاجعة كتلك أن "الاستجواب صار ضرورة" , وأنك ترجو أن يحمل الاستجواب في مجلس النواب أحد من الذين أسميتهم "الذين يسعون إلى دعم الدولة" !!
لن أستجيب لنوازع نفسي وأسألك أي دولة تلك التي تتكلم عنها في مثل هذا المستنقع القذر؟
لست بسائلك عن مضمون الاستجواب "المُنْتَظر" , ولا عن مساره ولا عن مصيره المحتوم ؟!
دعني أسائلك .. عن أي برلمان تتكلم ونحن جميعا ــ وأنت أولناــ نعرف كيف جاء ولماذا جاء وما هي مهمته ؟!
ثم عن أي نواب .. وأنت سيد العارفين بمن هم ومن أين جاؤوا وما هي همومهم وإمكاناتهم وأسباب اختيارهم ؟
هل تنتظر أن ينهض بالدفاع عن كرامة المواطن عكاشة ولا أقصد توفيق لأنهم جميعاً "عكاشيون" فكراً وخلقاً وهوىً وتربية؟
هل تنتظر أن ينتصر لكرامة الطبيبين المستشار مرتضى منصور أو نجله وهما بالمصادفة ليسوا نائبين بل هي عينة قذرة من سلالة أسموها نواب إلا ما ندر أن كان قد أفلت منهم واحد أو اثنان ؟!
هل تنتظر أن يدعو الى فضيلة العدالة محمود بانجو أو خالد يوسف؟! , والمجلس كله هو نتاج تزاوج هذه النجاسات جميعاً ؟
أي مجلس وأي نواب يا سيدي .. والعار شيمتهم والخيانة سمتهم والنفاق خلتهم والرذائل تجمعهم جميعاً وتؤيهم ؟
لا يا سيدي .. ما هكذا تورد الإبل ..
إن ما حدث سيدي ليس ثغرات في جهاز الشرطة فحسب , فتواطؤ النيابة ظاهر في المشهد , وخلفية الحكومة بادية في أركان الجريمة. ورأس النظام هو أسوأ المشهد وأنكاه .. أليس كذلك ؟!
إن ما حدث هو نموذج قذر لجرائم وخطايا يمارسها النظام بأسره في صباح كل يوم ومسائه.
أهذا ــ يا سيدي ــ بعيد عما يكرره  سيسي الانقلاب وفرعونه الأكبر من شكر للشرطة على ما تقدمه من تربية للشعب يوميا وعقاب له .. أنه ثار يوماً على أسياده وجلاديه ؟!!.
إن حادثة كتلك ــ وقرائنها يومياً كثيرة ــ ليست في حاجة إلى دعواك بأن الاستجواب صار ضرورة .. فقد ساءني حقاً ما قلت ..
ما أراه ــ سيدي ــ أن ما حدث يؤكد أن "الثورة صارت ضرورة" على مثل هذا النظام الانقلابي الغشوم ..
أرى كذلك أن هذه الواقعة تكفي وحدها لإقامة ساحات القصاص وأعواد المشانق لسدنة الإنقلاب وكهنة معابده ..
هذا ما أراه .. وأعتقد أنك لست مني ببعيد .. أليس كذلك ؟! ..

[email protected]
https://www.facebook.com/ezzat.elnemr.9