حسن أحمد عبدالرحمن البنا
توطئة:
طيف من النور لاح في الأفق ألمَّ بهذه الدنيا إلمام الغريب الطارئ، أو الضيف العابر، ثم تركها ومضى، هذه هي قصة حسن البنا.
ماذا يأخذ الطيف النورانى من الدنيا ؟ وماذا يترك منها؟
لا يأخذ شيئاً منها، ويترك كل شيء، يترك للضمائر نورها، والنفوس قدسها وطهرها.
وهكذا كان حسن البنا، لم يأخذ لنفسه شيئًا، وقد ترك للناس كل شيء.
حقيقة داعية:
وصفه أحد محبيه بقوله:
سمعت عنه كثيرًا، ورأيت له في قلوب محبيه صورًا لامعة رائعة، فتراءى لعقلي عملاق هُدى ورأي وحكمة، وتخيلته أمام عيني عملاقًا في جسمه أيضًا، جبارًا في قسماته، وسماته.
ولما رأيته بين صحبه، أول ما رأيته، ما ظننت أنه هو، ثم قدمت إليه فتلقاني في بشاشة، لا تكلف فيها، ورحب بي، منساقًا مع فطرة رحبة.
لم أجد له في مشاهدتي، صورته في مخيلتي... كان أقرب إلى القصر منه إلى الطول، وأدنى إلى الوداعة منه إلى الجبروت، في صراحته إباء، وفي جرأته إغضاء.
زرته في بيته، فوجدته زاهدًا بسيطًا، وأكلت على مائدته، فوجدته فقيرًا كريمًا، وصحبته في أسفار، فلم أر أكثر منه أنسًا وإيناسًا في مواطن الراحة، ولا أكثر منه فناء في العمل وقت العمل.
شاهديه يتكلم بين أفراد، فلم أجد صوته يتطاول على الأصوات، ولاح لي أميل إلى الإصغاء منه إلى إبداء الآراء، فإذا دخل الحديث طور المراء، صمت في إعراض، أو أقبل فىابتسام، وهو بين الإشفاق والشفقة ؛ حتى إذا انتهى الأمر إلى زبدته، كانت كلمته هي الفاصلة.
وأصغيت إليه، وهو يخاطب ملأه فخيل إلىَّ أنه يحاول أن يسكت لسانه، وينطق قلبه بل وكل جوارحه، وإذ ذاك كان يمعن النظر فيمن أمامه وكأنه يحدق في أفق بعيد فينبعث من عيونه شبه نور وهَّاج، يتصل شعاعًا تجلب، فقلب.
وسمعته يخاطب الجماهير، فوجدته الطبيب الخبير، يعالج في ثنايا حديثه شئونًا من صميم حياة المستمعين ؛ حتى ليظن أحدهم أنه كوشف بخويصه مشكلته، وأخذ يصفه له الرواد. فإذا آنس أن القوم قد ركنوا إليه، اشتد عليهم في موعظته وجلجل بصيحات الحق، تتخلل حديثه الدفاق، المرصع بآي القرآن، فيضعون أنفسهم منه - دون اختيار - موضع الرعية من الراعي.
وهكذا يبلغ منهم لدعوته ما يريد، وينتهي غير مملول، محبوبًا ومرهوبًا.
حياته في سطور
حسن البنا يشارك أنصاره في احدى المظاهرات
ولد في عام 1906
تخرج من دار العلوم عام 1927
عين مدرسا في مدينة الإسماعيلية عام 1927
أسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928
نقل إلي قنا بقرار إداري عام 1941
ترك مهنة التدريس في عام 1946 ليتفرغ لإدارة جريدة الشهاب
اغتيل في 12 فبراير عام 1949
حياته قبل تأسيس الجماعة
حسن أحمد عبد الرحمن بن محمد البنا الساعاتي ولد حسن البنا في المحمودية بمصر عام 1906م، حفظ القرآن في سن مبكّرة، وكثيراً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأثر بشيخه محمد زهران صاحب مدرسة الرشاد الدينيّة، وتلقى الحصافيّة الشاذليّة عن عبد الوهاب الحصافي، درس على أبيه العلوم الشرعيّة وأخذ عنه صناعة الساعات ويبدو أن مقومات الزعامة والقيادة كانت متوفرة لديه، ففي مدرسة الرشاد الإعدادية كان متميزًا بين زملائه، مرشحًا لمناصب القيادة بينهم، حتى أنه عندما تألفت "جمعية الأخلاق الأدبية" وقع اختيار زملائه عليه ليكون رئيسًا لمجلس إدارة هذه الجمعية.
غير أن تلك الجمعية المدرسية لم ترض فضول هذا الناشئ، وزملائه المتحمسين، فألفوا جمعية أخرى خارج نطاق مدرستهم، سموها "جمعية منع المحرمات" وكان نشاطها مستمدًا من اسمها، عاملاً على تحقيقه بكل الوسائل، وطريقتهم في ذلك هي إرسال الخطابات لكل من تصل إلى الجمعية أخبارهم بأنهم يرتكبون الآثام، أو لا يحسنون أداء العبادات.
ثم تطورت الفكرة في رأسه بعد أن التحق بمدرسة المعلمين بدمنهور، فألف "الجمعية الحصافية الخيرية" التي زاولت عملها في حقلين مهمين هما :
الأول : نشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، ومقاومة المنكرات والمحرمات المنتشرة.
الثاني : مقاومة الإرساليات التبشيرية التي اتخذت من مصر موطنًا، تبشر بالمسيحية في ظل التطبيب، وتعليم التطريز، وإيواء الطلبة.
بعد انتهائه من الدراسة في مدرسة المعلمين في دمنهور، انتقل إلى القاهرة، وانتسب إلى مدرسة دار العلوم العليا، واشترك في جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، وكانت الجمعية الوحيدة الموجودة بالقاهرة في ذلك الوقت، وكان يواظب على سماع محاضراتها، كما كان يتتبع المواعظ الدينية التي كان يلقيها في المساجد حينذاك نخبة من العلماء العاملين.
أكمل دراسته في دار العلوم بالقاهرة بتفوّق سنة 1345 / 1927 وكان على صلة بمحب الدين الخطيب، ويلتقي بجمهرة من العلماء الفضلاء في المكتبة السلفيّة أثناء تردده عليها.
وقد أثنى عليه الشيخ علي الطنطاوي عندما كان يتردّد على خاله مــــحب الدين الخطيب بالمطبعة السلفيّة بقوله : عرفته هادئ الطبع رضي الخلق صادق الإيمان، طليق اللسان آتاه الله قدرةً عجيبةً على الإقناع، وطاقةً نادرةً على توضيح الغامضات، وحل المعقّدات، والتوفيق بين المختلفين، ولم يكن ثرثاراً، بل كان يحسن الإصغاء كما يحسن الكلام، وطبع الله له المحبّة في قلوب الناس.
ويبدو أن فكرة الإخوان قد تبلورت في رأسه أول ما تبلورت وهو طالب بدار العلوم، فقد كتب موضوعًا إنشائيًا كان عنوانه : "ما هي آمالك في الحياة بعد أن تتخرج" فقال فيه : إن أعظم آمالي بعد إتمام حياتي الدراسية - أمل خاص، وأمل عام.
فالخاص : هو إسعاد أسرتي وقرابتي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
والعام : هو أن أكون مرشدًا معلمًا أقضي سحابة النهار في تعليم الأبناء، وأقضي ليلي في تعليم الآباء هدف دينهم، ومنابع سعادتهم تارة بالخطابة والمحاورة، وأخرى بالتأليف والكتابة، وثالثة بالتجول والسياحة.
أسرته
لحسن البنا أربعة أشقاء ذكور،
عبد الرحمن البنا قيادي ومن الرعيل الأول للإخوان وكان عضو بمكتب الإرشاد,
ومن أشقائه جمال البنا،
وأنجب حسن البنا ست بنات هن (وفاء, سناء, رجاء, صفاء, هالة, واستشهاد) توفيت صفاء في حياته وولدين أحمد سيف الإسلام ومحمد حسام الدين توفي في حياته
والده أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي
تأسيس جماعة "الإخوان المسلمون"
حسن البنا يتحدث لأحد الصحفيين الاجانب
حصل البنا على دبلوم دار العلوم العليا سنة 1927 وكان أول دفعته، وعُين معلمًا بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية الأميرية.
و في مارس من عام 1928 تعاهد مع ستة من اخوانه علي تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في الإسماعيلية و هم حافظ عبد الحميد، وأحمد الحصري، وفؤاد إبراهيم، وعبد الرحمن حسب الله، وإسماعيل عز، وزكي المغربي.
عندما أسّس: (جماعة الإخوان المسلمين) سنة1346/1928 أعاد إصدار (جريدة المنار) بعدما توقفت، وعمل من أجل المشروع الإسلامي الذي يستطيع مقاومة الاستعمار، ومحاولات قهر الشعوب المسلمة، واقتحم سنة 1355/1936 الميدان السياسي، ودعا الملوك والحكام إلى تطبيق الشريعة الإسلاميّة في شؤون الحياة سنة 1366/1948، وبشّر بالدولة الإسلاميّة في صورة الخلافة، وقال: إذا لم تقم الحكومة الإسلاميّة فإن جميع المسلمين آثمون ؛ ولم يكن تنظيمه أسير النماذج الفرقيّة، أو الطرقيّة، أو شبه العسكريّة، وجمع أتباعه على المحبّة والإخاء، وربّاهم على الإيمان بالدعوة، والتجرد لها، والاستعداد التام لكل ما يلقونه في سبيلها، وأعاد فكرة شمولية الإسلام وضرورة تطبيقه كمنهج حياة، والولاء الكامل للإسلام، والإخاء الإسلامي، وأحدث تياراً بارزاً إسلامياً في المجتمع، وحارب بصدق مظاهر الانحلال الخلقي، وجميع مظاهر الاغتراب في المجتمع،
حسن البنا يؤم المصلين
كان يضع أمام أتباعه هدفين الأوّل: تحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي. والثاني: أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلاميّة حرّة ؛ وأقام دعوة قوامها العلم والتربية والجهاد، وقد تطابق منهجه في التطبيق مع منهج الإسلام، فأولى الإنسان عنايته الكبرى، ورباه واعياً عناصره من روح وفكر وجسد، موازناً بين العناصر، مبتكراً في وسائل التربية ؛ وقاد كتائب الإخوان المسلمين في حرب فلسطين، تحت شعار الموت في سبيل الله أسمى أمانينا، وعقد في دار المركز العام في القاهرة، أوّل مؤتمر عربي من أجل فلسطين، ووضع الحكومات العربيّة أمام مسؤوليّاتها، وعندما أدركت إسرائيل خطر هذه الجماعة مضت تكيد لها، وقال في إحدى خطبه: إنني أعلن من فوق هذا المنبر أن الإخوان المسلمين قد تبرّعوا بدماء عشرة آلاف متطوع للاستشهاد ؛ ودعا إلى حرب تحرير شعبيّة لتحرير فلسطين، تدعمها الدول العربيّة بالمال والسلاح، وحين بدأ الإخوان حملتهم على الاستعمار البريطاني، وجّه جهده لإنشاء تشكيلات سريّة من الفدائيين، وإعدادها للجهاد، أطلق عليها: (النظام الخاص). وكان يسبق تدريبهم إعداد روحي كبير، يجعلهم دائماً على استعداد لبذل أرواحهم متى اقتضت مصلحة الدين والوطن، وشارك أتباعه في المقاومة السريّة على ضفاف القناة ؛ وأنجبت مدرسته كتّاباً، قاموا بتحليل الأوضاع، وعرضوا الحلول الإسلاميّة لمشاكل العالم الإسلامي، وتدلّ مؤلفاتهم على الشمول والتنوّع في معالجة المسائل السياسيّة، والاجتماعيّة، والاقتصاديّة.
كان خطيبا من الطراز الأول، وصف الشيخ علي الطنطاوي لقاءً خطب فيه الإمام البنا فقال: وهو في خطبته التي يلقيها كما تلقى الأحاديث بلا انفعال ظاهر، ولا حماسة بادية، من أبلغ من علا أعواد المنابر، تفعل خطبه في السامعين الأفاعيل وهو لا ينفعل، يبكيهم، ويضحكهم، ويقيمهم، ويقعدهم، وهو ساكن الجوارح، هادئ الصوت، يهز القلوب ولا يهتز.
وتجدر الاشارة ان الاحزاب المصرية قاومت فكر البنا وحالت دون توسع رقعة الاخوان المسلمين السياسية ومن تلك الاحزاب، حزب الوفد (أكثر الأحزاب إنتشارا في ذلك الوقت) والحزب السعدي.وكان البنا قد خاض الإنتخابات أكثر من مرة بدائرة الدرب الأحمر بالقاهرة وكان بها المركز العام لجماعته وكان بفطن بها بحي المغربلبن .لكنه لم يفز ولا مرة لا هو ولا زملاؤه في أي دائرة بما فيهم أحمد السكري سكرتير الجماعة وكان مرشحا بالمحمودية موطن مولدهما.
إغتياله
حسن البنا في وداع مجموعة من متطوعي الاخوان
أعلن النقراشي (رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت) في مساء الأربعاء 8 / 12 / 1948م قراره بحل جماعة الإخوان المسلمين، ومصادرة أموالها واعتقال معظم أعضائها. وفى اليوم التالي بدأت حملة الاعتقالات والمصادرات، ولما همّ الأستاذ حسن البنا أن يركب سيارة وُضع فيها بعض المعتقلين اعترضه رجال الشرطة قائلين : لدينا أمر بعدم القبض على الشيخ البنا.
ثم صادَرت الحكومةُ سيارته الخاصّة، واعتقلت سائقه، وسحبت سلاحه المُرخص به، وقبضت على شقيقيه اللذين كانا يرافقانه في تحركاته. وقد كتب إلى المسئولين يطلب إعادة سلاحه إليه، ويُطالب بحارس مسلح يدفع هو راتبه، وإذا لم يستجيبوا فإنه يُحَمّلهم مسؤولية أيّ عدوان عليه.
في الساعة الثامنة من مساء السبت : 12 / 2 / 1949 م كان الأستاذ البنا يخرج من باب جمعية الشبان المسلمين يرافقه رئيس الجمعية لوداعه ودقّ جرس الهاتف داخل الجمعية، فعاد رئيسها ليجيب الهاتف، فسمع إطلاق الرصاص، فخرج ليرى صديقه الأستاذ البنا وقد أصيب بطلقات تحت إبطه وهو يعدو خلف السيارة التي ركبها القاتل، ويأخذ رقمها و هو رقم 9979 و التي عرف فيما بعد أنها السيارة الرسمية للأميرالاي محمود عبد المجيد المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية كما هو ثابت في مفكرةالنيابة العمومية عام 1952.
لم تكن الإصابة خطرة، بل بقي البنا بعدها متماسك القوى ؛ كامل الوعي، وقد أبلغ كل من شهدوا الحادث رقم السيارة، ثم نقل إلى مستشفى قصر العيني فخلع ملابسه بنفسه. لفظ البنا أنفاسه الأخيرة في الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، أي بعد أربع ساعات ونصف من بدء محاولة الاغتيال، ولم يعلم والده وأهله بالحادث إلا بعد ساعتين أخريين. وأرادت الحكومة أن تظل الجثة في المستشفى حتى تخرج إلى الدفن مباشرة، ولكن ثورة والد الشهيد جعلتها تتنازل فتسمح بحمل الجثة إلى البيت، مشترطة أن يتم الدفن في الساعة التاسعة صباحاً، وألا يقام عزاء!.
واعتقلت السلطة كل رجل حاول الاقتراب من بيت البنا قبل الدفن فخرجت الجنازة تحملها النساء، إذ لم يكن هناك رجل غير والده و السيد مكرم عبيد باشا القبطي الذي كان تربطه علاقة صداقة بالأستاذ حسن البنا.
قال الأطباء: مات من آثار الجراح، وقال آخرون: قتل في مستشفى قصر العيني، إذ أجهز عليه بعض رجال الحكومة، وقيل أهمله المستشفى حتى نزف دمه، ونقل عن أحد الأطباء الشرعيين الذين باشروا تشريح جثمانه، أنه كان يمكن وقف نزيفه، وإنقاذ حياته بعمل بسيط. وشيّعت الجنازة في صمت تام، وقام والده بتجهيزه، ولم يسمح لأحد بالمشاركة بحمل نعشه، وصلى عليه أبوه في مسجد قيسون، ودفن في مدافن الإمام
رثاه الحاج أمين الحسيني فقال: كان رحمه الله يتوقّد غيرة، وحميّة، وحماسة ضد الاستعمار المعتدي على مصر، وسواها من أقطار المسلمين والعرب، وكان يعمل ما بوسعه لتحرير وادي النيل، والبلاد العربيّة، والوطن الإسلامي بكل أجزائه، من كل استعمار أجنبي.
وفي سنة 1372/ 1953 احتفل الإخوان المسلمون بالذكرى الرابعة لاستشهاد البنا _ رحمه الله _ وشارك ضباط الثورة فيه، وألقى الرئيس محمد نجيب كلمة أذيعت من إذاعة القاهرة، قال فيها: إن الإمام الشهيد حسن البنا أحد أولئك الذين لا يدرك البلى ذكراهم، ولا يرقى النسيان إلى منازلهم، لأنّه _ رحمه الله _ لم يعش لنفسه، بل عاش للناس، ولم يعمل لمنفعته الخاصة، بل عمل للصالح العام.
وقال الشيخ مصطفى السباعي فيه: ولقد قدّر لي أن أعرف حسن البنا في أواخر حياته، وأن أكون على مقربة منه في أيام محنته الأخيرة، ثم في أيام استشهاده، فوالله ما رأيت إنساناً أروع في الفداء، وأخلص في النصح، وأنبل في التربية، وأكرم في النفس، وأعمق أثراً في الإصلاح من حسن البنا رحمه الله.
وأضاف السباعي: ما زال بأعدائه نصحاً وإشفاقاً، وما زال أعداؤه به كيداً وتآمراً حتى قتلوه في الظلام وحيداً أعزل مجرداً من كل قوّة وجاه وأنصار، قتلوه وهم أقوياء، وهو الضعيف وهم الحاكمون، وهو المطارد وهم المسلّحون، وهو الأعزل، قتلوه وهم الأشقياء وهو السعيد، ثم أصبحوا مطرودين من رحمة الشعب، وهو مغمور برحمة الله، وهم مشتّتون في ديار الغربة، وهو الآن في رحاب الخلود.
كتبت في سيرته عشرات الكتب والدراسات ومنها: (روح وريحان من حياة داع ودعوة) لأحمد الحجاجي، و(حسن البنا أستاذ الجيل) عمر التلمساني، و(حسن البنا حياة رجل وتاريخ مدرسة) لأنور الجندي، و(حسن البنا بأقلام تلامذته ومعاصريه) لجابر رزق، و( الشيخ حسن البنا ومدرسته) لرؤوف شلبي، و(لماذا اغتيل الإمام الشهيد) لعبد المتعال الجابري، و(حسن البنا - الرجل والفكرة) لمحمد عبد الله السمان، و(حسن البنا – مواقف في الدعوة والتربية) لعباس السيسي، و(التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا) ليوسف القرضاوي، و(حسن البنا كما عرفته) لفتحي العسال، و(حسن البنا) لأنور الجندي، و(الفقه السياسي عند الإمام حسن البنا) لمحمد أبو فارس، ورواية (جريمة في شارع الملكة نازلي) لمحمد علي شاهين.
مؤلفاته
مذكرات الدعوة والداعية، لكنها لا تغطي كل مراحل حياته وتتوقف عند سنة 1942م.
المرأة المسلمة
تحديد النسل
مباحث في علوم الحديث
السلام في الإسلام
قضيتنا
الرسائل
كما أوكل إليه أبوه كتابة مقدّمة ( الفتح الرباني) مع ترجمة مؤلف أصل الكتاب الإمام أحمد بن حنبل، فكتب في مناقبه وسيرته، ومحنته، وما يتعلق بمسنده، ومنزلته عند المحدّثين، فأجاد.
كان من أسباب نجاحه شغفه بدعوته وإيمانه واقتناعه بها وتفانيه فيها، وانقطاعه إليها بجميع مواهبه وطاقاته ووسائله، وتأثيره العميق في نفوس أصحابه وتلاميذه، وكان الإخلاص الشديد، والعزم القوي، والأخلاق المحمديّة، والصبر والإيثار، من أبرز صفاته، وأوتي مقدرة بيانيّة فائقة متحدثاً وكاتباً، وخطيباً، وبلغ من جزالة لفظه، وسلاسة فكرته، وعذوبة أسلوبه، وسهولة مأخذه، مستوى كبار الكتاب البارزين، وأعلام رجال الأدب وحملة القلم.
رأى أن الدولة الإسلامية هي صاحبة دعوة ورسالة، وأن الفصل بين الدين والدولة خطيئة كبرى، وأنّه لابدّ من قيام حكومة إسلاميّة تقوم على القواعد التالية: مسؤوليّة الحاكم أمام الله من ناحية، وأمام البشر من ناحية أخرى، ووحدة الأمّة في إطار الأخوّة، واحترام إرادة الأمّة.
قالوا فيه:
كتب فضيلة المرشد عمر التلمساني عن أستاذ الجيل فقال:
لقد كان الإمام حسن البنا في حياة العالم الإسلامي يمثل الرجل الأمة، عالماً، خطيباً قوي البيان، مؤمناً بالله إلى أقصى حدود الإيمان، ذكياً خارق الذكاء، بعيد النظر في أعماق النفوس وآماد الأحداث، يتمتع بأعظم الحظوظ من روح الأبوة والسماحة والقدرة على تطويع النفوس وتوجيهها وتربيتها، وساعده على كل أولئك قوة الذاكرة بصورة لم يسمع أحد، ولم يشاهد احد لها مثيلاً في عصره، وربما في عصور سابقات.
كانت له ذاكرة غير مألوفة في قوتها، إذا سأل أخاً عن اسمه مرة وعن ابنه وأبيه وعمله ثم التقى به بعد أشهر طوال حيّاة باسمه وسأله عن والده فلان وابنه فلان، وكان ذلك مثار العجب عند الجميع. ولو علمت عدد شعب الإخوان أيام حياته، ولكل شعبة مسؤول ثم هو بعد ذلك يعرف كل مسؤول عن كل شعبة، وهو الذي يعرّف الآخرين بهم لأذهلتك هذه الذاكرة الجبارة التي ما ضاقت يوماً عن اسم، أو غاب عنها حدث مهما طال به الزمن.
كانت هذه الذاكرة تواتيه بالوقائع على وجهها الصحيح إذا أراد مجادل أن يحاور أو يكابر فيرده إلى الواقعة بزمانها ومكانها وأفرادها وملابساتها، كأنما يقرأ من كتاب، بلا تحد ولا محاولة إحراج، ولكنه الإقناع المترفق حتى ليظن العائد إلى الحق انه هو الحق.
كما كانت هذه الذاكرة المتوقدة سبباً في إزالة الكثير من المشاكل بين الإخوان إذا ما رجعوا إليه، وإذا ما دعا الأمر إلى سرد أحداث معينة سردها كأنما تسمعها من شريط مسجل(20).
قال الشهيد سيد قطب رحمه الله، تحت عنوان : حسن البنا وعبقرية البناء:
"في بعض الأحيان تبدو المصادفة العابرة قدرًا وحكمة مدبرة في كتاب مسطور ـ حسن البنا ـ إنها مصادفة أن يكون هذا لقبه. ولكن من يقول : إنها مصادفة ؟! والحقيقة الكبرى لهذا الرجل هي البناء وإحسان البناء بل عبقرية البناء ؟!.. وإن استشهاده عملية جديدة من عمليات البناء، وعملية تعميق للأساس وتقوية للجدران. وما كان ألف خطبة وخطبة، ولا ألف رسالة للفقيد الشهيد لتلهب الدعوة في نفوس الإخوان كما ألهبتها قطراتُ الدم الزكي المهراق.. إنّ كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا مُتنا في سبيلها دَبَّت فيها الروح، وكتبت لها الحياة. وعندما سلًّط الطغاة الحديد والنار على بناء حسن البنا والعاملين فيه , استطال عليهم الهدم، لأن الحديد والنار لا يمكن أن يهدما فكرة في يوم من الأيام".
وتحدث الكاتب الأمريكي روبير جاكسون عن الأمام حسن البنا، الكلمة التي سبقت وقتها.. تحدث بكلمات تتدفق بشعور يمتزج فيه الإعجاب والعجب بالحزن واللوعة والأسى، يقول: (هذا الشرق لا يستطيع أن يحتفظ طويلاً بالكنز الذي يقع في يده. إنه رجل لا ضريب له في هذا العصر.. لقد مرّ في تاريخ مصر مرور الطيف العابر الذي لا يتكرر. كان لابد أن يموت هذا الرجل – الذي صنع التاريخ وحوّل مجرى الطريق – شهيداً كما مات عمر وعلي والحسين. كان لابد أن يموت باكراً، فقد كان غريباً عن طبيعة المجتمع.. يبدو كأنه الكلمة التي سبقت وقتها، أو لم يأت وقتها بعد)(21).
وكتب الأستاذ أنور الجندي عن حسن البنا فقال:
لقد ظهرت حركات إصلاحية كثيرة خلال هذا القرن.. في الهند ومصر والسودان وشمال أفريقيا.. وقد أحدثت هزات لا بأس بها، ولكنها لم تنتج آثاراً إيجابية ثابتة.
اختفت هذه الدعوات، وبقيت عبارات على الألسن، وكلمات في بطون الكتب، حتى قُيض لها أن تبعث من جديد على يد الإمام حسن البنا، وان تستوفي شرائطها ومعالمها. وأن تأخذ فترة الحضانة الكافية لنضجها. وأفاد الرجل من تجارب من سبقوه، ومن تاريخ جميع القادة والمفكرين والزعماء الذين حملوا لواء دعوة الإسلام(22).